Culture Magazine Monday  02/04/2007 G Issue 193
قراءات
الأثنين 14 ,ربيع الاول 1428   العدد  193
 

الخويطر.. وبعد القول قول
مصطفى محمد كتوعة

 

 

استقبلت المكتبات الإصدار الجديد لمعاليه وهو كتاب (بعد القول قول)، ومن يقرؤه يقف عن قرب على أبعاد مهمة في شخصية حبيبنا الدكتور عبدالعزيز الخويطر عبر محطات عديدة من مشوار حياته بارك الله في عمره، خاصة أنه شاهِد على عصر وتاريخ مهم من مسيرة الوطن، وسيظل أحد رموزه وأعلامه البارزين المخلصين.. فأجيال وأجيال شبت عن الطوق عقلا وتربية وعلما وهي تحمل بصمات وقبسا مضيئا من جهد وفكر وإدارة معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر عبر مسيرة حافلة بالعطاء لهذه الشخصية الوطنية الفذة.

الكتاب يضم آراء ورؤى هذه القامة الكبيرة تجاه الكثير من القضايا، ويتناول برؤية المحب الحكيم العديد من الشخصيات المؤثرة، وتفاصيل كثيرة عن العلم والإدارة والتنمية والإنسان السعودي.. وهل ننسى مجلدات (أي بني) التي هي شهادة أخرى وتاريخ بلغة حميمة، قدم معاليه خلالها شهادته وتفاصيل رائعة للأجيال كتجربة ومسيرة وطن وشعب وتراث الأجداد الذين حملوا رايات المجد ومنحوا للفضائل وقيم الحياة والعمل قيمة عظيمة، وقدم صورة الأمن بلغة واقعية استمدت معانيها ومفرداتها من نسيج هذا الوطن ومنظومته الرائعة، وحقيقة نعمة الأمن في هذا البلد الذي استمد جذوره الراسخة من معين الشريعة الغراء، ثم من هذا التلاحم والنسيج الوطني كالبنيان المرصوص ليقدم الوطن للعالم أنصع وأنجع وحدة في العصر الحديث انصهر فيها الإنسان السعودي بتراب هذا الوطن ومكنونه من قيم عظيمة.

أكثر من عشرين كتابا قدمها حبيبنا الدكتور عبدالعزيز الخويطر لم تخاطب فقط الصفوة ولم تقتصر على شريحة بعينها، بل هي خطاب متعدد ومتنوع لأبناء الوطن وأجياله المختلفة، وهي الثقافة والفكر والتاريخ والسيرة والتراث، حيث أسهم من خلالها ببصمات رائعة راسخة في منظومة البناء القيمي والفكري بهذا الوطن، تماما مثلما قدم معاليه في ميدان العمل نماذج رائعة للمسؤولية والصدق والنزاهة وحكمة القرار، وقدم صورة لقيمة الإنسان ورسالته وإخلاصه، فالدكتور عبدالعزيز هو ممن تقرأ فيه ومنه حكمة الرأي في القول والممارسة الحياتية وعمق الرؤية.. متعه الله بالصحة والعافية. أما الأبعاد والسمات الإنسانية، فهو مدرسة في التواضع والبساطة الجميلة التي تجعلك أمام إنسانية شفافة محببة نقية غير مصطنعة ولا متجملة، ومحبة واسعة تغمر حضوره من محدثين ومستمعين ومن يقابله أو من يسأله موقفا وشفاعة حسنة.. في كل تلك الحالات يجد الإنسان كرما وأريحية؛ لهذا يحظى معاليه بمحبة واسعة واحترام جم ومكانة كبيرة في النفوس، ولا نزكيه على الله فهو محل التقدير البالغ لمواقفه التي لا تنحاز إلا للحق، وله في ذلك مآثر عظيمة.

لقد قطفت الأجيال من ثمار عقل وجهد معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر في كل مسؤولية تولاها كمحاضر ووكيل لجامعة الملك سعود، وخلال مسؤولياته الوزارية في الصحة ثم المعارف التي تشهد على حجم عطاءاته وما أرساه من قيم للتعليم ارتكز عليها في عمله وحرص على أن تكون هذه القيم جوهر التربية والتعليم وروح المعارف والعمل، وكان القدوة لمرؤوسيه ومنسوبي الوزارة في احترام الوقت وتقديره وإنجاز العمل، كما يمثل معاليه عنوانا مضيئا للنزاهة والشفافية وطهارة اليد والاستقامة وأصالة النفس وتجنب الانطباعات والأهواء الشخصية في القرار أو في التعاملات دون إخلال بجوهر الإنسانية الحقيقية. ولعلي أستشهد هنا بما رواه الكاتب الأستاذ عبدالله الماجد في مقال رائع له عن شخصية معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر من شهادة الدكتور عبدالعزيز السنبل نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة، حيث قال (الدكتور عبدالعزيز الخويطر حالة استثنائية في حياتنا العملية والاجتماعية، تتسم بعدم الازدواجية في العمل، ويفصل دائما بين الخاص والعام، ولا يتردد في الوقوف إلى جانب الحق وإعلاء شأن من يستحق هذا الحق، وله مواقف مشهودة في ذلك).

أتذكر اليوم ما اتسم به معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر من فلسفة ورؤية عميقة في التعامل مع المال وميزانية وزارته، تقوم على الإنفاق في مكانه وبما يفيد بعيدا عن الإسراف والمظاهر.. ويا ليت هذا السلوك الحكيم يتذكره ويراه المسؤولون في مختلف الإدارات وفي مستويات عدة، للأسف لا تجد بعضهم يتسلم عمله إلا ويغير الأثاث وربما الديكورات وحجم المكتب ومظاهر تضخم الذات على حساب إرادة العمل.

هذه الحياة الثرية النقية بالمبادئ لمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر - حفظه الله - لم تشغله عن عمق قراءاته التي طبعت تجاربه بلمسة إبداعية، فقدم لنا الكلمة الطيبة والرؤية السديدة والقراءة الدقيقة بأسلوب حميم للواقع الاجتماعي والفكري، وهو في نفس الوقت محقق بارع وناقد متذوق كما قال مؤرخنا العزيز الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، ويدلل على ذلك قائمة المطبوعات التي أصدرها بمهارة فائقة في صياغة الفكرة وتدوين المعلومة وتدفق الكلمة والعبارة السلسة، مثلما أفاض وأجاد في التاريخ وأبحر فيه ليقدم لنا رصيدا عظيما من هذا التاريخ، ومنها كتابه (لمحات من تاريخ التعليم في هذه البلاد). ولا يزال - حفظه الله - يقدم لنا وجبات من غذاء العقل والنفس عبر مقالاته وكلماته وإتقانه الشديد للغة وحبه لها.

لذلك كنت ولا زلت أتمنى أن نرى أعمالا تليفزيونية بشكل واسع تترجم هذه الكنوز العظيمة من إصدارات معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر لتساهم في تعزيز روابط الأجيال الجديدة بهذه الأرض وبسمات هذا الوطن وجذوره العريقة، خاصة أننا نخشى في عقلنا الباطن من حالات تغريب تبثها العولمة وأجنحتها الثقافية عبر التقنيات الحديثة.. ولا نعترض على التطور؛ فهذه سنة الحياة، وإنما على الأقل أن يفجر المبدعون طاقاتهم في تقديم هذه النماذج الثرية لهؤلاء الرجال لنحافظ على النسيج القيمي لهذا الوطن وسمات أبنائه مهما كانت تحديات العولمة.

متّع اللهُ حبيبنا الدكتور عبدالعزيز الخويطر بالصحة والعافية والعمر المديد، ليقدم لنا بعد القول أقوالا وأقوالا.

حكمة: ثلاثة يزرعون المحبة بالقلوب: صاحب الخلق الحسن، والمخلص لعمله، والمتواضع.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة