Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
فضاءات
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 
(الوظيفة).. قصاصات من ذاكرة حصة«2»
أميرة القحطاني

 

 

تقول صديقتي حصة:

رافقتني سكرتيرة المدير العام إلى الدور الثالث حيث تقبع إدارتي ومديري كنت اشعر بالإرهاق والتعب لكنني كنت صامدة استقبلتنا سكرتيرته سهام بتجهم، جلستُ إلى جوار مكتبها سألتها هل لديكم وظائف شاغرة؟ ولا أدري لماذا سألتها هذا السؤال السخيف أجابتني وهي تكتب شيئا ما: إذا أراد المدير توظيفك سيخلق لك وظيفة من تحت الأرض.

كنت قوية ذلك اليوم جريئة وواثقة من نفسي وكنت أتابع الموظفين بنظراتي دون خجل لم أتضايق من وجودي بينهم كانوا كُثر وكانوا يتحركون أمامي وكأنهم دمى - هكذا كنت أراهم - لم أشعر بأنهم رجال أو..... لحظة لحظة لا أقصد الإهانة هنا لكن شعوري تجاههم كان ولا يزال غريباً لا أجد له تفسيراً ولكم أن تستغربوا حين أقول لكم بأنني كنت أتعامل معهم وكأنهم مثلي (إناث)!!.

أول المشاهد التي استفزتني وأنا انتظر المثول أمام مديري هو مشهد لفتاة تزن أكثر من مئة كيلو جرام تقريباً سمراء بعض الشيء تجلس على طاولة يحيط بها ثلاثة موظفين كانوا واقفين وكانوا جميعهم ينظرون إلى شاشة الكمبيوتر يتضاحكون بصوت عال يتهامسون مع بعضهم البعض ثم ينفجرون مرة أخرى في وصلة من الضحك وكان اسمها كما سمعتهم يرددونه أثناء تلك الجلسة - سعاد -. كم أثار اشمئزازي ذلك المشهد. ما هذه الفوضى؟ ألا يوجد مدير هنا؟ الآن عرفت لماذا يرفض إخوتي مبدأ العمل في الأماكن المختلطة. مؤكد هذه الوقحة ومثيلاتها هن اللواتي ينقلن عنا هذه الصور المشوهة و.... لا بد أن تكون ساقطة لا توجد فتاة تتعامل مع الرجال بهذه الطريقة إلا إذا كانت (متعودة ديماً) - هكذا كنت أحدث نفسي لحظتها - وقد كرهت تلك الفتاة منذ اللحظة الأولى واستمر كرهي لها إلى هذا اليوم وكرهي لها لا علاقة له بتلك الحادثة فقد اكتشفت فيما بعد أن الذي كان يحدث أمرا طبيعيا مجرد دردشة مع زملاء عمل نراهم أكثر مما نرى أهلنا في البيت وكم دردشت معهم بعد ذلك أما قضيتي مع تلك السمراء فقد كانت لسبب آخر سنأتي عليه لاحقاً فقط أريدكم فقط ان تعلموا أن هذه الفتاة العزباء تحمل بين حناياها قلباً أسود كالقطران وقد آذتني كثيرا دون أن أتنبه أنا لذلك اكتشفت هذا بعد سنة من العمل معها في نفس الإدارة.

دخل رجل أربعيني ممتلئ جدا ابيض واثقا من نفسه مرح - هذا انطباعي الأول عنه - وكان مديرا لأحد الأقسام الذي يقع تحت إدارة مديري المباشر ألقى التحية رحب بي (أهلا وسهلا بالموظفة الجديدة شرفتينا الدائرة دائرتك أنا اسمي سالم زميلك في الإدارة.. أعجبني أسلوبه ابتسمت له شكرته نظر إلى السكرتيرة أشارت إليه بالدخول وهي تبتسم. تحرك باتجاه الباب ثم تراجع إلى الخلف وسألها بطريقة كوميدية: أكيد أدخل؟ ضحكت وهي تشير إلى أذنها وكانت تحذره من أن المدير ربما يكون قد سمعه. بعد عشر دقائق تقريبا خرج وكان يبدو علية الغضب سألتها ما به؟ قالت: كالعادة سمم بدنه بكلمتين! كانت هذه بداية سيئة لتكوين صورة عن السيد مديري لكن ما الذي يهمني أنا؟ أنا قادمة من فوق لا هذا ولا غيره يستطيع مضايقتي. بعد دقيقة من خروج سالم خرج مديري باتجاه المكتب المقابل لمكتبه حيث الشبيبة الذي كانوا يتضاحكون وبمجرد دخوله عليهم ساد الصمت خرجت الفتاة وهي تضع يدها على فمها وكانت تسير بخطى سريعة ألقت بالتحية وقبل أن نردها إليها كانت في منتصف الممر ثم ابتلعتها إحدى الغرف. أغلق الباب على الثلاثة انفصل الصوت عنا.. قتلني الفضول حاولت معرفة السبب سألت السكرتيرة: لماذا قفل الباب؟

- بيهزأهم طبعا ألم تسمعيهم كيف يضحكون؟ الضحك ممنوع في إدارتنا - قالتها بسخرية وهي تهز رأسها -.

خرج بعد دقائق وقبل أن يدخل إلى مكتبه قال دون أن يلقي التحية: أخت حصة تفضلي.

كان رجلا في الخمسين تقريبا نحيل بعض الشيء يميل إلى السمار له وجه جامد قاسي الملامح لا يضحك لا يبتسم صوته هادئ يفكر كثيرا قبل النطق بالكلمات تضيق عيناه وتتسع أثناء الحديث:

- تقودين سيارة؟

- لا لدي سائق.

- جيد هذا يعني أنه لا توجد لديك مشكلات في المواصلات؟

- لا أبدا.

- إذا يجب أن تعرفي أن الالتزام بالحضور والانصراف من أهم الأمور في هذه الإدارة.. ثانيا لا أحب الثرثرة أو نقل أسرار العمل إلى الخارج مثل البيت أو الأصحاب وخصوصا الزملاء في العمل هذا المكتب له خصوصيته.. لدينا فترة اختبارية مدتها ثلاثة أشهر وإن شاء الله ستجتازينها بنجاح.

- وإذا لم اجتزها؟

- لا يعجبني الموظف الانهزامي الذي يتوقع الفشل.. سوف أرسلك بعد قليل إلى قسم التدريب لتتعلمي منه أساسيات العمل في الدائرة ثم ستباشرين عملك لدينا، هل هناك ما تريدين معرفته؟

- أولا أنا لست انهزامية أنا فقط كنت استفسر.. ثانياً أنا لا أريد العمل مع هؤلاء الموظفين المستهترين الذين يجلسون في المكتب المقابل.

أعجبه كلامي. أسند ظهره على الكرسي. حاول الابتسام لكنه فشل: هؤلاء زملاؤك وسيعاملونك كما تحبين لا تخافي.

- أنا لا أخاف من أحد! - قلتها وأنا انظر إلى عينيه مباشرة.

انحنى إلى الأمام واضعاً يديه الاثنتين على الطاولة وسألني بتذاكٍ: في حال واجهتك مشكلة كبيرة تتعلق بالعمل أو بك أنت شخصيا كيف ستتصرفين معها؟

- سأعرضها عليك.

- وإذا لم أنصفك.

- سأذهب إلى المدير العام.

- وإذا لم ينصفك.

- سأخبر حاكم المدينة!

وكأن شيئاً ما قد وقع على رأسه.. لملم الأوراق التي أمامه بعصبية وسألني دون أن ينظر إليّ: وكيف ستصلين إلى الحاكم؟

قلت له وقد اجتمع خبث العالم كله في داخلي تلك اللحظة: لدي رقم هاتفه النقال ورقم الفاكس اللي في غرفته الخاصة والشيء الآخر أنه يمر كل صباح أمام منزلنا وهو ذاهب إلى مكتبه.

- لا لا نحن لا نحب أن تصل الأمور إلى هذا المستوى وإن شاء الله لن تحدث أمور تصل إلى هذا المستوى وأنا موجود وسوف أكون معك دائما على الخط بما انك في إدارتي، عندك استفسار معين؟

- لا. قلتها وأنا اشعر بالإحباط من هذه المقابلة إلا أنه وبالرغم من ذلك كانت أحاسيسي مختلطة تجاهه. أعجبني أسلوبه في الحديث ولم يعجبني كان جافا وكنت أنا أيضا جافة لا ادري من أين أتيت بهذا الجفاف وبهذه الجراءة وهذه القوة كنت فتاة مختلفة بمجرد دخولي إلى هذه الدائرة فمن الشعور بالخوف والارتباك إلى الشعور بالصلابة والقوة والعناد والرغبة في التحدي والشيء الذي حيرني فعلا هو رغبتي بدهس كل من يحاول الوقوف في وجهي وكأنني بلدوزر أو مدرعة حربية دخلت إلى ساحة حرب.

طلب المدير من سكرتيرته أن تأخذني إلى قسم التدريب وأثناء السير معها في ذلك الممر الطويل أخذنا ندردش: طلب مني المدير أن أحافظ على أسرار العمل خصوصا من الزملاء! هل تعرفين ماذا يقصد؟ أجابتني بابتسامة ساخرة: طبعا اعرف ومن يعرف غير سكرتيرة المدير هو يقول لك إن الكلام أو المذكرات التي تخرج من مكتبه يجب إلا يعرف بها أحد في هذه الدنيا غيرنا - أنا وأنت وهو مشكلة مديرنا أنه لا يثق في أحد كما أنه مركزي جدا والاهم من ذلك أنه دكتاتوري!!

- وسالم كيف عرف أني موظفة جديدة لديكم؟ - اوووووه الإشاعات ملأت الدائرة والاتصالات تأتي من كل الأقسام التابعة لنا الكل يريد أن يعرف من هي هذه الفتاة التي أتت بأمر من فوق؟

- وكيف عرفوا بأني أتيت بأمر من فوق؟

- أولا دائرتنا دائرة الإشاعات ثانيا أحد الأشخاص الذين قابلوك يعمل مديرا لأحد الأقسام التابعة لنا وقد أعطى عنك انطباعا سيئا و.....

- لا عليك أكملي..

- يقول بأنك مغرورة وشايفة نفسك وقد تم تعيينك بواسطة أقوى من واسطة المدير العام.

- أقوى من واسطة المدير العام؟! واسطة من مثلاً؟

- يقولون واسطة شيخ!.

شيخ؟!!! قلتها بيني وبين نفسي باستغراب وقبل أن يبرد الحديد أضفت بصوت تملؤه الثقة: سبحان الله ما فيه شيء يتخبى عندكم في ها الدائرة؟!.

أردت تأكيد هذه الشائعة فهي على كل حال شائعة صحيّة ستفيدني كثيراً في مستقبلي المهني خصوصا مع الرؤوس الكبيرة.

وصلنا إلى قسم التدريب سلمتني إلى رجل اسمه أحمد ثم عادت بخطى سريعة وقبل أن تبتعد التفتت نحوي وقالت: Take care.

............ يتبع

- قاصة من الإمارات العربية المتحدة amerahj@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة