22-08-2014

ما هي ورطة مشايخنا؟

يبدو أن داعش ستصبح في القريب العاجل أثراً بعد عين. فكل المؤشرات تقول إنها في طريقها للنهاية.

والسؤال الذي يهمني هنا: هل اقتنعنا الآن أن الحلول القادمة من الماضي السحيق، والتي لا علاقة لها بالعصر وشروط العصر، وضوابط قواعد علم الأصول في الفقه، لا يمكن أن تفرز عند التطبيق الفعلي إلا مثل هذه الصورة القميئة والمغرقة في البعد عن المعاصرة؟

هنا بيت القصيد ومربط الفرس من ظاهرة داعش وجبهة النصرة وبقية الحركات المتأسلمة التي روعت المسلمين قبل غيرهم بالإرهاب. فلو أردت من الدواعش - مثلاً - تبرير تصرفاتهم وما يقدمون عليه فقهياً لوجدت أن أغلب هذه التصرفات مبررة ومؤصلة ومصدرها كتب الفقه والحديث وكتب السير بل ومراجع اجتهادات بعض أئمة المذاهب الكبار؛ وهم بذلك متبعون وليسوا مبتدعين. صحيح أن لهم بعض التصرفات غير الشرعية استقوها من فقه جماعة الإخوان لا من السلف، والتي تفجر بعض الثوابت الشرعية، مثل إباحتهم قتل النفس ومخالفتهم حرمة الانتحار قطعياً في الإسلام، وربما هذه النقطة بالذات هم فيها مبتدعون، وميكافليون، ويأخذها البعض عليهم بقوة، إلا أن منهجهم في العودة إلى التاريخ الماضي وعدم الاكتراث بالواقع العالمي وفرض ما يؤمنون به فرضاً بقوة السلاح هو تماماً ذات المنهج الذي ينادي به بعض المتكلسين من مشايخنا. ولا يمكن أن تعالج قضية اجتماعية ما لم تعالج (أولاً) الجذور والبواعث والدوافع الثقافية والمنهجية، وإلا فإن هذه الجذور إذا لم تجتث سوف تعود وتنبت ثانية متى ما وجدت الظروف البيئية المناسبة.

خادم الحرمين تساءل بقوة وغضب موجها خطابه للمشايخ : لماذا انتم ساكتون وكسالى؟.. السبب أن النوازل والمستجدات التي يواجهونها أكبر بكثير من قدراتهم العلمية، ناهيك عن عدم رغبتهم الحقيقية في (التخلص) من منهجهم؛ فهم يعرفون معرفة تامة لا يخالجها أي شك أن داعش وكذلك جبهة النصرة القاعدية تمارس ذات المنهج الاستدلالي الفقهي الماضوي الذي يمارسون، وإن اختلفوا معها فهم يختلفون في التفاصيل وليس في المنهج الاستدلالي؛ وهناك عبارة يرددها كثير منهم في مقولاتهم وخطبهم مؤداها (لا يصلح الحاضر إلا بما صلح به الماضي)، وهي عبارة صحيحة، لكن السؤال : هل العودة الى الماضي بحذافيره وعدم الاكتراث بالمتغيرات التي طرأت على الحاضر وعلى مزاج الإنسان وعلى معاييره في القبول والرفض، لا تؤخذ هنا في الاعتبار؟.. خذ الرق مثلاً، الرق والسبي من الممارسات التي كانت سارية وشرعية في الماضي التاريخي وأمامكم كتب الفقه فاقرؤوها؛ بل إن هناك من مشايخنا المعاصرين من يصرحون بذلك علنا حتى قبل ظهور داعش ويصرون على أن (السبي) واسترقاق أسرى الحروب الجهادية من الكفار، من المسائل المجمع عليها عند الفقهاء، وعندما تسألهم: طيب، لنفترض أنه كان مباحاً في عصر ما، ألم يُعط الإسلام ولي الأمر حق (تقييد المباح)، عملا بمواكبة المستجدات والتماهي مع متطلباتها تلمسا للمصلحة العليا؟ ثم أليس الأمر والنهي يرتكز على (الاستطاعة)؟ هذا إذا كان واجباً أساساً كما يقول الأصوليون؟.. عندها ينتفضون، ويشعرون بالورطة، فأغلب أهل الحديث لا يعترفون بهذه القواعد الأصولية، وبعضهم يحصرها في أضيق نطاق، بل لا يعترفون كذلك بكثير من مسائل ومعايير الفقهاء في استنباط الأحكام، فإذا صح الاثر مثلاً يعتبرون صحة السند دليلاً كافيا على المشروعية بغض النظر عن ضوابط فقهية أخرى؛ وهذا ما أثاره الشيخ محمد الغزالي في كتابه القيم (الســنة بين أهل الفقه وأهل الحديث)، ولأنه أحرجهم كثيرا، استطاعوا أن يفرضـــوا منع كتابه من التداول في المملكة، ومازال؛ ولو عدت تبحث في داعش وجبهة النصرة ومثيلاتهم في التاريخ الإسلامي، لوجدت أن أولئك الذي لا يلتزمون بضوابط علم الأصول في استنباط الأحكام، ومنهجهم، هم أس البلاء ومثار الفتن. يقول جل وعلا: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب