Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
فضاءات
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 

بلوتولاند والفصيحة
د. مصلح النجار

 

 

عاهَدَ الثلوجَ الغزيرة المنشورة على حديقة مدسمر، في خلوةٍ مشهودة بين أشجارِ الدردار، عند الشلالِ في كامبريدج، على أنه لن يَكتب كلمةً واحدة إلا باللغة المصرية، وكتب (مذكرات طالب بعثة) بالعاميّة المصريّة، ولكنّه لم يستطع أن يواصل إلى آخر المشوار مخلصاً لعهده لشجر الدردار، فخانَ العهد... ذلك هو لويس عوض، واحد من أعتى خصوم العربية الفصيحة، الذين شبّهوها، في معرض الحرب عليها، باللغة اللاتينية. وهو يشكّل جزءاً أساسيّاً من أعلام المنادين بتكريس الهوية الفرعونيّة لمصر، بما يتعارض مع المكوّنات الأخرى لهويّة مصر الثقافية، وبخاصّة الهوية القومية العربية.

زعم لويس عوض، استطراداً، أنّ محنة الرواية العربية التي تجمدت، والقصة القصيرة التي ذبلت، تعود إلى جملة أسباب، أهمُّها ذلك القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، منذ سنوات، بضرورة استعمال اللغة العربية في حوار القصة، وقصْر الجوائز على القصص الخالية من الحوار العاميّ.

في مقدمة ديوانه (بلوتولاند) الذي نشره سنة 1947 كتب تحت عنوان (حطّموا عمود الشعر) مسوّغاً عدم انتصار الثائرين على اللغة العربية المقدّسة كلطفي السيد وبيرم التونسي بأنّ (العبيد لم ينضجوا بعد لتحطيم أغلالهم). وقد جاء هذا الكلام على اللغة وسط دعوات كثيرة منه إلى تحطيم التراث، والشعر بصورته القديمة. وهو يعيب على الثقافة العربية، وقوامها اللغة والدين أنّها انتشرت بفكرة سيادة الدم العربي. ولعل مما مكّن دعوات لويس عوض أنّه استعمل صحيفة (الأهرام) في دعواته هذه.

كان هذا لويس عوض الشاعر، وأما القاصون والروائيون فكان لهم دور في الحرب على العربية الفصيحة، وها هو إحسان عبد القدوس يقول: إن اللغة العربية أصبحت ثقيلة الدم، بحيث لا يستطيع الجيل الجديد المتحرّر أن يستسيغها.

ويقول يوسف السباعي: (يجب أن نتحلّل من هذه القيود السخيفة، لماذا كل هذا التعب؟ ألأن العرب منذ ألف سنة رفعوا هذا أو نصبوا تلك... لنسكّنْ آخر كل كلمة، ولنبطل التنوين، ولنحْرم أدوات الجزم والنصب من سلطانها، يجب أن يزول احتكار اللغة بقيودها وقواعدها وصرفها، على أية حال إن لم نحطّمها الآن، فستحطمها الأجيال القادمة).

وها هو اللغوي علي عبد الواحد وافي ينادي برسم حروف الكلمة العربية متفرّقة، وبكتابة الحروف متحدة الصورة بصور مختلفة، وبأن يرسم بعد كل حرف، لا فوقه ولا تحته ما يدل على حركته أو سكونه، وبإلغاء الإعراب وإلزام السكون أواخر الكلمات.

ولعلّ دعوات العاميّة والكتابة بالحروف اللاتينية والرسوم الأخرى المقترحة كانت متشابهة في مصر، إلا أنّ ذلك لا يعني أبداً أنّ الصوت الآخر قد خفت، فقد طالعتنا وسائل الإعلام بأنّ الناقد عبد الوهاب المسيري رفع قضية على الرئيس المصري، ورئيس مجلس الوزراء، بسبب تدهور اللغة العربية، يُلزمه بتطبيق مادة دستورية تنص على أنّ العربية هي اللغة الرسمية للدولة، لأن بعض الجهات الحكومية تشترط على من يعمل فيها أن يكون خريج الجامعة الأمريكية.

- عمان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة