23-08-2014

مغازلجي

الشيخ المُسن لم يكن مرتاحاً من تحركات المراهق الذي يراه بين فَينة وأخرى يَجُول في الحي لاسيما في مواقع تكررت مشاهدته فيها، وزاد ارتياب الرجل الفاضل حين شاهده في أوقات تكون قبيل وقت الصلاة، أو بعدها وهو مُنصرف مع المتأخرين من المسجد إلى منزله، وفي إحدى الأمسيات وجد (الرّزين المحتسب لذاته) فرصة للحديث مع الفتى بدأه بمناصحته على المبادرة بالتوجه للمسجد مع الأذان والمحافظة على الصلوات، حتى أوصله لنقطة الارتكاز بالاستفهام عن تجواله بين منازل محددة في أوقات بذاتها؟! وبلطف الشيخ وحنكته في الحوار مع فتى بهذا العمر (وهي مهمة صعبة في نظر علماء النفس والمختصين)؛ نجح في استنطاقه وإقراره أنه كان في صولات ومغامرات غزلية مع عاملة اعتادت مقابلة عمال توصيل الطلبات من المطاعم والبقالات، وأنه بمناوراته -رغم حداثة عهده بهذه المُناخات والأجواء العاصفة- استمالها وأُصيب بسهام من لَحْظِها الفَتّاك، وغمزاتها اللاذعة لشِغَاف القلب، هو في الحقيقة لم يتحدث بهذه العبارات، لكن الشيخ الظريف ترجمها بما لديه من خبرة وذخيرة لغوية اكتسبها من قراءاته لدواوين العشاق وإشعار الوَجْد والوَلَه في عمر الصبابة، وفهمت من حديثه أنه يُقدّر عَصْف الوجدانيات بالقلب الخَلِي الطروب، والأثر البليغ لغوايات بعض (المتحرشات) بالفتيان ممن يشعرون بهذا العمر وكأنهم ينافسون قيساً وابن هاني وابن أبي ربيعة، وكانت مبررات وعِلَل الفتى العاشق واهية وغير منطقية وهو يحاول إقناع الشيخ بصحة مسلكه قياساً على مغامرات من هم أكبر منه سناً وأعلى شأناً في مجالات الحياة والتأثير بالمجتمع المحيط بهم، استغرب (المُنَاصِح) هذا الفهم الشبابي الموغل في الضّلال والجهل بالواقع، إذ يرى المراهق (فاتن العذارى) أنه أولى بجولات الغرام والهيام من أولئك المُحْصَنين بالزواج، وممن يتبوؤون مواقع اجتماعية محسوبة مرموقة ويشار إليهم بالحديث بالمجالس ويستشهد بآرائهم وأقوالهم، ومنهم من تستضيفهم برامج جماهيرية من أجل توعية المجتمع بمسائل وقضايا هامة، وإذا بهم يقعون في قبضة الأمن وهيئة الحسبة متلبسين بما يهز كيان مجتمع بأكمله، من علاقات نسائية محرمة وابتزاز صريح مع التخطيط المسبق وإيقاع النساء والفتيات الباحثات عن عمل أو تسجيل بالجامعات أو الساعيات للنقل من مدارس نائية لمواقع أقرب لسكناهن، أو خبير الرقية المزعوم الذي يُسيء للمريضات ويُعرّضهن لمواقف مخزية حتى أخزاالله بفضحه، أو الأكاديمي (الستيني المتقاعد) الذي استغل علاقته بالجامعة لابتزاز طالبات يبحثن عن القبول بممارسة الرذيلة وفي أطهر بقعة بمكة المكرمة، أو الطبيب الذي أقسم على أمانة المهنة ويقع في حبائل الشيطان مبتزاً لزميلات العمل وإيذائهن، يرى الشاب أنه أقل ذنباً من كل هؤلاء، وأنه في عمر لا يستغرب معه مثل هذه الأفعال، لكن الشيخ الخبير (بقدراته ومهاراته الحوارية العقلانية) لم يستسلم للانفعال الوقتي لإدراكه لما يَعْتمِل في عقل ووجدان المراهق الصغير عمراً وعقلاً، فتعامل معه بمرونة المجرب وعاطفة الوالد ولطف المحتسب للخير، فأكد له تَدَرّجاً بأن أولئك ليس هم القاعدة بل هم الاستثناء، وهناك عقلاء بوزنهم في مواقع كثيرة يحاربون ميول هذه النماذج السيئة ويُقدّمون القدوة الحسنة الصادقة، وقال: يابني كن عاقلاً مع العقلاء.

T@alialkhuzaim

مقالات أخرى للكاتب