Thursday 26/06/2014 Issue 15246 الخميس 28 شعبان 1435 العدد
26-06-2014

حماية النساء من التحرش في بيئة العمل

عقد الأسبوع الماضي في العاصمة البريطانية أحد اهم المؤتمرات الدولية التي تبحث في أمر الاعتداءات الجنسية علي النساء وخاصة في أوقات الحروب والاضطرابات وقد جندت منظمة الأمم المتحدة جهودا كبيرة للفت أنظار العالم إلى هذه المشكلة المرعبة وهي سهولة استغلال النساء والفتيات وإيقاعهن تحت نير الاعتداءات الجنسية بمختلف أشكالها خاصة حين يقع البلد في اضطراب ما.

وعلى سبيل المثال لا شك أن معظمكم من تابع المشاهد المرعبة للفتاة التي تم اغتصابها في ميدان التحرير لحظة تنصيب السيسي والذي جاء لاحقا لزيارتها وواعدا إياها بتقديم المجرمين السفلة للعدالة. المشكلة أن مؤتمر لندن العالمي لم يحظ بأي حضور من الجانب المصري رغم استفحال المشكلة فيه وتعدد حدوثها علنا في السنوات الأخيرة!

هذا الموضوع يدخلنا للحديث عن مشكلة ثقافية وواقعية وتتكرر بشكل يومي وهو التحرش العام الذي تتعرض له النساء والفتيات في كل الأوقات وكل الأماكن.

علينا هنا تحديد ما المقصود بالتحرش وماهي أنواعه حتى نتفق عليها سلفا.. إذ قد يرى أحد ما أن (الترقيم) مثلا لا يعد تحرشا جنسيا.. كما قد يرى آخر أن إطلاق ألفاظ الأعجاب (لفظيا) على فتاة تمر أمام شاب لا يعد جريمة تستحق العقاب غير أن ذلك لا يتفق مع التعريف العالمي للتحرش والذي يحدده بأنه أي شكل من أشكال الاعتداء اللفظي أو المباشر باللمس الجسدي أو غير المباشر. ويحدد المركز المصري لحقوق المرأة سبعة أشكال من التحرش وهي: لمس جسد الأنثى، التصفير، المعاكسات الكلامية، النظرة الفاحصة لجسد المرأة، تلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، الملاحقة والتتبع والمعاكسات التليفونية.

وتحدد الإمارات العربية المتحدة رؤيتها في هذه المسألة من خلال القانون التالي :(المادة 359 من قانون التحرش يقول : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد عن عشرة آلاف درهم أو بأحدى هاتين العقوبتين من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق.)

تأتي أهمية وضع قانون للحماية من التحرش هنا في المملكة العربية السعودية نظرا للمتغيرات الكثيرة التي طرأت على وضع المرأة وعلى سوق العمل فإذا كانت عمالة المرأة لدينا قبل عشر سنوات فقط تتركز في القطاع الحكومي المفصول تماما فإن ما يفتح باب الفرص الوظيفية اليوم هو القطاع الخاص وليس الحكومة: أي البنوك والشركات والمؤسسات التي يتطلب عملها بيئة عمل مختلفة قد تجبر بعض المؤسسات إلى درجة ما من الاختلاط بين الجنسين في بيئة العمل كما هو الحال في المستشفيات والمستوصفات الحكومية والسوبر ماركات والمجمعات التجارية والمطارات والمؤاني وغيرها من شؤون الحياة المستحدثة التي تطلبت عمل الجنسين.

إذن المرأة الجديدة العاملة شئنا أم أبينا موجودة في مكان عمل مختلط كليا أو جزئيا وعلينا أن نرفع رؤوسنا من الرمال وننظر بتمعن في واقع مختلف. لنكن أكثر وضوحا ونقول إنه ونتيجة لسطوة التيارات الدينية المتشددة (والأخوان هم فقط أحد أرديتها) على المؤسسات العامة في المملكة وعلى الأجهزة التعليمية والقضائية بوجه خاص تمت مقاومة وضع قانون للتحرش حتى لا يكون اعترافا من الحكومة بوجود بيئة عمل مختلطة؟

لا بأس : انتهى ذلك الآن واستيقظت الدولة على الذئاب الجائعة تحاول نهش لحمها في وضح النهار وهاهي تتخذ ما يجدر بها أن تتخذه من خطوات لحماية مملكتها. الآن جاء صوت العقل ليؤسس أيضا لبيئة عمل صحية تضمن العيش الشريف لكلا الطرفين من الجنسين اللذين يعرفان حدودهما الأخلاقية والاجتماعية والمهنية ويؤطرانها وبعلم منهما من خلال قوانين واضحة تجرم التحرش وأقصد تحديدا تحرش الرجال بالنساء في بيئة العمل رغم الحاجة إلى سن قانون عام يجرم التحرش بكل أشكاله وفي كل مكان.

في هذا الصدد قامت وكالة رويترز العالمية بعمل دراسة عن التحرش الجنسي عام 2012 شملت 12 الف امراة في 24 بلدا تبين من خلالها أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة بين 24 دولة في قضايا التحرش داخل العمل! إذ وصلت نسبة النساء اللاتي صرحن بأنهن يتعرضن للتحرش من قبل من يعمل معهم من رؤسائهم من الرجال 16% مقابل 3% في ألمانيا و6% في أسبانيا و3% فقط في السويد!

وفي دراسة أخرى قامت بها باحثة سعودية مؤخرا تحت عنوان:

«التحرش الجنسي بالنساء» وكانت على عينة عمرية بدأت من 18-48 ,أكدت 92% من المبحوثات تعرضهن لنوع أو آخر من التحرش..

معلومات الدراسة قالت إن 27 بالمئة تعرضن لتحرش لفظي، 26 بالمئة منهن تعرضن لمحاولة ترقيم، و24بالمئة تعرضن لتحرش بالنظرات، و 15 بالمئة تعرضن للمس أجزاء من الجسد.

وفيما يخص تبرج الضحايا أوضحت الباحثة أن «المتبرجات وغير المتبرجات كلتاهما تعرضتا للتحرش بنسب متساوية، وهذا يؤكد أن المتحرش لا يهمه نوع الضحية لكن يبحث عن تفريغ لهذه السلوكيات المشينة مما يشير إلى خلل في التنشئة الاجتماعية».

كذلك أشارت الدراسة الاستطلاعية التي قام بها مركز الحوار الوطني حول التحرش الجنسي إلى أن 76% من المشاركين يرون أن عدم وجود الأنظمة التي تحد من التحرش يؤدي إلى ازدياد الحالات في المجتمع، وأنه ليس هناك عقوبة تعزيرية منصوص عليها وواضحة تحدد مقدار عقاب أو جزاء كل تصرف أو سلوك خاطئ قد يلحق الضرر بالآخرين.

ماذا نريد أكثر من ذلك ؟ هل حدت كثافة معرفتنا الدينية بحرمة قتل دم المسلم من أن نركض بسياراتنا في شوارعنا كالمجانين حتى وصلت نسبة القتل بحوادث السيارات إلى أعلى الدول في العالم مما اضطر الحكومة رغم وجود (المجتمع المتدين) إلى وضع نظام ساهر الذي ساهم في خفض حوادث السيارات بأكثر من 45% وخفض الوفيات إلى 9%.

نفس المنطق يجب أن يحكمنا. قوة الوازع الديني لم تحد من تعدي كتاب العدل على ملايين الأمتار من الأراضي بل ما أوقفهم هو القانون وهذا ما نحتاج إليه. قانون واضح تحت مسمى (التحرش الجنسي) ولا يخلط بالأشكال الباقية من الإيذاء كما في قانون الحماية من الإيذاء الصادر قبل عام والذي يحتاج هو الآخر عبر مواده التنفيذية التي أعلنت مؤخرا إلى وقفة مراجعة حقيقية ليرفع الغموض عن مواده المتشابكة.

مقالات أخرى للكاتب