Tuesday 01/07/2014 Issue 15251 الثلاثاء 03 رمضان 1435 العدد
01-07-2014

الجامعات والقبول الكمي

نستهل هذا المقال بالمباركة للجميع بحلول الشهر الفضيل وندعو الله أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم. وبعده، عقدت وزارة التعليم العالي قبل اسبوع لقاءً مفتوحاً حول: «القبول في الجامعات: الآليات والأساليب والمستجدات»، لقاء من تنظيم العلاقات العامة في الوزارة التي كالعادة أجادت التنظيم والتوقيت على اعتبار أننا

نعيش أيام القبول الجامعي والطلاب وأولياء الأمور على حد سواء يشخصون للجامعات لمعرفة كيف سيتحدد مصيرهم.

وكان اللقاء الذي أداره مدير العلاقات العامة الدكتور محمد الحيزان مع مدراء الجامعات أو من يمثلونهم في أمور القبول وبمشاركة عدد كبير من المهتمين والإعلاميين لقاءً بناءً وتشرفت أن اكون من المدعوين.

وأسهب مسئولو الجامعات، مدراء ووكلاء، في تناول»آليات القبول وأساليبها» المعروفة سلفاً من مواقع جامعاتهم، ولم تكن هناك مستجدات تستحق الذكر، فتركيز معظم المسئولين كان على تأكيد أمر واحد وهو التزام مؤسساتهم بالشفافية الكاملة فيما يخص بالقبول، والنفي المطلق لتدخل الوساطات.

وكان واضحاً أن نفي موضوع الواسطة في القبول هو الهاجس الشاغل للجميع وسبب جوهري في عقد اللقاء، حتى أن سعادة المشرف على مدير مكتب الوزير الدكتور عبدالله الطاير أكد عدم تدخل أي من المسئولين الكبار في أمر القبول، وأتي على ذكر حالات لم يتمكن مدراء جامعات فيها أنفسهم من تسجيل أبنائهم في مجالات معينة، وهذا أمر يشكر المسئولون عليه.

خرج الجميع بانطباع قوي عن ضبط عملية القبول بالحاسب حسب معيارين رئيسين: معدل الثانوية العامة، واختبارات القياس التي يقدمها مركز القياس، والنسبة دائما ترجح لمصلحة القياس بشكل كبير. وهذه معايير صماء سهلة وواضحة ويستطيع برنامج حاسوبي بسيط التعقيد حسابها، و هي بالطبع لا تستثني دون تدخل بشري. والبعض يتساءل هل ستسهم هذه الآليات في تحقيق الأمور المطلوبة من القبول مثل توجيه الطلاب للتخصصات التي يرغبونها، أو تجنب الآثار الجانبية مثل التسرب أو الإيحاء للطالب بأن الأفضل هو التوجه للمجالات المحدودة المقاعد بصرف النظر عن أهميتها أو ملاءمتها لميوله الشخصي؟ وهل يسهم هذا النوع من القبول في الرفع من المستوى التعليمي والبحثي في الجامعات؟ الإجابة نعم ولا في الوقت ذاته، فمما يساعد على تلافي سلبيات هذا الأسلوب الكمي في القبول هو وجود سنوات تحضيرية في بعض الجامعات تمكّن الطالب من تحسين أدائه واختيار مجاله، إلا أن توجيه الطلاب للتخصصات المختلفة يكون بالأسلوب ذاته بعد السنة التحضيرية أيضاً.

ولاشك أن الفرز الإليكتروني للقبول مريح ودقيق و يلقي بعبء القبول على الطالب ذاته وعلى مركز القياس الذي يختبر الطلاب بالآلاف ويصحح أوراقهم آلياً، فكل ما في الأمر هو تعبئة البيانات على موقع الجامعة و يتولى الحاسوب البقية، وفي هذا بالطبع نوع من التهميش لعمادات القبول والتسجيل التي لا تخلو جامعة منها. والفرز الحاسوبي يتجاهل أحيانا بعض الأمور الكيفية التي تراها البعض مهمة، و منها الاستعدادات الفردية، والاستثناءات الشخصية، و يلغي أيضا دور الكليات وأعضاء هيئة التدريس في اكتشاف المواهب.

ولو أخطأت اختبارات القياس، مثلاً، وقد حصل هذا في أمريكا ذاتها، أو لم تقس المهارات المطلوبة بشكل دقيق فسينعكس هذا الأمر على عملية القبول والتعليم برمتها وهذا أمر مكلف للغاية. و رغم الدور المصيري لاختبارات القياس لتحديد مصير مئات آلاف الطلاب سنوياً إلا أنها، حسب علم الكاتب، لم تخضع لأي عملية تقويم أو دراسة مستقلة من جهة محايدة لمعرفة دقتها أو مهنيتها أو حتى تحديد النسبة الأنسب لاحتسابها في عملية القبول مقابل اختبارات الثانوية. وهي تعيد اختبار قدرات وتحصيل الطالب للمرحلة الثانوية فقط ولا تعنى بميوله وموهبته أو توجهاته المستقبلية.

وهناك سؤال يراه بعض المهتمين جوهريا و مهما، وهو: هل يحق للجامعات الاستثناء من هذا الفرز الكمي للطلاب؟ وهل يمكن أن يكون هناك نسبة معينة من استثناءات لاعتبارات أخرى مثل امتلاك مواهب معينة، أو ظروف خاصة؟ وهل هناك آليات وأساليب ناجعة توفر المرونة الكافية للطلاب بتغيير تخصصاتهم فيما بعد حسب رغباتهم فيما لو ارتفعت معدلاتهم الجامعية؟ فالقبول يصاحب مرحلة المراهقة أكثر مراحل عمر النشء حساسية وتردداً. ثم لماذا لا تستفيد الجامعات من بعض مقاعد الدراسة في علاقاتها مع المجتمع بالأسلوب ذاته التي تستفيد منه فيما هو أهم وهو إعارة أعضاء هيئة التدريس ذاتهم؟ ألا يستحق من يتبرع للجامعة بمال أو وقف أو كرسي أو من يسهل لها بعض أمورها المهمة أن يمنح مقعداً لابنه في الجامعة؟ وماذا عن عضو هيئة التدريس الذي أفنى عمره في خدمة الجامعة، أو من هو على رأس العمل بينما زملاؤه معارون لجهات مختلفة برواتب مضاعفة ألا يستحق مقعداً لابنه مقابل خدمته العلم والطلاب؟ وهنا يتضح أن في القبول الكمي ما يوصف في علم البصريات بنقاط عمياء كثيرة يغفلها، وأحياناً يكون في السوية ظلم لكثير من الرعية.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، لماذا لا تطبق معايير قبول الطلاب الصارمة، من العدالة والشفافية، على معايير تعيين وندب وإعارة أعضاء هيئة التدريس، لم لا تخضع هذه الأمور لاختبارات التحصيل والقدرات التخصصية ومعايير الاداء الأخرى؟ الا يستحق الأساتذة عدالة وشفافية مشابهة لتلك التي نحرص عليها للطلاب؟ فهناك من أعضاء هيئة التدريس المقيدين في بعض الجامعات من لم يخدم فصلاً دراسيا واحداً في قسمه وغادر في إعارة ربما في غير تخصصه فور تعيينه، وله عشرات السنين معاراً ولا زال يحصل على الحقوق ذاتها التي يحصل عليها من هم على رأس العمل في قاعات المحاضرات!!

بقي أن نتطرق لبعض التخصصات التي يقتتل القوم حولها، ومنها الطب والهندسة التي تحظى بإقبال جارف دونما وعي من الطلاب لمناسبتها لميولهم، فما هي نسبة توسع الجامعات في القبول في هذه التخصصات في الأعوام الأخيرة لمعالجة تزايد الإقبال؟ نعم استحدثنا كليات جديدة في هذه المجالات ولكنها بالسعة الضيقة ذاتها، فما زال العاملون في هذه التخصصات يطالبون بضرورة تقليص القبول بها حرصا على نوعية التعليم، ولكن في بعض الأحيان لا نحصل لا على النوعية ولا الكمية، وكل ما في الأمر أن بعض العاملين في هذه المجالات يكيفونها كيفما ارادوا، ويقضون معظم وقتهم متعاونين مع جهات خارجية خاصة. ففي الطب مثلاً تقلصت الروتا، مصاحبة الطلاب في فحص المرضى، بشكل كبير في الأعوام الأخيرة من ساعتين لأقل من ذلك بكثير، و تسجل في بعض الكليات باسم خمسة أعضاء هيئة تدريس يتناوبون عليها وتحسب لكل منهم ساعات مجملة كاملة. وبعض أبحاث الطب والهندسة، على قصرها و صغرها، يشترك فيها أكثر من عشرة باحثين، بينهم متعاقدون، وتحسب نقاط كاملة لهم جميعا. وهذا ما يفسر سهولة وسرعة الترقية في هذه المجالات. فلماذا لا تضاعف نسبة القبول في هذه التخصصات وتتاح الفرصة للعدد الأكبر من الطلاب، فالطب، مثلاً، مجموعة علوم تسمى في مجملها «طب»: كيمياء، أحياء، وظائف أعضاء، أدوية، أمراض الخ. وتدرّس كثير من مواده في جامعات عريقة في مدرجات ضخمة، ففي المانيا والنمسا مثلا وهي دول متقدمة في الطب، لا يلزم طالب الطب بحضور كثير من المحاضرات إذا كان بإمكانه اجتياز الاختبارات. وفي دول ككوبا والمكسيك يستطيع أي طالب الالتحاق بالطب إذا اجتاز اختبارات معينة تحددها كليات الطب، وليس اختبارات قياس عامة. ونحن نقلص القبول في الطب لأقصى الحدود، ثم نستورد أطباء من دول ذات كثافة سكانية كبيرة من العالم الثالث تخرّج آلاف الأطباء سنوياً بصرف النظر عن مستواهم، فعلينا رفع حالة التهويل التي تحيط ببعض التخصصات للمساهمة في ضبط الاقبال عليها.

وفي الختام، نود التنويه بأن ضبط امور القبول بالحاسب قد تكون له حسنات اجتماعية، و لكن قد لا ينعكس بالضرورة إيجابا على جودة التعليم. فتعليمٌ مرنٌ جيدٌ باستثناءات في القبول، أفضل من تعليم محوسب القبول بلا استثناءات ويفتقد للمرونة.

وهذه وجهة نظر تهدف لتسليط النظر على موضوع القبول من ابعاد قد تكون مغفلة في نظام القبول الحالي.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب