19-08-2014

تغيُّب الفتيات...!!

منذ أكثر من عام وقد جعلت اهتمامي متابعة الأخبار التي تنشرها الوسائل الإعلامية عن تغيب فتيات عن منازلهن, أو هروبهن مع مجهولين, أو وقوعهن في محظور، أو اختفائهن ومن ثم وجودهن مع من غرر بهن.., وجميع ما تورده الوسائل من ثمَّ عن الأسباب التي تنشر لهذه الحالات في جمل مقتضبة يكون مرماها التورط في خطأ, أو الوقوع في تغرير, أو الخوف من ابتزاز, أو الهروب من قسوة، أو الانصياع لإغواء,.. وآخرهن الفتاة التي تغيبت بعد خروجها من الصلاة في المسجد النبوي الشريف, وتلك التي تغيبت في حائل عن أسرتها أسبوعا, فوجِدت الأولى في دار عجوز أفريقية حبستها في حجرة لمدة أسبوع، أطعمتها وأسقتها, ولم تؤذها غير أن الفتاة كسرت الباب وهربت وأسلمت نفسها للأمن!!..,

أما الثانية فقد تفسحت تنقلا بين الرياض، والقصيم, وحائل دون اهتمام بعواقب ما يكون، إلى أن رصدها نفر من المحتسبين.., كلاهما لا تزال قضيتها قيد التحقيق, وسوف لن نعرف التفاصيل بمثل أننا قد علمنا بالحادثة إلا ما ستأتي به تخرصات المفوهين في الوسائل الاجتماعية للتبادل..!!

إننا نؤكد على أهمية أن للجميع قضايا ذاتية قد لا تعني إلا أفرادها، ونؤمن يقينا بأخلاق فضيلة الستر... إلا أن هناك دوافع ذات مؤشرات إلى فقد كثير من قيم التعامل التربوي، والإنساني، بل الإيماني داخل البيوت من قبل الولاة سواء كان منهم الأب, أو الأم, أو الأخ, أو العم والخال, أو أي وصي..!

يحدث هذا في البيوت التي لا يسودها الود المؤسس على عقيدة الحق, والمبني على أسس الفردية، والقائم على لحمة علاقة متماسكة بالاحترام والتوقير، وضبط النفس, وتقنين حدود الوالدية في الجزاءات والعقوبات عند السلوك الخاطيء من قبل الأبناء فتيات،وصبيانا، والسلوك الواجب تعزيزه في آن, ومراوحة تبادل الحوار, والإصغاء للرأي، ومنح الحق في التعبير عن الذات, واحترام شخصياتهم ومنحها مساحة من الخصوصية, والإشراف على تمكينهم من خبرات ثقافية, والترويح عنهم، والسفر معهم ولو لمدن داخلية في الإجازات, وتجديد العلاقات بينهم بإضفاء برامج تبادل خبرات, وتعزيز ذات بالثقة فيما يصنعون, ويقولون, وعدم التطاول عليهم لا لفظا، ولا يدا,.. ومن ثم منحهم أحقية اختيار مجالات دراستهم، أو من يختارون ليرافقهم مسيرة حياتهم،.. فكل هذا إن فُقد يحيل الأسر في بيوتها لأماكن لا تكن الألفة، وتحتوي على عدم الثقة في بعض أفرادها بعضا, وتجعل اللجوء للوالدين أو الأكبر, أو الألصق عند الحاجة منفيا خلف سدود من الخوف، والرهبة، وعدم الثقة، وفي المآزق لا منجاةَ، ولا ضابطَ، وكابحَ..

وفي الواقع أن كثيرا من البيوت ينتفي الأمان عن أفرادها خلف غلالات من السلوك، والعلاقات التي بينهم، هناك جفوة بين الأفرد داخل الأسر، فلا ثقافة في قيم الرابطة، وحدود الترابط, والأدوار, وواجباتها وحقوقها, بل هناك من يعق, وهو يتخيل أنه على حق, لأن دوافع العقوق يكون الذي أسسها هو مسلك الوالدين أنفسهم..فيما يسيطران بعقيدة أحقيتهما فيما ليس لهما من حق.

عودة لنبع ثر, ورحيم،ومتماسك, وثابت للعلاقة الأسرية.. كي تُبنى جُدرٌ من قيم في النفوس تشاد، ولا تُنقض حين حاجة النفس لحظة وهنٍ وضعف لتجد من يشدها، ويحميها..

إن الحالات التي تواجهنا بها حقيقة المشكلات التي ينجم عنها هروب البنات كثيرة ومهمة لمعرفتها ومن ثم القضاء عليها..., وسبق أن أفردت لهن سلسلة من مقالات كانت بعنوان:

«حزن البنات».., تصديت فيها للكثير من حاجتهن لمحاضن آمنة.., الأمر الذي دفع بعشرات من النشء يطالبونني بالتصدي «لحزن الأولاد» الشبيه حينذاك, كان ذلك من أكثر من عقدين أو نحوهما، ما يجعلني الآن وقد تفاقمت أحزانهم أن أؤكد على أن الظروف الحياتية من حولهم قد تغيرت, والدوافع المختلفة تباينت، والمسالك بأشكالها قد تشعبت، ولا يزال وضع الأسر الداخلي في علاقات أفرادها ببعضهم يحتاج إلى مزيد توعية، وكثير من ضوابط، وأساليب للتقارب, والتواد, والرحمة، والتوعية, والتربية, لانتشال أفرادها من النشء، والمراهقين, والشباب من مواقع الزلل, والتفريط, والضياع بشتى أنواع خطيئآتهم التي تخصهم وحدهم, وقد تمتد لأسرهم، وقد تلحق بمجتمعهم...

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب