Culture Magazine Monday  12/02/2007 G Issue 186
ذاكرة
الأثنين 24 ,محرم 1428   العدد  186
 

معروف الرصافي.. و(الشخصية المحمدية)
د.زهير محمد جميل كتبي*

 

 

أقسم بالله العظيم أنني صعقت وفجعت عندما قرأت كتاب الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس، لمؤلفه معروف الرصافي، معروف الرصافي المثقف والأديب والشاعر العراقي الشهير، والذي درسنا أدبه وشعره وثقافته ونحن صغار في المرحلة الاعدادية وما بعدها، هذا الشاعر المثقف العراقي الكبير والذي كتبت عنه الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه، وكل ما قرأته عنه من دراسات علمية عميقة وجاءت تؤكد على حسن إسلامه.

بيد أنني عندما قرأت كتاب الشخصية المحمدية استغربت ودهشت وتساءلت كيف استطاع معروف الرصافي - إن كان هو المؤلف الحقيقي - أن يغش ويضحك على هذه الأمة، التي احترمته وقدرته أجمل وأرقى تقدير وتكريم، لدرجة أن بعض الدراسات العلمية اعتبرته شاعر العراق الأول، وأن مكانته الشعرية في العراق، مثل مكانة أحمد شوقي في مصر، فهو شوقي العراق.

عبدالله القصيمي اهتم بالجانب الفلسفي والفكري للإسلام، ولكن الرصافي اختلف عنه، وعن منهج القصيمي حيث إن الرصافي (شكك) و(طعن) في القيم والمبادئ والحقائق والمثل والأخلاق الإسلامية الفاضل بل في كل الموروث الإسلامي، إن الكتاب طافح (بالافتراءات) و(الأباطيل) و(الأوهام) و(الزيف) و(الأحقاد) و(المغالطات) و(الخرق), وأشياء كثيرة من (الغرور الفكري) و(غموض وإبهام واضطراب فكري)، والقصيمي أعلن وأشهر إلحاده وكفره، ولكن الرصافي في كاتم كل ذلك.

لقد أراد الرصافي - إذا صحت نسبة الكتاب إليه وهو الذي طبعته دار الجمل- أن يهدم الدين الإسلامي عبر أسلوب التشكيك الفكري، وعبر استخدام والتعامل مع الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، واستخدامهما لخدمة أغراض مزاجه الفكري والثقافي أن الكتاب مليء بالظلمات المتكاثفة من أول سطر بالكتاب حتى نهايته السوداء، لقد غفل ونسي الرصافي، المثقف المتنور، بقصد وسوء نية، وهذا أمر بالغ الخطورة.

- إن الغضب جمرة تحرق العقل الواعي.

- إن الحقد شجرة تنبت الرذائل العفنة.

- إن الكتابة أمانة ومسؤولية دينية وتاريخية وفكرية.

- إن عمى البصيرة يهزم الاعتدال في الرأي.

- إن الغلو والانغلاق لا ينهض بالرؤية الصافية.

- إن الترجيح بين الآراء والتفسيرات من أخلاق العلماء المتخصصين.

حقيقة أحسنت الجهات المصرية المختصة حين منعت دخول أو تسويق هذا الكتاب الخبيث في مصر، مما دفعني إلى شراء صورة منه بمبلغ خمسمائة جنيه مصري، رغم أنني لا أؤيد مصادرة الفكر ولكن هذا الكتاب فيه خطورة شديدة، بل بالغة الخطورة، خصوصا لو تمت قراءته من قبل بعض ضعاف الإيمان، أو من جيل الشباب، فقد يؤمنون بما ورد فيه من كفر والحاد وتشكيك وطعن في العقيدة الإسلامية وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

أزعم.. بل أقسم بالله أن ما وقع من رسام الكاريكاتير الدنماركي (Edgan Kokvold) والذي نشر رسما (كاريكاتيريا) ساخراً يوم الثلاثاء 26-8-1426هـ - 30 سبتمبر 2005م في صحيفة (جيلانذر بوستن) الدنماركية، أو ما قاله بابا الفاتيكان الكاردينال رتزينجر (بنيديكت) السادس عشر، بل أن هذا الكتاب أكثر خطورة من رواية آيات شيطانية لمؤلفها الإنجليزي سلمان رشدي، لما فيه من تطاول وحقد وطغينة، بل أنه يعتبر ضعيفاً جداً أمام ما كتبه هذا الخبيث الرصافي الذي نفث السم ودسه في ثنايا الحروف والكلمات والأفكار المظلمة. من أجل ماذا؟!... لا أعرف!

ومثل هذا المنتج الخطير سوف يستغل من قبل أعداء الإسلام والمسلمين، لأن المستشرقين لم يكتبوا كلاما مثل الذي كتبه المثقف العراقي معروف الرصافي، وفعلا هذا ما فعلته مؤلفة كتب/ محمد: نبي هذا الزمان، الأستاذة (كارين ارمسترونج) Muhammad: Apropher for our Time. Karen Armstrong حيث ذكرت المؤلفة التالي: (وقد يعتري رواياتهم بعض من الخلل فعمليا نحن لا نعلم شيئاً عن حياة محمد المبكرة قبل تلقيه ما آمن به على أنه وحي من الإله في سن الأربعين، لابد أنه قد نشأت قصص تحمل بعداً مثالياً عن ميلاد محمد.. طفولته وشبابه ولكنها تحمل قيمة رمزية أكثر مما تحمل كقيمة تاريخية، كما يوجد عدد قليل من المواد عن حياة محمد السياسية المبكرة في مكة، إذ كان في ذلك الوقت شخصية مستترة نسبيا ولم يكن يظن أحد أن الأمر يستحق تدوين ما يقوم به من نشاطات، ومصدرنا الرئيس للمعلومات هو النص الذي أتى به للعرب).

وانظروا معي ما كتب معروف الرصافي في هذا الجانب نفسه حيث كتب في صفحة (101): (ذلك لأن محمداً بعد النبوة صار له أصحاب يؤمنون به ويمشون معه، وصار له أعداء يكذبونه ويصدونه عن طريقه، وشاعت أخباره وذاع صيته بين قبائل العرب حتى صار يهم الناس أمره ويعنيهم نقل أخباره والتحدث بها في بيوتهم ونواديهم، فبسبب ذلك تكون الرواية عنه قيمة ما وهو ليس هو كذلك قبل النبوة، بل هو قبل النبوة وقبل أن يشتهر أمره لم يكن إلا واحداً من قومه وعشيرته فلا يهم الناس أمره ولا يعنيهم نقل أخباره ولا التحدث بها في بيوتهم ونواديهم، ومن ذا الذي يعلم أن أباه عبدالله بن عبدالمطلب سيولد له من آمنة بنت وهب أن يقيم الناس ويقعدهم حتى يهتم بعبدالله فيعرف كيف خطب آمنة، وكيف دخل بها، وماذا أصدقها، ومن ذا الذي كان يعلم أن هذا المولود من آمنة سيكون له شأن عظيم حتى يهتم بأمره فيعرف متى ولد، وأين ربي، وكيف نشأ، وبماذا اشتغل، وإلى أين سافر، خصوصاً إذا كان هذا المولود ولد يتيماً، إذ توفي أبوه قبل ولادته على رواية، أو بعدها على رواية أخرى، بل كان شأنه في ذلك كشأن واحد من سائر الناس، وربما ولد ولم يعلم بميلاده من أهل مكة إلا جده وأعمامه ومن يليهم، ولذا (154) نجد الروايات التي تتعلق بحياته قبل النبوة أشد اضطراباً وأكثر اختلافاً وأوسع ابتعاداً عن المعقول، وما ذلك إلا لأن الناس لم يهتموا بها ولم يبحثوا عنها إلا بعد وفاة محمد بزمن طويل).

ثمة أسئلة محيرة.. بل حيرتني فعلا وهو: لماذا وصل هذا المثقف العراقي إلى هذه الدرجة من الكفر والالحاد؟ وما أسباب هذا الانقلاب الخطير! ولماذا لم ينشر هذا الكتاب وهو على قيد الحياة؟! حتى يناقش فيه، ويرد عليه فيما كتب وفسر وحلل.

ولماذا كان الرصافي ينافق ويكذب ويضحك على مجتمعه العراقي، والمجتمع الإسلامي بصفة عامة، بأنه مسلم مؤمن بالله، وفي الباطن وفيما بينه وبين نفسه الأمارة بالسوء يكتب هذا الكتاب الخبيث؟!

ماذا سوف نفعل كمثقفين أمام هذا المنتج الفكري؟

ماذا سوف يقول المثقفون العراقيون عن هذا المنتج وهم أحد الدروع الإسلامية القوية للدفاع عن الإسلام؟

ماذا سوف تعمل الهيئة والمؤسسات الدينية والثقافية مع هذا الكتاب؟

ماذا سوف تكتب وتختزن.. (الذاكرة الإسلامية العربية)، عن معروف الرصافي بعد تأليفه لهذا الكتاب إذا صحّ أنه له؟

إنني على يقين تام لا يداخله شك في قدرة العقلاء والمنصفين في كل موقع بالعالم الإسلامي، الذين لا يزالون قادرين على التفرقة بين الدخيل والأصيل في فكر التاريخ العربي والإسلامي، وذلك حين يسألون عقولهم ويستفتون قلوبهم، لماذا يقع مثل هذا الأمر على بعض مفكري الأمة الإسلامية؟

إن (التحريف) و(التزييف) و(التقول) وحدها لا تغير الواقع الفكري والثقافي والتاريخي مهما بلغت قوة وقدرة تلك العناصر، وسيدب فيها التناقض، ويتسرب إليها الخلل من دواخلها.

إن منهج (تجربة الشك) و(الخطأ) لا يمكن أن يكون منهجاً مستقلاً لكتابة صفحات التاريخ الإسلامي، يقع هذا من أبناء الإسلام في حين أن العالم كله ينظر إلينا اليوم نظرة مغايرة للمراحل الماضية، فماذا سبب صدور مثل هذا المنتج الفكري والديني؟

ومن المعلومات المهمة عن هذا الكتاب أن معروف الرصافي ألف هذا الكتاب ولم ينشره في حياته، وطلب من ابنته أن لا تطبعه إلا بعد مرور خمسين سنة من وفاته، فيا ليت ابنته لم تحترم وصية والدها، ولم تطبع هذا الكتاب الخطير، إن عمله هذا وعملها جعلت من تاريخ الرصافي وابنته يشكل (بقعة سودءا) يصعب محوها.

وهنا أرغب في نشر نص واحد من هذا الكتاب، حتى لا يتهمني أحدكم بالغلو والمبالغة في مهاجمة ونقد الرصافي، كتب الرصافي في صفحة (18) يقول: (لا شك أن هذه الحالة التي لا تعرف للمجتمع حقوقا غير حقوق الأرباب محتاجة إلى الاصلاح، وأن خير ضامن لإصلاحها ما جاء محمد من كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وهي من مخترعاته التي لم يسبق إليها على ما أرى، لأن (ياهو) إله اليهود وإن كان واحداً، إلا أنه ليس بإله عام بل هو إله إسرائيل فقط، كما أنه إله إسرائيل في الأرض الموعودة فقط، أما الإله الأعظم العام الشامل المهيمن على جميع المخلوقات فهو الله الذي عرفه (5) ووحده محمد لا غير، فهو إذن بهذا المعنى من تصوراته التي لم يسبقه أحد إليها.

قد يقال إن العرب في جاهليتهم قبل محمد كانوا يعرفون الله بهذا المعنى، أي أنه إله عام خالق لجميع المخلوقات {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، فأقول نعم! ولكنهم لا يوحدونه بل يجعلون له شركاء فلم تنتف عنهم العبودية لغيره من أصناع وغير أصنام.

وإذا تأملنا جيداً في معنى (لا إله إلا الله) وجدنا كل ما فيها أنها ترتقي بالناس من طور أدنى إلى طور أعلى، إذ تخرجهم من طور عبودية عامة إلى طور عبودية خاصة أي أنها تجعل الناس كلهم مستعبدين لإله واحد لا شريك له هو خالق الكائنات، فالمنفعة المترتبة على كلمة التوحيد هي للناس لا لله؛ لأنها تحررها من العبودية لغير الله، فنفعها لا يعود إلا إليهم وفائدتهم لا تكون إلا لهم وإلا فإن الله لا يضره أن يعبد الناس غيره، كما لا ينفعهم أن يعبدوه دون سواء {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

الغريب إن الرصافي توقع ما يقع له وعيه بعد تأليفه هذا الكتاب الخبيث حيث كتب يقول: (ولئن أرضيت الحقيقة بما أكتبه لها لقد اسخطت الناس علي، ولكن لا يضرني سخطهم إذا أنا أرضيتها، كما لا ينفعهم رضاها إذا كانت على أبصارهم غشاوة من سخطهم علي، وعلى قلوبهم أكنة من بغضهم إياي.

فإن قلت أيها القارئ الكريم من ضمن لك إنك ترضى الحقيقة، وهل رضاها عنك فيما تكتبه هنا إلا دعوة مجردة، قلت كفى بحرية الفكر ضامنا لي رضاها وما عليّ في نجاح هذه الدعوى مني وصدقها إلا أن أفكر حراً وأكتب حراً فإن أصبت ما أردته لها فقد أرضيتها، وإن أخطأ فلي ما يعذروني عندها من أنني لا أقصد إلا رضاها ولا أنحاز إلا إلى جانبها، وإذا كنت لا أتبع هوى النفس فيما أكتبه عنها فما أنا بمسؤول عما لا طاقة لي به منها.

أما سخط الناس من أجل أنني خالفتهم لوفاقها وصارحتهم في بيانها جريا على خلاف ما جروا عليه من عادات سقيمة وتقاليد واهية فلست مباليا به ولا مكترثا له، وإني لأعلم أنهم سيغضبون ويصخبون ويسبون ويشتمون، فإن كنت في قيد الحياة فسيؤذيني ذلك منهم، ولكني سأحتمل الأذى في سبيل الحقيقة وإلا فليس لي أن أهتف باسمها ولا أن أدعى حبها كما يدعيه الأحرار، وإن كنت ميتا فلا ينالني من سبابهم خير كما لا ينالهم منه خير فإن سب الميت لا يؤذي الحي ولا يضر الميت، كما قال محمد بن عبدالله عظيم عظماء البشر).

وفي الأخير ماذا سنقول للعالم الغربي عن هذا الكتاب لو استغلوه، ودفعوا به أمامنا عند الهجوم علينا؟ هل نستطيع أن نطلب من الرصافي أن يعتذر، كما طال العالم الإسلام وعلمائه من بابا الفاتيكان، أو أن نطلب من الرصافي أن يحرق كتابه هذا، كما فعل في كتب الفيلسوف العربي ابن رشد، أو أن يصدر أمر بسجن الرصافي في قبره، ومحاكمته غيابياً عبر المحاكم الشرعية، أو يهدر دم الرصافي كما هدر دم سلمان رشدي من قبل الخميني.. أو... أو... أو... أو... حتى نهاية المقال، فمن يستطيع أن يجيب على سؤالي وأسئلتي الكثيرة في هذا المقال.

وسأختم مقالي بما أخبر به سيدنا محمد صلى الله عليه مسلم: (إن آخر الزمان تكون فتن كقطع الليل المظلم، يمسي المؤمن كافراً ويصبح مؤمناً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وأدعو معكم دعاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اللهم إني أسألك إيمانا كإيمان العجائز).

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض ويوم العرض وساعة العرض، وأثناء العرض.

* أديب وكاتب سعودي. Faranbakka@yahoo.co.uk


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة