19-08-2014

أصلها ثابت وفرعها في السماء

في الستينات وجزء من السبعينات، كان الفكر والأيديولوجيا القومية أو العروبية هي السائدة، وكان أغلب ضباط الجيوش العربية، خاصة دول الشمال العربي، يتحينون الفرص، للقفز على ظهور دباباتهم، ومحاصرة من في يده السلطة، ثم إعلان (بيان الثورة الأول). ولأن الانقلابيين كانوا يتلمسون لهم أيديولوجيا من خلالها يمررون لمواطنيهم ذريعة قفزهم إلى كرسي السلطة، أصبحت (القومية والوحدة العربية) وتحرير فلسطين هي العامل المشترك لكل الانقلابيين العرب، وذريعة من لا ذريعة له؛ وكانت (موسكو) عاصمة الاتحاد السوفييتي آنذاك هي قبلة االانقلابيين العرب، منها، ومن ثقافتها، ونظرياتها، ومن مصانع أسلحتها - أيضاً - كانوا ينهلون، حينها كانت (التنمية الاقتصادية الشاملة) والمطالبة بها، من عبارات العرب (الرجعيين)، أعداء التحرر والثورات، وعملاء الغرب الإمبريالي، كما كانوا يرددون.

كانت هزيمة (1967) المريرة هي النقطة الفاصلة والمحورية التي جعلت أعناق العرب في كل مكان تلتف نحو أنظمتم القومية، وتسألهم: لماذا انهزمنا وانتصرت إسرائيل، وكنا ننتظر كما كنتم تأملونا، أنكم ستلقونها، ومعها الصهاينة، في البحر، فإذا هي تتسع وتتمدد، ويتضاعف حجمها جغرافيا مرات؟ فلا يجدون إلا القمع والإسكات والسجون.

توفي عبد الناصر، وخلفه أنور السادات، فكان أهم ما اتخذه من قرارات، هو الإفراج عن المتأسلمين العرب المسيسين الذين اعتقلهم عبدالناصر، وأودعهم السجون، وكان هدفه من إطلاقهم أن يواجه بهم من كانوا يسمون حينها (مراكز القوى)، الذين كانوا خصومه الحقيقيين، وفعلاً استطاع أن ينجح، ويحاصر مناوئيه، غير أن المتأسلمين السياسيين، الذي كانوا بمثابة (الوحوش) التي حاصر بها مناوئيه، عادت بأنيابها السامة إليه، ونهشته في (حادثة المنصة) الشهيرة وأردته قتيلا

كان من المفروض أن اغتيال المتأسلمين المسيسين للسادات، كفيل بمحاصرتهم، وإعادتهم إلى السجون حيث كانوا، إلا أن نجاح الخميني والثورة الإسلامية في إيران، أغرت العرب بتكرار تجربة الإيرانيين، والتخلص من قياداتهم العروبية (المهزومة)، فتألق المتأسلمون أكثر، وأصبح شعار (الإسلام هو الحل) شعاراً يتردد صداه من الخليج إلى المحيط،.

غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام 1979، فارتعدت فرائص العرب، وشعروا بالخطر يقترب من مياههم الدافئة، فلم يكن أمامهم لمواجهة الخطرين الإيراني من جهة، والسوفييتي من الجهة الأخرى، إلا إيقاظ (المارد المتأسلم)، والقذف به في أتون المعركة ضد السوفييت في أفغانستان؛ انسحب السوفييت من أفغانستان عام 1988، وخسروا معركتهم، ثم تكالبت عليهم المشاكل الاقتصادية، وتفكك وانتقل من الواقع إلى صفحات التاريخ؛ غير أن (المارد المتأسلم) بقي يبحث عن فريسة أخرى؛ فالتف إلى الجميع، الأنظمة العربية والغرب، والشرق، والعالم كله؛ وكله يقين أن نجاحه في أفغانستان تجربة كافية تثبت أنه يستطيع أن يهزم كل من نعرض له.

ثم جاء ما يسمى بالربيع العربي، كما سماه الغربيون، غير أن هذا الربيع لم يلبث إلا أن تحول إلى شلالات دماء، بسبب (المارد المتأسلم) أيضاً، فاهتزت عروش، وسقطت أخرى، وتحولت بلاد العرب التي مرت بها رياح هذا الربيع إلى حروب طائفية لم يعرف لها العرب في وحشيتها مثيلاً؛ عندها أدركت الشعوب أن شعار (الإسلام هو الحل) يعني على أرض الواقع (الطائفية هي الحل) فلا إسلام دونما طوائف على الأرض؛ وليس المارد المتأسلم والذي اتضح لهم أنه(طائفي) محض إلا عدو الشعوب وعدو استقرارها قبل الأنظمة.

بقي أن أقول: الدولة المحورية الأولى في المنطقة، التي استعصت على القلاقل والاضطرابات، أو سمه إن أردت رياح الربيع العربي، هي (المملكة)؛ بل أنها خرجت منها، ومن مؤامراتها، ومن كيد أعدائها، أقوى مرات ومرات مما كانت عليه قبل هذا الربيع؛ في حين سقط القذافي، وسقط الأسد الابن حين تحالف مع إيران، وسقط الزعج علي عبدالله صالح في اليمن، وتورطت إيران ومعها حزب الله في مستنقعات حروب طائفية في سوريا والعراق لا تعرف كيف تخرج منها ومن تبعاتها، وآخرون تورطوا في عدائنا ومناوئتنا (بمجانية)، وهاهم يعضون أصابع الندم، ويعيشون عزلة وحصار سياسي، لا يعرفون كيف يخرجون منه؛ وآخر من سقط من أعداء المملكة كان «نوري المالكي»؛ ويكفي أن ترى مدى التفاف السعوديين على قيادتهم، وتبجيلهم لها، لتعرف أن هذه البلاد وقفت بصلابة في وجه المد اليساري القومجي و(انقلاباته) في الستينات، حتى سقط.. ثم وقفت في وجه المد اليساري المتأسلم و(إرهابه) ما يزيد عن ثلاثة عقود، وهاهي شمسه تؤذن بالرحيل.. إنه تاريخ مسيرة من النجاحات والثبات، تمتد من زمن المؤسس الملك عبدالعزيز وحتى الملك عبدالله ابن عبدالعزيز؛ هذا التاريخ هو ما فات على (المتآمرين) علينا، قراءته بعقل وروية ورزانة وبعيداً عن الأحقاد، لا كما يقرأه لهم فلول القومجية والإخونجية وطحالبهم (السروريين)، وبعضهم من أبنائنا للأسف.

إلى اللقاء

مقالات أخرى للكاتب