Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
فضاءات
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 
أيتها الخصوصية..
كم من التهويمات تلصق بك؟!
أمل زاهد

 

 

لكل ثقافة خصوصيتها، ولكل قوم ملامح محددة تتمايز بها شخصيتهم القومية عن غيرها وتتحدد بها هويتهم، وتأطير صفات وسمات الشخصية القومية إحدى الركائز المهمة التي يتم بها المحافظة على الهوية وتعزيز الانتماء. ولكن قضية الخصوصية عندنا تتحول لتأخذ بعداً آخر، قوامه التعصب والتحيز المسبق دون وعي بأن الخصوصية لا تتعارض مع الانفتاح، وأن اختلاف مفردات ثقافتنا عن غيرها لا يعني الانكفاء على الذات ورفض أية محاولة للتغير أو للتطوير والتجديد؛ فالخصوصية السعودية هي تلك الورقة الرابحة أبداً التي تشهر وتقدم في حال ظهور أية تغييرات جديدة تلوح بوادرها في الأفق! والخصوصية السعودية أيضاً هي الجامع المانع لسد الذرائع ولإيصاد الأبواب التي تفوح منها روائح التجديد أو التطوير، حتى لو كانت هذه التغييرات لا تمس أصولنا الثابتة ولا شريعتنا السمحة! فنحن قوم ترتعد فرائصنا من كلمة التغيير ونتوجس من التجديد والانفتاح؛ فنلوذ بخصوصيتنا المجيدة نستمد منها الأمان والاطمئنان، من قلق التغيير وهواجس التجديد!

والعجيب أن استخدامات هذه المفردة تتجاوز وتذهب بعيداً لتحول العرفي - بقدرة قادر - إلى مقدس لا يمكن المساس به ولا حتى مجرد مقاربته!!

فقد فوجئت بعدد الردود الرافضة لتغيير الإجازة إلى يومي الجمعة والسبت على موقع العربية نت. كثير من الردود كانت تصفق طرباً على بقاء الإجازة على ما هي عليها، وتهلل وتبارك لقرار مجلس الشورى بسحب اقتراح تغيير يومي الإجازة إلى الجمعة والسبت!

فيوم الخميس أصبح في عرف المعارضين والممانعين يوماً مقدساً لا يجوز العمل فيه، ولا تضمينه في أيام العمل الرسمية؛ فدخل تعطيل يوم الخميس تحت بند المقدس المحظور مع أن يوم الخميس لم يكن من أيام الإجازة قبل أكثر من عقدين من الزمان، وكانت المدارس وباقي الدوائر الحكومية تفتح أبوابها يوم الخميس، وكانت الإجازة الأسبوعية تقتصر على يوم الجمعة فقط في بلادنا الغالية، ثم استجبنا لدواعي التغيير والانفتاح على الدول العربية الأخرى، وأضفنا يوم الخميس لتصبح العطلة يومين بدلاً من يوم واحد فقط. ولم نسمع من قبل أن الخميس قد أصبح من أعياد المسلمين؛ فالجمعة فقط هو عيدهم كما هو ثابت ومعروف ولا يحتاج إلى حجج لتأكيده أو لتعزيز صدقه!

ولكن أمجاد يا عرب أمجاد.. فلتتمسكوا بخصوصية إجازتكم ولتضربوا عرض الحائط بمصالحكم، وقس على قضية تغيير الإجازة الأسبوعية الكثير من القضايا الأخرى التي يهرع فيها الممانعون لثوب الخصوصية يتدثرون به ويحتمون داخله من عواصف التغيير.

وليست القضية هنا قضية تغيير يومي الإجازة أو الفوائد التي سيجنيها اقتصادنا ومصالحنا جراء تضمين هذا اليوم لأيام العمل، ولكنها قضية تحويل ما تعارف عليه الناس إلى مقدس، وقضية التعصب العقيم لما يتوهم البعض أن التمسك به ملمح من ملامح الخصوصية التي يجب علينا المحافظة عليها! والقضية أيضاً تتوغل بعيداً داخل الخلل المفاهيمي وضبابية الرؤى في عقلنا الجمعي؛ ففي ثقافتنا كثيراً ما يتجاوز مفهوم الخصوصية - كغيره من المفاهيم الأخرى - مضمونه، وما يفترض أن يمثله؛ فيلتبس معناه ويختلط على الناس؛ فالخصوصية لا تعني مطلقاً الانكفاء على الذات، ولكنها تعني المحافظة على ذلك الخط الرفيع القائم بين الاكتفاء والانفتاح؛ الانفتاح على الحضارة الحديثة في توازن يحمينا من الانزلاق إلى تمثل كل مفرداتها دون انتقاء أو غربلة. والاندماج لا يعني الانصهار والذوبان بل يعني التلاقح والتفاعل بين الثقافات فتأخذ كل ثقافة ما تراه مناسباً لها وموائماً لأنساقها ومنسجماً مع ذاتها من باقي الثقافات. ولا خوف على ديننا أو إيماننا من احتكاكنا واندماجنا مع الآخر، ونستطيع أن نتقدم ونتطور ونندمج في الحضارة المعاصرة دون أن نفقد هويتنا أو خصوصيتنا الثقافية.. علينا فقط أن نثق بأنفسنا وننقد موروثنا الثقافي بكل شجاعة وننتخب منه ما يدفعنا قدماً في طريق التقدم، وأن ننفتح على الآخر ونتخلص من مخاوفنا المرضية.

الحضارة المعاصرة تتسع للاختلاف وتشجعه؛ لأنها تعتبره مصدراً للثراء والتنوع، وتؤكد على الخصوصية مع فتح الباب على مصراعيه لانتقاء القيم الجيدة من الثقافات الأخرى. والثقافة الغربية نفسها ليست ثقافة واحدة بل هي ثقافات متعددة لكل منها ما يميزها مع اشتراكها في بعض الخصائص والصفات؛ فهناك الثقافة البريطانية والفرنسية والإيطالية والأمريكية وغيرها؛ فالثقافة الإيطالية احتفظت بطرازها المعماري، والثقافة الإسبانية احتفظت بهويتها الموسيقية، والفرنسية بعاداتها الغذائية، والإنجليزية بتنظيمها ودقتها، كما تنزع الثقافة الأمريكية نحو الإبهار والضخامة. وقد استطاعت كل من كوريا واليابان والهند وماليزيا أن تدخل إلى العصر، ورغم ذلك لم تفقد هويتها وخصوصيتها؛ لأنها لم تتوجس من الغرب ولم تركن إلى عقد النقص ولم تسقط في فخ الإحساس بالتآمر الذي يقود كنتيجة محتمة إلى ثقافة التبرير والكسل والخمول وانتحال الأعذار والأسباب للتخلف، وهذه الدول أيضاً لم تنكفئ وتتقوقع على ذاتها بل انفتحت على الثقافات الأخرى لتأخذ منها ما ينسجم مع أنساقها وما يتوافق ويتواءم مع أسلوبها العام وموروثها وطرائق عيشها.

لم يعد لنا خيار في دخول العصر أو عدم دخوله؛ فركب الحضارة أمامنا يروح ويخلي وراءه كل من لا يخضع لمتطلبات هذه العصر وشروطه وقوانينه، ولا نزال نحن ندور في أفلاك الخوف والتوجس غير قادرين على الانفكاك من أسرها، ولا نزال نستهلك منتجات الحضارة الحديثة ونرفل في نعيم إنجازاتها ثم نلعنها ونصب جامّ غضبنا عليها ونرجع كل سلبيات حياتنا إلى اقتحام هذه الحضارة عالمنا واكتساحها الجارف له.. ونحيل عجزنا وضعفنا وعدم جديتنا في العمل لتآمر الآخر علينا. ليس هناك مفر من الانخراط في ركب الحضارة الحديثة، إما كصنّاع لهذه الحضارة وإما كمستهلكين لمنجزاتها، وشتان ما بين الصانع والمستهلك!! والمسألة ليست مسألة قبول أو رفض أو انتقاء؛ لأننا لسنا في سوبر ماركت!

المسألة إما أن ندخل العصر كشركاء وإما كمتطفلين وليس هناك خيار ثالث؛ لأننا ببساطة لا يمكن أن نعيش خارج العصر!!

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- المدينة المنورة Amal_zahid@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة