Culture Magazine Monday  02/04/2007 G Issue 193
فضاءات
الأثنين 14 ,ربيع الاول 1428   العدد  193
 

الأنصاري رائد الرواية «1»
التوأمان (ثنائية الجوهر والظاهر)
سحمي الهاجري

 

 

(لقد كانوا سطحيين.. من شدة عمقهم)

نيتشه

مدخل

هل تقتصر ريادة عبد القدوس الأنصاري للرواية المحلية على السبق التاريخي؟ وهي الفكرة الشائعة في الدراسات القديمة. تحاول هذه الدراسة اختبار هذه الفكرة الشائعة، وتنطلق من مقدمتين بحثيتين:

* المقدمة الأولى: مقدمة عامة، تقوم على أن مراجعة الأفكار الشائعة من المداخل المهمة للدراسات المتنوعة.

* المقدمة الثانية: مقدمة خاصة بالموضوع محل الدرس، ومفادها أن الدراسات الحديثة بدأت تغير منظور القراءة لأعمال الرواد، وتوسع الرؤية في تناول تلك الأعمال، ويمكننا هنا الاستشهاد بمقولتين للدكتور عبدالله الغذامي، والدكتور معجب الزهراني.

مقولة الغذامي

هي مقولة تركز على طبيعة المثقف المحلي، ووقوعه بين قطبي الوعي الذاتي والمحافظة الاجتماعية؛ حيث يتردد في الموقف الواحد أو العمل الواحد - مثلا - بين مستويين من التعبير، أو نمطين مختلفين من الرؤية إحداهما ذاتية متحررة، والأخرى اجتماعية متحفظة، والفاعل واحد (حكاية الحداثة، بيروت المركز الثقافي العربي 2004م، ص 26).

وتقتضي هذه المقولة أن يكون أثر الذات الاجتماعية بارزاً على السطح - ليراه المجتمع - ويظل أثر الذات الفردية الواعية هناك، في العمق، بمعنى أن أي عمل من أعمال رواد الوعي والنهضة مؤهل لأن يوجد فيه أثر لذاته الواعية، تحت غطاء ذاته الاجتماعية، وقد يجتمعان في النص الواحد، بحيث يقوم كل منهما بما يسميه إدوارد سعيد (وظيفة أدائية لتاريخين متعارضين)، (الثقافة والإمبريالية، ترجمة كمال أبو ديب، بيروت: دار الآداب، ط2، 1998م، ص 75).

مقولة الزهراني

هي مقولة تضع الأنصاري في مقام (المثقف الإصلاحي المحافظ) حسب تصنيفه لرواد الإصلاح والنهضة الثقافية في المملكة. (علامات في الأدب والنقد، نادي جدة الأدبي الثقافي، مجلد 15، ج 60، جمادى الأولى 1427هـ مايو 2006م، ص 859).

وتقتضي هذه المقولة أن الأنصاري من خلال هذا الموقع هو الأقدر على التأثير التنويري الهادئ والعميق طويل المدى، وقد واصل نفس النهج في كتبه وأبحاثه ودراساته المتعددة، وفي مجلة (المنهل) التي لا تزال تؤدي رسالتها حتى اليوم بانتظام حتى بعد رحيله؛ وهو بهذا أبلغ تأثيراً من النوعين الآخرين من الإصلاحيين - حسب تصنيف الدكتور معجب الزهراني -: المثقف الإصلاحي النقدي المتردد، والمثقف الإصلاحي الصدامي.

وهنا تنشأ أسئلة أساسية: هل يمكننا تحويل مفردات هاتين المقولتين إلى فرضيات بحثية، وتطبيقها على رواية (التوأمان)؟ وهل صورة الذات الاجتماعية المحافظة للأنصاري هي التي أثرت في الدراسات القديمة، فاكتفت بها عن كل ما هو عميق وما هو جوهري في الرواية؟ وهل يوجد في العمل أثر لذاته الفردية الواعية، تحت غطاء ذاته الاجتماعية؟ وما هي القيم الجديدة التي استبطنتها (التوأمان)، وأثرت بعمق وبهدوء وبانتظام، كما هو موقع مؤلفها بين رواد الإصلاح والنهضة في المملكة؟

وعلى وجه التحديد: هل تنطوي رواية (التوأمان) على قيم حداثية بالنسبة لزمنها ولحظتها التاريخية؟ وقد اختار مؤلفها القالب الروائي أو الأجناسية الروائية ليقدم من خلالها عمله الأول، والرواية نوع أدبي حديث بامتياز، ثم إن عدم ظهور مصطلح الحداثة في ذلك التاريخ (لا يعني عدم انطباقه على الحالة) حسب الغذامي (حكاية الحداثة، ص 42)، خصوصاً أن الغذامي في كتابه يؤكد على مسألتين هامتين:

الأولى: أن مشروع الحداثة في المملكة مبكر جداً، ويعود إلى عهد التأسيس.

الثانية: أن الوعي الحداثي ينفتح (على

آفاق الاجتهادات كلها، سواء جاءت على يد سياسي أو مصلح اجتماعي أو مبدع أو مفكر قديم أو حديث مع استبعاد الحصر في الأدب دون سواه، واستبعاد العنصر الزمني)، (السابق ص 39).

وهاتان المقدمتان يمكن أن تؤديا إلى نتيجة محددة، وهي:

أن البحث عن مفاهيم أو قيم حداثية في أعمال الرواد مشروع ومطلوب، وهو أمر لا يتحقق إلا في سياق ربط العمل بكامل نسيج لحظته الثقافية التاريخية، وهذا يخرجنا من الاستمرار في اجترار الأحكام التي أطلقت على (التوأمان) بدون مراعاة هذا الاحتراز الأخير.

يقول جيرار جينت: علينا أن نأخذ بعين الاعتبار تلك العلاقة المتغيرة بتغير الأفراد والجماعات والعصور التي ليست بالتالي حكراً على النص السردي وحده (خطاب الحكاية، ترجمة محمد معتصم وآخرون، الكويت: المجلس الأعلى للثقافة، ط2، ص 181).

من هنا نبدأ

صدرت رواية (التوأمان) عام (1349هـ 1930م) بصفتها أول رواية محلية، وتناولها عدد من الدراسات الأدبية، من أهمها مثلا:

* فن القصة في الأدب السعودي الحديث، للدكتور منصور الحازمي. (الرياض: دار العلوم 1401هـ 1981م).

* فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر، للدكتور محمد صالح الشنطي. (جازان: النادي الأدبي 1411هـ 1990م).

* فن الرواية في المملكة العربية السعودية، للدكتور محمد السيد ديب. (القاهرة: دار الطباعة المحمدية 1410هـ 1989م).

* الرواية في المملكة العربية السعودية، للدكتور سلطان بن سعد القحطاني. (الرياض: شركة الصفحات الذهبية 1419هـ 1998م).

* البطل في الرواية السعودية، للدكتور حسن حجاب الحازمي. (جازان: النادي الأدبي 1421هـ 2000م).

ومما يلاحظ على هذه الدراسات وغيرها أنها على كثرتها، من حيث الكم، متشابهة أو مكررة من حيث النوع، وينقل بعضها من بعض، والفكرة الشائعة والمشتركة بينها - غالبا - هي: حصر قيمة (التوأمان) في السبق التاريخي، وبعض الدراسات تطرفت ونعتت

الرواية بعبارات غير لائقة. ويلاحظ على هذه الدراسات نزوعها إلى التسرع في إصدار الأحكام، بسبب طبيعتها الوصفية، واشتراك أغلبها في سمتين أساسيتين:

السمة الأولى: الوقوف على سطح (حدوثة) الرواية، ومثل هذا الوقوف لا يكفي، لأنه لا يكشف الأبعاد العميقة للعمل، وأكثرية ممكناته السردية، ومن عيوب النقد - كما هو معروف - النظرات الإجمالية المتعجلة، وتعميم الكليات، والذرائعية، في حين أن الرواية تحتاج إلى النظرة التحليلية والتفصيلية.

السمة الثانية: عدم التركيز كثيراً على دراسة ترابط الرواية مع سياقها السياسي والاجتماعي والثقافي، وانعكاسه عليها، وامتداداتها فيه؛ باعتباره لحظتها التي تستمد منها معناها وشريان تفاعلها، ائتلافاً واختلافاً، حيث يجب النظر في الخصائص السياقية، كما ينظر عالم الصوتيات في الخصائص الصوتية العامة كما ينقل سعيد يقطين عن هايمز (تحليل الخطاب الروائي، بيروت: المركز الثقافي العربي 1997م ص 48).

وهذا الملتقى الخاص بدراسة آثار الأنصاري ومنجزاته الفكرية والتنويرية، فرصة لإعادة قراءة (التوأمان)، (قراءة لا تكتفي بدلاليات السطح، بل تحاول أن تسبر دلاليات الأعماق)، (خزانة الحكايات، سعيد الغانمي، بيروت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي 2004م)، وفي إطار زمنها ولحظتها التاريخية، ومقارنتها مع مفردات سياقها الثقافي، بمعنى الذهاب إليها، بدل استدعائها للمثول النقدي، لأن هذا يوصل إلى نتائج ناقصة، فهو يبتعد بها عن سياق إنتاجها، ويقاربها بذهنية وذائقة مختلفة.

كما أن على أي دراسة ألا تغفل ما تنطوي عليه أعمال مثل (التوأمان) من آثار تتمايز تبعا لصراع الخطابات في زمنها، وحقيقة نزوعها إلى ما يسميه روجر آلان (عملية اللحاق بالركب، والتوترات الناشئة عن الصراع بين البحث عن طرق جديدة في التعبير وبين الصلة مع الماضي) (الرواية العربية، ترجمة: حصة إبراهيم المنيف، المجلس الأعلى للثقافة بمصر 1997م، ص 26).

وكون هذا الملتقى مضمار مناسب لإعادة القراءة، فإن هذا هو الجانب الجيد من الأمر، إلا أن الجانب الآخر يكمن في إمكانية المصادرة على نتائج الدراسة بحجة الطابع الاحتفالي لمثل هذه الملتقيات، وفي اعتقادي أن ما يعصم من مثل هذه المصادرات، أن قيمة أي دراسة إنما تتحقق إذا قيدت الآراء فيها بالبراهين؛ لأن الرأي الذي لا يدعمه البرهان، يظل رأيا مجردا، ولا ينتقل إلى حقل المعرفة؛ ولهذا حرصت الدراسة على عدم تقديم الأحكام أو الآراء أو الأفكار ما لم تقدم الدليل عليها سواء من داخل العمل ذاته، أو من وقائع سياقه السياسي والثقافي والاجتماعي، أو من أقوال النقاد والدراسات المتخصصة، والحرص على التوثيق الدقيق لكل معلومة أو استشهاد يتم استثماره أو الاستفادة منه في صلب الدراسة، لعل كل ذلك يستثير دراسات أخرى، تسهم في تطوير هذه الدراسة، أو الإضافة عليها، أو تعديلها، أو حتى معارضتها بالكامل، والوصول إلى ما هو أبعد منها، وذلك لقناعتي بأن (التوأمان) تستحق أكثر مما كتب عنها حتى الآن.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة