Culture Magazine Monday  06/08/2007 G Issue 210
مداخلات
الأثنين 23 ,رجب 1428   العدد  210
 
لـوادع الـكلمة

 

 

بعبارات الحزن.. أكتب عنك.. وكيف أكتب عنك.. وأنت صاحب الكلمة.. وأستاذي علي آل عمر عسيري.. بأي كلمات الرثاء أرثيك؟ وأنت صاحب اللغة النقية، فواصل البكاء تأبى إلا الحضور ومشاركتي كل أوقاتي، بعد رحيلك، فأنت كنت معلمي وأستاذي بالرغم من حالة التضاد التي كثيراً ما تقربت مسافاتها بيننا، وبالرغم من حالة الاحتقان التي كثيراً ما تملكتني في تعاملي معك، ولكن كثرة اعتذاراتك مني في أيامك الأخيرة أشعرتني أن هناك فلسفة تعامل.. لم أدرك تفاصيلها.. وأن هنالك أهدافاً كنت تسعى لها.. لم أدركها.. وليتني سألتك عنها قبل رحيلك..

أستاذي وأنت اليوم في رحاب ربك، هل لي أن أكتب عنك؟ وكيف يكون ذلك، وأي العبارات تسعفني للحديث وللكتابة عن رجل تعلمت منه الكثير، وسيظل مائلاً أمامي كتجربة حياة، أذكر لك يا معلمي ذلك الخطاب الذي ظل لثلاثة أيام يدور بين مكتبك ومكتبي وفي كل مرة تقول (راجع النص) وبعد أن أعيتني الحيل أخبرتني بخطأ لغوي في ثنايا نص الخطاب، وما زلت حتى الساعة متقيداً بهذا التوجيه، وأذكر لك غضبك من بعض التأجيل في الأعمال وغضبك من محاباة زملائي في العمل على حساب المنجز.. وأذكر لك حرصك على اكتشاف طاقاتنا الداخلية وتسخيرها لخدمة عملنا، وأذكر لك كثيراً مواجهاتك مع زملائي في العمل حتى لا تترك ثغرة للإهمال والتهاون.. وبخاصة في احترام الوقت واحترام قدسية العمل الوظيفي وكنت كثير المواجهة مع الآخرين، وكنت تحيا حياة الضد معهم لا تأبه بهم حتى تصل معهم إلى درجة الإقناع أو الاقتناع.

أستاذي بعد خروجك من العمل الحكومي متقاعداً ظننتك سائراً في طريق المتقاعدين، ولكنك ازددت عطاء، والتزمت أنا الصمت؛ بحثت عنك حتى وجدتك في منشأتك الصغيرة تقاوم عثرات المادة؛ في سبيل صنع إعلام متخصص فقدمت لك ما أستطيع تقديراً لك، وليتني أعلم هل أوفيتك حقك أم لا؟ بدأت أنت معي مرحلة أخرى من التوجيه، فالتقينا سوياً في لجان عدة كنت أنت من يمدني بالثقة في الرأي حتى إنك تتنازل عن موقعك لتقدمني عنك رغم رفضي التام لذلك، وكنت أخرج من تلك اللجان بفائدة واحدة هي تقديرك لي.

أستاذي قبل وفاتك بأيام قليلة جداً... دخلت إلى منشأتك الإعلامية الصغيرة فوجدتك منهمكاً في عملك استعداداً لموسم صيفي حافل، ومع ذلك تركت كل شيء لتسألني عن أحوالي، وعن تلفزيون أبها الذي مارست فيه حب العمل الإعلامي لسنوات عدة وزملاء العمل سألتني عن أطفالي وأسرتي كنت كمن يتقرب مني بالسؤال وأنت لست في حاجة لذلك؛ لأني أدرك مكانتي لديك.. وأنا أدرك مكانتك في نفسي المقصرة نحوك.

أستاذي عذراً لك ثم عذراً لك فإن بوح كلماتي ينزف حباً وتقديراً لك ولكنها حالة نزف جاءت متأخرة ومتأخرة جداً ليتها جاءت قبل الرثاء وقبل ذرف الدموع وقبل اشتعال المآقي فلعل أبسط العزاء أن تقرأها، وأن تعلم أين أنت مني ولكن المنية سبقت لتتركني أرتب كلمات لن تقرأها، ولا أدري الآن ما يهم قارئها بعدك فهل سيكون ملما بما بين سطورها؟ أشك في ذلك؛ لأن ما بين السطور لغة تعامل بيني وبينك، ولأن هذا النزف هو شراكة دمعة وألم واشتعال فؤاد حزناً، وهل يدرك من يقرأ كلماتي أن الصدق في البوح جاء متأخراً كثيراً.

أستاذي حتى عندما كرمت في النادي الأدبي وتلك مزية أخرى لك أن تكرم في حياتك، وأن يسعى الصادقون لتكريمك بعد مماتك، شعرت أن لدي ما أقول فتقهقرت متراجعاً منطوياً على ذاتي، ولكن تراجعي مبرر، فكيف أقف على منبر المثقفين متحدثاً عنك؟ وأي كلمات تسعفني وأنا في جمهرة من محبيك من المثقفين الذين قدروا فيك ينابيع العطاء المثقف الرصين فأنا صوت نشاز بينهم وفي دارهم، ولكن تقديرك في قلبي سيظل فهم كرموك حياً، وسيكرمونك ميتاً لأنهم للوفاء أقرب، وأقل ما أكرمك به هو اعترافي بك معلماً وموجهاً.

أستاذي - رحمك الله - رحمة الأبرار، وقد غادرت دنيانا إلى دار البقاء غادرت في صمت كعادتك إلا أنه صمت سيطول ولا نهاية له غادرتنا، وقد تركت فينا قصائدك الوطنية وغضبك الشعري وعطاءك الأدبي هما سيقولون: إنك لم تمت؛ لأنك موجود بموروثك ونتاجك، وأنا أقول بل إن له فراغاً كبيراً في نفوسنا لن يملأ في أي زمان قادم، وسيظل الزمن القادم في سؤال دائم أين علي آل عمر عسيري..؟

{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

خالد جابر عسيري مدير الإنتاج والبرامج - تلفزيون أبها


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة