Friday 06/06/2014 Issue 15226 الجمعة 08 شعبان 1435 العدد
06-06-2014

في حفل تخرج مبتعثينا بكندا: عودة مضمونة؟!

كان الجو احتفاليا.. الطلاب يعيشون نشوة النصر ولحظات عدم التصديق أن الحلم يتحقق فعلا، وأن سنوات الجهد والاجتهاد أثمرت أخيرا. المتخرجون يهنئون بعضهم.. والأسر تحتفي بأبنائها.. والأطفال بملابسهم الجديدة يركضون في القاعات الفسيحة خارج مسرح الحفل.

البعض كان يعيش حالة تأمل واسترجاع لذكريات السنوات المجهدة الممتعة التي مضت. قريبا سينتقل من عالم ألفه، إلى عالمه الأصلي. نعم سيجد بعض ما تعود عليه في بلده، كمحلات الطعام السريع والمقاهي الشهيرة، ولكن في بيئة مختلفة. لن يتمكن البنات من قيادة السيارات والاعتماد على أنفسهن في كثير من أنشطة الحياة اليومية، ولن يستعيد الشباب أيام الدراسة والعمل في بيئة مختلطة. وقد يفتقد البعض برامج نهاية الأسبوع والتي تشمل مشاهدة الأفلام وحضور الحفلات الموسيقية.

إلا أن الجميع هذه المساء في جو احتفالي سعيد، والقاعة الرئيسية في مركز المؤتمرات، في العاصمة الكندية أوتاوا، تموج بحيوية وحماس وأحلام أكثر من ألف طالب وطالبة من جميع التخصصات والدرجات العلمية، من البكالوريوس إلى الدكتوراه. بعضهم جاء مع زوجاتهم وأزواجهن، والبعض الآخر مع أولياء الأمور وأفراد الأسرة.

مررت بمعرض يوم المهنة حيث يجتمع ممثلو عشرين جهة حكومية ومستشفيات وشركات خاصة مع الخريجين لمناقشة فرص العمل ولتوزيع الكتيبات والهدايا.

وعندما فتحت أبواب قاعة المسرح، وصلت الإثارة إلى مستوى أعلى. فقد وصل للتو وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، وسفير خادم الحرمين الشريفين إلى كندا نايف السديري ومسؤولين من الوزارة والسفارة، فضلا عن الضيوف العرب والكنديين. جلس الطلاب والطالبات في المقاعد المخصصة لهم على جانبي القاعة. وجلسنا، نحن الضيوف، وأفراد الأسر في الوسط.

كان الحفل على وشك أن يبدأ، عندما سألت مجموعة من الطلاب يجلسون بالقرب مني: هل فكرتم في الإقامة والعمل هنا بعد التخرج؟»

أجابوني: «نعم، روادتنا الفكرة. فالانضمام إلى شركات عالمية كبرى كمايكروسوفت، آي بي إم، وجنرال موتورز، والجامعات الشهيرة، ومراكز البحوث والمستشفيات المتقدمة حلم كل خريج. والعيش في بلاد ككندا وتدريس أولادنا في مدارس راقية والاستمتاع بالخدمات المدنية ومزايا الحياة هنا أمر مغرٍ.»

ولكنهم مع ذلك شعروا بأن البقاء لا يصح ولا يجوز. فقد أرسلتهم بلادهم للتعلم والتدرب بهدف واحد: أن يعودوا بالمعارف والعلوم والمهارات المتكتسبة ليسهموا في تطور أمتهم وتقدم مجتمعهم.

«بلدي» هتف جراح القلب الشاب: «ما مثلها بهالدنيا بلد!»

عادت بي الذاكرة إلى أيام الدراسة في الولايات المتحدة، في التسعينات الميلادية، وإلى عام التخرج. لم تكن الأحوال الاقتصادية في المملكة مشرقة كما هي عليه اليوم، وكانت فرص العمل أقل توفرا. وبصرف النظر عن تلك الهموم والمخاوف، شعرت بذات شعور هؤلاء الشباب، أنه ليس لنا غير بلادنا.

للأسف، لم يكن هذا هو الحال مع العديد من زملائي العرب. فمعظم الطلاب غير الخليجيين كانوا يبحثون عن الإقامة الدائمة في «العالم الجديد». كانت الأسباب متشابهة. يقول زميلي السوري «لماذا أعود إلى بلد حاضرها لا يشجع، ومستقبلها لا يطمئن؟»

ويضيف الزميل الليبي «ولا تنسى انعدام الأمن والنظام القمعي،» أما الفلسطيني فلم يكن بحاجة إلى شرح أسبابه. آخرون تعذروا بالظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة في بلادهم، وكانت البطالة وعدم توافر بيئة عمل متطورة على رأس القائمة. «ماذا أصنع بدرجة الدكتوراه في الطاقة النووية إذا عدت للخرطوم ؟» تساءل زميلنا السوداني.

«جواز السفر الأميركي، يا صديقي، يعطيك الحماية والهيبة. يمكنك السفر والعمل في جميع أنحاء العالم، مطمئنا إلى أن قوة عظمى تحمي ظهرك، ولن تخذلك!»، أوضح الطالب اليمني.

حاولت المناقشة بحجة «بلدك يحتاجك!»، ولكن دون جدوى، ففقدان الأمل يؤدي إلى فقدان الثقة والولاء. صحيح، أن على المواطن مسئولية تجاه بلده، ولكن الصحيح أيضا أن على بلده مسئولية تجاهه أيضا. فلا يعقل أن ترسل شبابك للدراسة في أفضل جامعات وبلدان العالم، ثم تتوقع منهم أن يقبلوا بالعودة إلى نفس بيئة الفقر والتخلف، والدراسة والمعيشة، أو أن يبقوا بلا عمل!

كل ما تقوم به في هذه الحالة هو الاستثمار في العقول ثم التخلي عنها لغيرك، والبلدان المضيفة تفوز في الحالتين: تكسب الاستثمار والمستثمر فيهم.

عودة إلى ليلة التخرج في أوتاوا ، كندا. إلى صيحات الفرح والسعادة بالعودة. عودة إلى مستقبل أمتنا في عيون أفضل استثماراتنا.. أبنائنا وبناتنا عائدين إلى بلادهم ومجتمعهم بمعارف ومهارات ووعد بمستقبل مجيد.

هنيئا لك يابلادي! بعكس حال العديد من الدول الأخرى فقد استحققتي حب أبنائك في الغربة، وامتنانهم وولائهم.

kbatarfi@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب