Culture Magazine Monday  02/04/2007 G Issue 193
قراءات
الأثنين 14 ,ربيع الاول 1428   العدد  193
 

مقاربة باتجاه ما لم يقله مؤلف كتاب
(من أحاديث القرى) في مقدمة كتابه
عبدالله عبدالرحمن الزيد

 

 

يخيل لمن يطلع على كتاب القاص الروائي الأستاذ (عبدالله بن محمد الناصر) الموسوم ب(من أحاديث القرى - حكايات من ذاكرة الأرض) الصادر حديثاً.. أن المؤلف يريد أن يضع يده سريعاً ومن دون تأجيل على جملة من القصص والحكايات التي عاشها أو سمع بها قبل أن تطالها يد غيره أملاً منه في أن تتحول إلى أعمال قصصية أو روائية فيما بعد.

لا ريب في أن جملة من التفسيرات والتحليلات تطال المشهد النقدي هنا، غير أن (فوبيا) السرقة واقتناص الموضوعات من قبل الآخرين تظل أقوى التعليلات دون منازع، وإلا فكيف نفهم ونعي ونستوعب، ثم نفسر لجوء كاتبنا المبدع الذي ألف مجموعات قصصية معتبرة مثل: (أشباح السراب) و(حصار الثلج) و(سيرة نعل)، ويعد العدة لإصدار روايتين هما (العِرْقُ الأخضر) و(العوجا)، كيف نُفَسِّر لجوءه إلى أنْ يدوّن هذه الحكايات (الخام)، هكذا دون أن نمرَّ على عالمه القصصي وفَنِّه الروائي..؟!

إن قول المؤلف في مُقَدِّمَتِهِ: (إنَّ الدافع إلى ذلك هو تسجيل النكهة القَرَويَّة وتخليد طبيعتها وطابعها وسلوكياتها وذكرياتها للأجيال اللاحقة التي لم تعش تلك الأجواء السالفة وأنه كان أميناً في رسم تلك الحالات النفسية والثقافية في محاولة لنقلها بحذافيرها) أقول: إنَّ قوله هذا لا يصرفنا عن هدفه الرئيس وهو الاحتفاظ لنفسه بهذه القصص والحكايات والأجواء قبل أن يبادر غيره ويحولها إلى أعمال قصصية، وروائية وبخاصة أن الجنون والفتنة التي تصل في كثير من حالاتها إلى التناسخ والاتفاق الأعجم، الجنون والفتنة بعالم القصة والرواية قد أمسى سمة لا يخطئها الرصد ولا تَعْدُوها قراءة المشهد الثقافي. والدليل على ما سبق يشير إلى أن تحصيل تلك الأهداف المثالية التي أشار إليها المؤلف في مقدمته يمكن أن يتحقق من خلال الاطلاع على القصص والحكايات الشعبية المدونة قبلاً وفي مقدمتها أعمال الرائد (عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان) مثل (من أساطيرنا الشعبية) ومثل: (أمثالنا الشعبية في نجد والجزيرة العربية).

أسرع هنا، وأبادر إلى القول: ليس في ذلك شيء ولا مِن مشكلة.. وليس في هذا الهدف إشكالية ما.. لكن الشيء والمشكلة والإشكالية تكمن في تلك المقارنة الحادة بين تلك الأعمال الأدبية الفنية الراقية في أسلوبها وطريقة أدائها وبين هذا الكتاب الذي يحار المتلقي في تصنيفه فلا هو بالمجموعة القصصية ولا هو بالتاريخ ولا هو بالطرائف، وبخاصة أن بعض الحكايات فيه تعد من السيرة الذاتية للمؤلف مثل حكاية (الفيل) وحكاية (دجاجات أم سالم) و(بندقية أبي). كما أن فقرة (مرثية قرية) ليست حكاية ولا حديثا وإنما هو لوحة رثائية باكية أقرب إلى المقطوعة الوجدانية الخالصة.. وكان من المناسب جداً وضعها بدلاً من المقدمة أو ضمن فقراتها.

ولكي أقترب أكثر من المقصود هنا أشير إلى أن تصنيف المؤلف قطعة من عقله وفنه وما وصل إليه في عالم التجلي والتفوق وعبقرية الإفصاح وهذا ما نفتقده عندما نريد أن ننسب مثل هذا العمل إلى مثل أبي عبدالعزيز الإنسان المتفوق المتجلي في فكره وفنه وثقافته.

كان من الممكن تمرير مثل هذه القصص والحكايات ضمن رواية كبيرة، أو ضمن سيرة ذاتية متكاملة، أما أن تسجل وبشكل عادي وتطرح في الساحة الثقافية بهذا الشكل فذلك ما يحدو المتأمل إلى التماس التعليل والسبب والدافع!!

ومع ذلك كله.. نعترف أن هذا العمل يحمل العبرة وأسباب الاعتبار ومعها كم لا يخفى من الإمتاع، ولم يصل في مجمله إلى (الوصمة) التي لا تقبل، ولكن يبقى السؤال الذي مفاده: هل يتأتى لكل من أراد أن يسجل حكاية أو يوثق (سالفة ما) أن يبادر إلى تحريرها وبنفسٍٍ عاميّ وتقديمها إلى المتلقي مشفوعة بادعاء أنَّ ذلك نوع من الاحتفاظ بنكهة الزمان والمكان اللذين جرت فيهما؟!

وفي كل الأحوال: الشيء الذي لا يقبل المفاصلة ولا يختلف فيه اثنان أن مثل كتاب أبي عبدالعزيز (من أحاديث القرى) أنَّه مادة الأدب وليس الأدب يذكرنا بما فعله (محمد شكري) في (الخبز الحافي) مع الفارق -طبعاً- في نوعية المضامين، والمقصود هو أن كليهما يشكل المادة الخام الأولى لما يمكن أن يكتب بتوظيف تلك المضامين.

كلُّ ذلك لا يُنْسِينا - بالتوكيد - ذلك الشعور الحميم والإيمان والثراء بعالم أبي عبدالعزيز المثالي الذي يحتفي بكل القيم وينأى عن كل عوامل الدمار والسقوط التي تعتري مسارات الحياة بروافدها وتشعباتها وبأهم قيمة فيها وهي (الإنسان).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة