Tuesday 29/07/2014 Issue 15279 الثلاثاء 02 شوال 1435 العدد
29-07-2014

الجلي والخفي في عدوان إسرائيل الهمجي

السياسة والمبادئ الإنسانية لا تجتمعان. فالسياسة في الأعم الأغلب لا تتفق مع معايير الأخلاق المتعارف عليها التي تنشدها الشعوب، بل أنها أحيانا تكون متعارضة تماما معها. فالسياسة تعتمد تحقيق المصالح بأية وسائل وبأي آليات تبرر تلك الوسائل التي هي في كثير من الأحيان غير أخلاقية.

ونحن اليوم نعيش عصر ما «بعد الصهيونية» حيث تفككت الأسس التي تستند عليها هذه الحركة العنصرية ليس لبشاعتها فقط بل ولأن روحها التي تعتمد الطروحات الدينية الميثولوجية، والعنف والتهجير لم تعد تتماشى مع روح العصر الحديث الذي أصبح فيه العالم قرية واحدة. كما أن الصهيونية التي اعتمدت احتكار المال والإعلام في الغرب لم يعد في وسعها السيطرة بشكل كامل على الإعلام الحديث كما في السابق، وليست لها أيضا السيطرة الكاملة على موارد العالم لبروز قوى جديدة غير غربية. ولذا فقد لجأت إلى المشاركة بقوة في تأجيج الحركات الإسلامية المتطرفة التي تشوه العرب والمسلمين وتصورهم على أنهم همج مصاصي دماء لتبرير استمرار سياستها حيالهم.

وتستند الصهيونية الغربية إلى أسوا المبادئ المتطرفة في الديانة اليهودية التي ترى اليهود عرقا أرقى من سائر الأعراق، وأنهم شعب الله المختار الذي يتوجب على الشعوب الأخرى خدمته، ولذا، فهي تنظر للشعوب الأخرى على أنها غير مكافئة إنسانيا للعرق اليهودي. وترتبط هذه الحركة ببرنامج في منتهى الخطورة يسعى لإعادة صياغة الخارطة البشرية بجعل إسرائيل الكبرى، ما بين النيل والفرات، التي وعد الله بها موسى مركزاً لهذا الكون. ويشاركها في هذا التطلع معظم المسيحيين البروتستانت الذي يرى الكثير منهم مهمتهم الدنيوية تحقيق هذه النبوة الإلهية؛ مثلهم في ذلك مثل كثير من الحركات الأصولية الدينية المتطرفة.

فإسرائيل، وبكل المقاييس تشبه داعش، والقاعدة في تطلعاتها المبنية على تصورات دينية وأساليب توظيف العنف لتحقيق هذه الغايات.

ومن سوء حظ الفلسطينيين والعرب عموما أن أمريكا البروتستانتية تعتبر نفسها امتداداً لإسرائيل لا العكس، وهي تغدق المساعدات على إسرائيل، ويشكل دعم إسرائيل جزءا كبيرا من التجارة التبشيرية في وسط أمريكا بمليارات الدولارات. وأمريكا تطوع المنظمات العالمية لتخليص إسرائيل كلما ورطت نفسها في جرائم ضد الإنسانية، واستخدمت الفيتو 65 مرة لصالح إسرائيل. وقد صرح جون كيري مؤخراً على موقعه في تويتر: بأن موت مواطنيين أمريكيين في الحرب في غزة أنما هو دليل على المصير المشترك بين أمريكا وإسرائيل وقتالهم جنباً إلى جنب، وقدم تعازيه للإسرائيلين والأمريكيين فقط! ولم يأت على ذكر مئات الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين الذي قتلتهم أسلحة بلاده التي تقدمها بالمجان لإسرائيل، ولم يقدم لهم أي تعازي.

وغزة شريط حدودي رفيع لا يتجاوز عرضه 9 كيلو مترات وطوله يزيد قليلاً عن 40 كيلاً ويسكنه أكثر من مليون ونصف فلسطيني، وهو من أكثر المناطق في العالم اكتظاظًا بالسكان، ويعتبره كثير من المحللين السجن الأكبر في تاريخ البشرية إذ إن سكانه يعيشون حصاراً دائماً من البحر والبر والجو، وتتولى مؤسسات الأمم المتحدة رعاية النزلاء في هذا السجن. فلا يمكن للفلسطينين مثلا تجاوز خمسة كيلومترات في البحر للصيد، وإذا فعلوا ذلك تصدت لهم بوارج إسرائيل الحربية، بينما تستطيع جميع شعوب الأرض الصيد في البحار المفتوحة، ولا يوجد في غزة مطار، ولا حدود خارجية خارج سيطرة إسرائيل. وباختصار فظروف غزة أسوا بكثير من ظروف الضفة الغربية بكثير حيث يعيش الشعب داخل جدار عازل.

وقد تجلى الخبث الإسرائيلي في المساهمة في تأسيس حماس ذاتها بهدف تمزيق وحدة الفلسطينيين في عام 1987م وقد دعمتها بشكل مباشر أو غير مباشر بالسلاح والمال مستغلة فورة المد الإسلامي في العالم العربي حينئذ. وقد ساهم تقسيم قيادة السلطة الفلسطينية في إفشال جميع المساعي السلمية لحل القضية الفلسطينية؛ حيث لم يستطع الفلسطينيون اتخاذ موقف موحد من ذلك الوقت، واستمرت اسرائيل في تغذية هذا الخلاف بمساعدة أمريكية. ومن قبيل الخبث الإسرائيلي أنها اشترطت موافقة السلطة الفلسطينية وحضور ممثليها لفتح المعابر في غزة. أما حماس، ونظراً للعزلة التي وجدت نفسها فيها فقد التجأت لإيران التي كانت تبحث عن حلفاء بأي ثمن داخل المحيط العربي.

ولذا، فهناك أبعاد منظورة وأخرى غير منظورة للهجوم الهمجي لإسرائيل على غزة. فالأسباب المعلنة تتعلق باختطاف ثلاثة شبان إسرائيلين وقتلهم في محيط غزة، علماً بأنه لم يعرف بعد من خطفهم، أو دوافع خطفهم، والهجوم استبق التحقيقات. وقد اعتادت اسرائيل قصفها الإجرامي بين فينة وأخرى للقطاع المكتظ بالسكان تدعمها في ذلك الحكومات الغربية التي تسيطر أوساط صهيونية عليها وعلى الإعلام فيها. فإسرائيل التي تملك رابع جيش في العالم، تملك أقوى قوة إعلامية واقتصادية في العالم تدعمها في كل المحافل السياسية والدولية، بينما يعاني العرب من ضعف إعلامي خارجي مخجل، وتشتت سياسي، وتباعد بين عرب الشتات وعرب الوطن.

الهجوم على غزة له أهداف أخرى ربما من بينها استعراض نظام القبة الحديدية الصاروخية بالتجربة الفعلية في التصدي لصواريخ حماس تمهيداً لتسويقه تجاريا. وكذلك تجربة الأسلحة الإسرائيلية المختلفة الأخرى التي تسوقها إسرائيل على أنها مجربة وناجحة في غزة، فإسرائيل سادس مصدر للسلاح في العالم، وأول مصدر للغازات السامة والرصاص المطاطي. أما الهدف الثاني فهو ضرب التقارب الفلسطيني- الفلسطيني بعد أن يئست السلطة الفلسطينية من جدوى التنسيق بعيداً عن حماس في ظل تنكر اسرائيل وأمريكا لوعودهما المتلاحقة لها.

أما فيما يتعلق بحماس فقد انقسم الرأي العام العربي حولها، فالبعض يرى أنها تعرض أرواح المدنيين للخطر في حرب غير متكافئة، والبعض الثاني يرى أنها تمارس حقاً مشروعاً في المقاومة التي تستلزم التضحيات. ومهما كان الوضع فإن إيران كقوة اقليمية صاعدة لها مصلحة في استمرار القتال، ونفوذاً على حماس. والحرب تغطي على تدخل ميلشياتها وجرائمها في العراق وسوريا، كما أن ذلك يخدمها ويؤكد على حضورها في المنطقة فيما يتعلق بالملف النووي الذي دخلت المفاوضات حوله مرحلة حساسة جداً. ولا شك أنها ستستفيد حتما من التجربة الفلسطينية في إطلاق الصواريخ على إسرائيل حيث تعتمد إيران على الصواريخ في المقام الأول كقوة رادعة من أي هجوم محتمل على منشآتها النووية.

لكن الحرب أتت بنتائج أخرى غير متوقعة، فاستمرار المقاومة غيّر الحسابات الإسرائيلية التي بدأت حملة ولم تستطع أن تنهيها بالشكل أو التوقيت الذي تريده. كما أن الإعلام الجديد كشف وحشية هجماتها الهمجية على السكان العزل الأبرياء، وتسبب ذلك بكثير من الإحراج للحكومات التي وقفت بجانبها لاسيما الحكومة الأمريكية التي انكشف عدم حياديتها كوسيط محايد.

أما بالنسبة لحماس فقد تعرضت لكثير من النقد بسبب تحالفها السابق مع حركة الإخوان المسلمين، وبسبب إصرارها على الاستمرار فيما نظر له البعض على أنه مقاومة عبثية ضحاياها معظمهم من الأطفال والشيوخ والنساء.

وعلى ما يبدو فإن استمرار الهجوم الإسرائيلي ستكون له تداعيات أوسع مما خططت إسرائيل له منها تجدد الانتفاضة، وتصاعد المطالبات الفلسطينية بإنهاء الحصار الظالم على غزة والضفة الغربية؛ لأن وضع الضفة الغربية وما بها من معابر وأسوار لا يقل سوءًا عن غزة. ولو استمرت الصواريخ بالسقوط على إسرائيل فسيسبب لها كثيرا من الإحراج على كافة الأصعدة؛ فهي إن واصلت الانتقام ازداد عليها الانتقاد الخارجي، وإن لم ترد ازداد عليها الانتقاد الداخلي. كما أن الاقتصاد الإسرائيلي، وخاصة في مجالي الطيران والسياحة سيتضرران كثيراً. ولعل في هذه المآسي ما فيه الخير لإخوتنا الفلسطينيين ولقضيتهم التي عانت كثيراً من المماطلة وفرض الحلول غير العادلة.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب