Tuesday 20/05/2014 Issue 15209 الثلاثاء 21 رجب 1435 العدد
20-05-2014

هدية الشيخ للمذيعة (المزيونة)!

هل تذكرون مشايخ الصحوة ممن شنوا حرباً شعواء، وممانعة شرسة، ضد استقدام القوات الأجنبية حين غزا صدام الكويت، وجثم كالغول على حدود بلادنا؟.. حينها لم يتمردوا على ولي الأمر فحسب، وإنما تمردوا على سلامة الوطن، وعارضوا الطريقة الوحيدة والممكنة لدفع المعتدي عن بلادنا، وفوق ذلك كله تمردوا - أيضاً - على هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم كان آنذاك الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله - وأصر أحدهم على أن القوات الأجنبية أتت لتبقى، وأصدر شريطاً لخطبة له ضمنها كل مهاراته الخطابية لجذب المتلقي، عنوانها: (فستذكرون ما أقول لكم) نسمعها اليوم، فنتذكر فقط أن الرجل - شفاه الله - كان انتهازياً، وأن علماء بلدنا الأعلام هم من قدروا النازلة حق قدرها، وتعاملوا معها بما يحفظ أمن العباد وسلامة البلاد.

وشيخ آخر ممن عارض - كصاحبه - الاستعانة بالقوات الأجنبية، وكان له - أيضاً - دور بارز، سجله التاريخ لنا، حين اعترض بقوة وشراسة وقلة أدب على من قدن السيارات من النساء السعوديات في الرياض في بداية التسعينيات من القرن الميلادي المنصرم. هذا الشيخ أهدى قبل أيام هدية لمذيعة في قناة الإم بي سي، وذكر في الإهداء بخط يده أنه يعتبرها - أي المذيعة الحسناء - كإحدى بناته، رغم أن المذيعة المذكورة لا تقود سيارتها في دبي فحسب، وإنما لا تلتزم فوق ذلك بما التزم به نساؤنا في مسيرتهن آنذاك.

والسؤال: هل تغيَّر الشيخ، أو تغيَّر الإسلام، أو تغيَّرت المصالح والطموحات السياسية، واتجاهات رياح المعارضة السياسية، وطريقة الوصول إلى الهدف والغاية؟

الإسلام صالح لكل زمان ومكان بلا ريب، لكن الذي تغير هو (وسائل الوصولية)، فأصبحت الآن هدية تُهدى إلى (مذيعة) حسناء، ومشهورة و(متبرجة) بمقاييسهم، تُقربك من الجماهيرية، وتُحبب الناس في شخصك، وتجعلك أدنى إلى قلوبهم، كما أن شتم النساء، والتعريض بهن، والتشهير بأسمائهن، تقربك حينها - أيضاً - من الشهرة والنجومية كذلك؛ أي أن الغاية والهدف لم يتغيَّرا، إنما الذي تغير الوسيلة، وكيفية الوصول إلى الغاية. وهذا هو الإسلام عندما (يتصحوى)، تُصبح الوسيلة، أية وسيلة، حتى وإن كانت شتماً وتشهيراً وإساءة للآخر، مقبولة، طالما أن الغاية في نهاية المطاف أن تحقق أهدافك. ولأنهم مُسيسون حتى النخاع فالغاية تبرر الوسيلة.

ولأن المجال لا يتسع في هذه الزاوية لذكر أدلة على ما أقول فليرجع القارئ الكريم إلى كتاب (السادس من نوفمبر: المرأة وقيادة السيارة في السعودية) من تأليف «الدكتورة عائشة المانع» و»الدكتورة حصة بنت محمد آل الشيخ» وإصدار (دار جداول للنشر)؛ لتعرفوا حقيقة من أهدى هذه الهدية اللطيفة للمذيعة (المزيونة)، كيف كان تاريخه، وكيف كانت مواقفه وأخلاقياته هو وأصحابه مع نساء بلدهم!

يقولون: ربما أنه قد تغير، وتغيرت بذلك توجهاته، فلماذا تُحاكمه على مواقفه في طيشه وشبابه؟

أقول: كنت أظنه كذلك، وقد جادلت كثيراً من أصدقائي دفاعاً عنه، وعن توجهاته الجديدة حين أصبح حينها متزناً حصيفاً مُتفتحاً، وكان النقاش آنذاك على برنامج شهير له في قناة الإم بي سي، إلا أن مواقفه التي صاحبت بدايات ما يُسمى بالربيع العربي أظهرت كثيرين، ومنهم هذا الشيخ، على حقيقته، فقد عاد وأعادها جَذعَة، وكأن شيئاً لم يتغير؛ خاصة بعد أن نشر كتابه (أسئلة في الثورة)، وهو كتاب نهج فيه منهج الذي أحرق من خلفه جميع مراكبه وهو في طريقه إلى الضفة الأخرى من النهر، ورفع بيارق الثورة، علناً، وتماهى مع أطروحات جماعة الإخوان تماهياً شبه كامل، فظهر على حقيقته، وليس ثمة مناص. لذلك كان انفتاحه، ووسطيته، ليست سوى (تحيُّناً) وانتظاراً للفرصة، ما إن حانت، أو ظنها قد حانت، حتى عاد كما كان في شبابه.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب