Culture Magazine Monday  02/04/2007 G Issue 193
فضاءات
الأثنين 14 ,ربيع الاول 1428   العدد  193
 

تمثيلات الآخر في الشعر السعودي
(3 - 5)
سعد البازعي

 

 

تضمنت الحلقة الماضية من هذا الاستعراض لكيفية النظر إلى الآخر وتوظيفه في الشعر السعودي ملاحظات تتعلق بالشاعر محمد العامر الرميح وحماسته، مع بعض أبناء جيله في الخمسينيات، إلى الأخذ بالجديد والدعوة إليه.

وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم اهتمام الشاعر بكتابة قصيدة بعنوان (في متحف موريس أوتريللو) (نشرت أولاً سنة 1959)، المتحف أو بالأحرى المعرض الذي لا ندري من النص أو من الشاعر أين مكانه أو متى أقيم أو متى تمت زيارته، إن كان الشاعر زاره فعلاً، أم أنها كانت زيارة ثقافية- خياليةمستمدة من القراءة.

ما نعرفه هو أن موريس أوتريللو Utrillo شاعر فرنسي توفي سنة 1955، أي قبل كتابة القصيدة بأربعة أعوام، وهو ما يمنح القصيدة بعداً واقعياً إلى حد ما ويقوي احتمال زيارة الشاعر الفعلية للمعرض.

لكن الطريف هو أن أوتريللو لم يكن رساماً بارزاً والأهم من ذلك أنه اشتهر باستيحائه للمشاهد الباريسية ذات القبول الشعبي الذي أبعده ربما عن التيارات الحديثة.

وفي هذا، كما يتضح، مفارقة تستثير اختيار الشاعر له في منزعه الحداثي أو التحديثي.

المسألة الطريفة الأخرى هي استخدام الشاعر وصف (متحف) لما يعرف عادة بالمعرض، لأن الفنانين يقيمون معارض وليس متاحف لأعمالهم.

المتاحف هي الأماكن التي تودع فيها أعمالهم بعد اكتسابها قيمة فنية وتاريخية.

ومن هنا نقف على الفجوة الثقافية التي تفصل الشاعر عن الحضارة الغربية، فالأمر كما يبدو سيان بالنسبة له سواء كان المكان متحفاً أم معرضاً.

في (المتحف) أو المعرض يقول الشاعر إنه رأى (آلاف اللوحات على الحائط الأزرق الطويل)، وللمبالغةهنا ما يبررها في دهشة الشاعر وشعوره باحتشاد المكان:

آلاف اللوحات

على الحائط الأزرق الطويل

عيونها المنفتحات

تحدق بي

تسمرت أحداقها في معطفي

وآلاف الأيدي

تلوح لي

تقول لي:

(نحن هنا في يوتوبيا

أسرة واحدة

فلا تشتر منا شيا)

هذه الصورة المفعمة بالحركة وبالدلالات التي يختلط فيها الفني بالإنساني تمهد لدخول الشاعر في عمق المعرض، حيث يتحول إلى جزءٍ من المشهد، بل إن المشهد نفسه يتحول إلى مشهد عائلي يداخله الشاعر متحدثاً ومستمعاً.

لكن لعل التداخل الأهم يقع في حيز الدهشة الثقافية، دهشة الانفتاح على الآخر المختلف ثقافياً بإرثه الإبداعي غير المألوف؛ ففي تجربة الرميح يقوم النص، وإن جزئياً، على مقاربة الرسم واللوحات بوصف ذلك منتجاً ثقافياً غير مألوف، رسومات تبدو حية تنظر إلى الداخلين المتأملين على الرغم من كونها لوحات مسمرة إلى جدار، فهذا الشاعر القادم من بيئة ثقافية شديدة المغايرة، من الجزيرة العربية، يسجل دهشته لمشهد الرسم الواقعي وهو ينفخ الحياة في الخطوط والألوان.

جزء آخر من قيمة النص ينبع من ملاحظة الشاعر لما تعيشه اللوحات من حياة مستقلة متواشجة ترفض معها أن يفصل بعضها عن بعض، فهي تحدثه قائلة: (نحن هنا في يوتوبيا/ أسرة واحدة/ فلا تشتر منا شيا).

والقيمة المشار إليها تعود إلى التوتر الذي ينشأ من رغبة الشاعر في اقتناء إحدى تلك اللوحات على نحو يخالف رغبتها في البقاء معاً؛ ففي القسم الثاني من القصيدة يلاحظ الشاعر لوحة لطفلة جميلة تنطق صورتها بالحياة فيعبر عن انبهاره الشديد وتفاعله نتيجة ذلك مع ما تعبر عنه، لينطلق من ذلك، في القسم الثالث، إلى التعبير عن رغبته في الشراء ليفاجأ بأن الرسام، أو من يشير له ب(صاحب المتحف العجوز) يرفض بيع تلك اللوحة تحديداً لأسباب تختتم بها القصيدة ليتحول النص في النهاية إلى تعبير عن معاناة ذلك الشيخ بدلاً من أن يكون تعبيراً عن معاناة الشاعر نفسه، مع أن الممكن أن يكون الشيخ رمزاً للشاعر نفسه.

من ناحية أخرى من الواضح أن الرميح حرص على الحفاظ على البعد الثقافي المختلف في النص بإبراز تجربته الثقافية المتمثلة بزيارة ما أسماه (المتحف) ودهشته لتميز اللوحات من الناحية الواقعية، وكذلك في إبراز معاناة الرجل العجوز بوصفها معاناة رجل ينتمي إلى بيئة غير بيئة الشاعر؛ فالرجل العجوز، سواء كان هو أوتريللو نفسه أم غيره، ابن بيئة تعرف الثلوج والصقيع التي تختتم بها القصيدة.

على أن جزءاً من تلك التجربة الثقافية تبدو، كما سبقت الملاحظة، من زاوية غير مقصودة، أو غير مقصودة بالضرورة، في خطأ الإشارة إلى متحف بدلاً من معرض، ثم في إعجابه برسام واقعي وشعبي بعيد كل البعد عن الحداثة التي يدعو إليها في مقدمة ديوانه وفي شكل قصائده وما تعبر عنه.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال،أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5135» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة