Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
أوراق
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 

ابن خلدون.. أبرز مفكري العالم «2-2»
أ.د. عبدالرزاق الزهراني

 

 

المحور الثالث: محاور العالم عند ابن خلدون:

إذا كان عالم الاجتماع الأمريكي برجس، E. Burgess، قام بتقسيم مدينة شيكاغوChicago إلى محاور، ولكل محور صفاته وخصائصه فيما عرف ب(نظرية المحاور، Concentric Zones وفيما قسم المدينة إلى دوائر، وجعل قلب المدينة يمثل المحور الأول أو الدائرة الأولى، وبين خصائص كل محور من الناحية الحضرية والبيئية وتوزيع السكن والصناعات ومكاتب الشركات، ودرجات التلوث، ونسب الجريمة Burges,1967 فإن ابن خلدون قام بشيء مشابه لذلك، ولكن موضوعه كان البيئة الطبيعية وليس التحضر والبيئة الحضرية، وكان يدور حول العالم المعروف في زمنه وليس حول المدينة. والعالم في عهد ابن خلدون هو ما عرف بالعالم القديم الذي يشمل آسيا وإفريقيا وأوروبا، ولم يكن يحوي الأمريكتين لأنهما لم تكونا قد اكتشفتا آنذاك.

قسم ابن خلدون العالم في زمنه إلى سبعة محاور، كل محور له خصائصه وصفاته العامة، وقد قدم وصفا جغرافياً شبه موسع عن تلك المحاور السبعة، ويبدو أنه استقى معلوماته من الذين سبقوه من العلماء المسلمين وغير المسلمين، ومما هو شائع بين الناس في زمنه. ويقع الإقليم الأول في أقصى جنوب العالم المعروف لابن خلدون آنذاك، ولقد جمع ابن خلدون معلوماته عن هذا الإقليم من بعض سكانه الذين جيء بهم على بعض سفن النصارى الأوروبيين كأسرى وبيعوا كرقيق، وصاروا إلى خدمة السلطان، فلما تعلموا اللغة العربية أخبروا عن حال منطقتهم (وأنهم يحتفرون الأرض للزراعة بالقرون، وأن الحديد مفقود بأرضهم، وعيشهم من الشعير، وماشيتهم المعز، وقتالهم بالحجارة يرمونها إلى الخلف، وعبادتهم السجود للشمس إذا طلعت، ولا يعرفون ديناً، ولم تبلغهم دعوة) (المقدمة، ج1: 355) ويمكن اعتبار أولئك الأشخاص مخبرين رئيسيين، ومصدراً أولياً للمعلومات عن البلد الذي قدموا منه. ومن المعروف أن أجزاء الأقاليم والبلدان تتفاوت في درجات تقدمها وتحضرها، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن بعض أجزاء إفريقيا والبلدان تتفاوت في درجات تقدمها وتحضرها، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن بعض أجزاء إفريقيا قد نشأ فيه حضارات ازدهرت وتقدمت، وبعض تلك الحضارات قام بعد عصر ابن خلدون (انظر، ماكيفيدي، 1987, جوزيف، 1404هـ).

ومن الوصف السابق يتبين أن سكان المحور الأول بدائيون، فهم لا يستعملون المحراث، وإنما يستخدمون القرون، وربما كانت أرضهم خصبة كما هو الحال في كثير من أجزاء إفريقيا، ولم يصلوا إلى مرحلة تطويع الحديد، ولذلك لا توجد أسلحة عندهم مثل الخناجر والسيوف، وإنما سلاحهم الحجارة، وهم وثنيون يعبدون الشمس، وذكر ابن خلدون في موقع آخر أن في هذا المحور أناساً يأكلون لحوم البشر. ثم يتابع ابن خلدون الوصف الجغرافي لأجزاء هذا المحور فهو يحوي منابع نهر النيل، ويحوي جزر القمر مما يدل على أنها كانت معروفة بهذا الاسم في زمنه، وكذلك الاختلاف في لفظها (فضبطها بعضهم بفتح القاف والميم نسبة إلى قمر السماء لشدة بياضه وكثرة ضوئه.

وفي كتاب المشترك لياقوت بضم القاف وسكون الميم نسبة إلى قوم من أهل الهند، وكذلك ضبطه ابن سعيد) وفي هذا المحور تقع جزر سيلان، ويدخل ابن خلدون أقاليم مختلفة في إفريقيا وآسيا في هذا الإقليم، وبعضها بعيد جداً عن بعض والمعلومات المعاصرة أثبتت بعدها عن المحور الأول، وسبب الأخطاء التي وقع فيها ابن خلدون يعود إلى قصور المعلومات الجغرافية المتاحة للباحثين في ذلك الوقت.

ثم يأتي المحور الثاني إلى الشمال من الإقليم الأول ويضم الكثير من الأقاليم في أواسط إفريقيا وفي جنوب آسيا، ويكتفي ابن خلدون بالوصف الجغرافي لهذا المحور، فهو لا يذكر شيئاً عن أحوال السكان ومعيشتهم. ومثل ذلك يقال عن المحور الثالث الذي يقع شمال المحور الثاني، أما المحور الرابع فيقع في وسط الأرض، ويحوي مناطق مثل العراق، والشام، وفلسطين، وشمال إفريقيا، وشمال الجزيرة العربية، وأجزاء من إيران والهند والصين. ويرى ابن خلدون أن هذا الإقليم يعتبر أفضل الأقاليم لاعتدال مناخه معظم فصول السنة مما يسمح للسكان بالعمل أكثر من غيرهم في الأقاليم الأخرى، ويأتي إلى الشمال منه الإقليم الخامس الذي يضم جنوب أوروبا وآسيا الصغرى، وأجزاء من أواسط آسيا, وهكذا تتوالى الأقاليم حتى نصل إلى الإقليم السابع في أقصى الشمال.

إن أفكار ابن خلدون حول البيئة ترقى إلى مستوى كثير من الأفكار المعاصرة، وخاصة ما يتعلق منها بالبيئة الحضرية حيث كثر التلوث، وكثرت الزحام، وقلت الحركة وكثرت الأمراض والعلل تبعاً لذلك.

- أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام - رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة