Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
أوراق
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 
عبقرية عربية متميزة
صالح بن علي الزهيري

 

 

نبذة عن ابن خلدون:

يعد ابن خلدون عبقرية عربية مميزة، فقد كان عالماً موسوعياً متعدد المعارف والعلوم، وهو رائد مجدد في كثير من العلوم والفنون، فهو المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وإمام ومجدد في علم التاريخ، وأحد رواد فن (الأتو بيو جرافيا) - فن الترجمة الذاتية - كما أنه أحد العلماء الراسخين في علم الحديث، وأحد فقهاء المالكية المعدودين، ومجدد في مجال الدراسات التربوية، وعلم النفس التربوي والتعليمي، كما كان له إسهامات متميزة في التجديد في أسلوب الكتابة العربية.

نشأة ابن خلدون:

ولد (ولي الدين أبو زيد عبدالرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن خالد بن خلدون الحضرمي (بتونس) في غرة رمضان 732هـ/ 27 من مايو 1332م، ونشأ في بيت علم ومجد عريق، فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته، وقد كان أبوه هو معلمه الأول، كما درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث، فدرس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، كما درس علوم اللغة من النحو والصرف والبلاغة والأدب، ونال إعجاب أساتذته وشيوخه.

شيوخه:

ومن أبرز هؤلاء الأساتذة والمشايخ: محمد بن عبدالمهيمن الحضرمي، ومحمد بن سعد بن برال الأنصاري، ومحمد بن الشواشي الزرزالي، ومحمد بن العربي الحصايري، وأحمد بن القصار، ومحمد بن جابر القيسي، ومحمد بن سليمان الشظي، ومحمد بن إبراهيم الآبلي، وعبدالله بن يوسف المقالي، وأحمد الزواوي، ومحمد بن عبدالسلام وغيره.

وكان أكثر هؤلاء المشايخ تأثيراً في فكره وثقافته: محمد بن عبدالمهيمن الحضرمي، إمام المحدثين والنحاة في المغرب، ومحمد بن إبراهيم الآبلي الذي أخذ عنه علوم الفلسفة والمنطق والطبيعة والرياضيات.

نظرات في الفكر المنهجي عند ابن خلدون:

وقد عالج ابن خلدون واقعات العمران البشري التي تشكل كل القواعد في الاتجاهات العامة التي يسلكها أفراد المجتمع في تنظيم شؤونهم الجماعية، وضبط العلاقات وتنسيقها (الظواهر الاجتماعية) ثم أخضع الظواهر الاجتماعية للقوانين.

المنهج الاستقرائي:

إن لابن خلدون منهجاً استقرائياً استنتاجياً يعتمد فيه على الملاحظة، ثم الدخول في الموضوع دون فكرة مبيتة، لذلك جاءت قوانينه أقوى أساساً وأمتن بنياناً، وأقرب إلى وقائع الأمور.

ومن العجيب أن هذا الباحث الاقتصادي الإسلامي قد تحدث في المقدمة عن القوانين التي يسير عليها التزايد في النوع الإنساني وبذلك سبق (مالتس) الإنجليزي في نظريته التي اشتهر بها، وهي نظرية (تزايد السكان).

مكانته العلمية:

قام ابن خلدون بدراسة تحليلية لتاريخ العرب والدول الإسلامية، وعرض محتويات الأحداث التاريخية على معيار العقل حتى تسلم من الكذب والتزييف، فكان بذلك مجدداً في علم التاريخ. يضاف إلى ذلك أن ابن خلدون هو المؤسس الأول لعلم الاجتماع. ابن خلدون رائد فن الترجمة الذاتية، وكان ينظم الشعر وله قصائد متوسطة المستوى.

مبادئ أساسية في المعرفة

عند ابن خلدون:

ترتكز المعرفة عند ابن خلدون على أسس علمية تنطلق من المبادئ التالية:

- المبدأ الأول:

الفكر الإنساني هو الفارق الأساس بين الإنسان والحيوان، لأنه مصدر قوة هذا الإنسان، التي تسمح له بتحصيل معاشه في إطار اجتماعيته ببني جلدته، ومصدر تفكره وتفكيره في ذاته وعالمه الخارجي بما فيه عالم الغيب، ومصدر تفوقه على الحيوانات وتسخيرها لصالحه.

- المبدأ الثاني:

العلم والتعليم والتعلم طبع إنساني، بمعنى أن التعليم والتعلم والعلم أمر طبيعي في البشر، ومن ثم لا توجد معرفة خارج المجتمع الإنساني.

- المبدأ الثالث:

ارتباط العلوم والادراكات بالمحسوسات، بمعنى انبثاق التنظير من الواقع المحسوس أو المفترض. كما بين العلم الحديث الذي يرى فيها الموضوعات العلمية موضوعات منشأة عن الموضوعات المحسوسة.

- المبدأ الرابع:

التعليم والتربية عند ابن خلدون من الصنائع، بمعنى وجوب امتلاك كفاياتها النظرية والتطبيقية عبر التمرن والمراس والبحث والدراسة. وبذلك تنتفي العشوائية والارتجال عن فعل التربية والتعليم عند ابن خلدون، لما يتطلبه من المعرفة العلمية الدقيقة بما هي التربية والتعليم.

من قوانين المعرفة عند ابن خلدون:

بعدما قرر ابن خلدون تلك المبادئ الأساسية، وجدناه يذهب إلى قوانين معرفية، بين علم الاجتماع الحديث التربية الحديثة صلاحيتها، حيث يقرر هذا العلامة القوانين التالية:

القانون الأول:

الانتقال من المحسوس إلى المجرد، حتى تسنن الذاكرة طويلة المدى لمخزونها المعرفي الناتج عن المحسوس بارتباطات حسية، تشعل الذاكرة أثناء استدعاء واسترجاع وطلب المعلومة. بمعنى تسنين المعلومات والمعارف والمعطيات والحقائق العلمية في الذاكرة.

القانون الثاني:

جودة نظام التعليم وجودة تكوين الأستاذ لهما دخل في جودة تعلم المتعلم، بمعنى تعلم المتعلم يتوقف على جودة التعليم وكفاءة الأستاذ، فهما مرتبطان ارتباطاً طردياً نزولاً وصعوداً.

القانون الثالث:

تقديم البسيط على المركب والمعقد، ورعايته حتى يكتمل.

القانون الرابع:

التدرج في التعليم ذلك أن العلم لا يحصل دفعة واحدة.

القانون الخامس:

مدارسة المتن التعليمي بين الأستاذ والمتعلم؛ حتى يتمكن المتعلم من العلم، فقد رأى ابن خلدون غياب الأستاذ الحذق وفساد النظام التعليمي مدخلاً إلى النتائج السلبية في حاصل التعليم الذي يعتمد أساساً على الحفظ فقط.

القانون السادس:

في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته يشير ابن خلدون إلى أهمية مراعاة المقدرة العقلية للمتعلم من باب أن الاستعداد للتعلم عنده ضروري وهو يتم تدريجياً.

وهناك أكثر من قانون تربوي ذكره الباحثون، فقد تضمنت مقدمة ابن خلدون نظريات أخرى في التربية والتعليم تمثل فلسفة ابن خلدون التربوية يمكن أن نلخصها بما يلي:

أولاً: يجب استيفاء الموضوع في فصل واحد وعدم تقطيعه إلى عناصر متناثرة في فصول متفرقة لأن في هذا مدعاة للنسيان، يقول ابن خلدون في صفحة 332 من المقدمة (وكذلك ينبغي لك ألا تطوّل على المتعلّم في الفن الواحد بتعريف المجالس وتقطيع ما بينها لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض).

ثانياً: لا يجوز خلط علمين معاً في موضوع واحد بمعنى أنه يدعو إلى نوع من التخصص في العمل التربوي وهي نظرية حديث.. يقول ابن خلدون: (ألا يخلط على المتعلّم علمان معاً فإنه حينئذ قلّ ان يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفّهم الآخر فيستغلقان معاً).

ثالثاً: يرى ضرورة الابتعاد عن العنف والشدّة وقد خصص لذلك الفصل الثاني بعد الفصول الثلاثين الأولى - انظر صفحة 335 من المقدمة - وجعله بعنوان (في أنّ الشّدة على المتعلمين مضرّة بهم) حيث يقول: (إن رهاف الحد بالتعليم مضّر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد).

رابعاً: وقد اهتم ابن خلدون بالناحية التطبيقية في العملية التعليمية.. فليس المهم عند ابن خلدون معرفة القواعد والقوانين والاصطلاحات في حد ذاتها وإنما المهم المقدرة على استخدامها والاستفادة منها علمياً، فقد فرق بين صناعة اللغة التي تكون قواعدها وقوانينها واصطلاحاتها وبين ملكة اللغة والشخص الذي يستوعب هذه القواعد والمصطلحات بدون أن يطبقها يكون مثل الشخص الذي يتقن صناعة من الصناعات علمياً ولا يكون له أي دراية بهذه الصناعة عملياً.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة