Culture Magazine Monday  16/07/2007 G Issue 207
فضاءات
الأثنين 2 ,رجب 1428   العدد  207
 

العرب على الجانب الآخر من البحر:
نحن وهم في الرواية الغربية «3»
د. لمياء باعشن

 

 

الحروب الصليبية والعنف العربي:

أما التأثير الثاني على انطباعات الغرب عن الشخصية العربية فيأتي عن طريق الحروب الصليبية التي نتج عنها أكبر هجوم مضاد على الإسلام عبأ كل الوسائل التعبيرية، ليؤجج بها المشاعر في استنفار للمتخيل الجمعي الأوروبي. وعندما نتوقف عند مكونات النظرة المسيحية للإسلام نجد أن الحرب ضد المسلمين، تعني محاربة الظلام بقصد إشاعة الأنوار. ويظهر التشويه الإيتيمولوجي في وصم العرب باسم السرازانيين 9 Saracens أي بدو الصحراء أعداء المسيح وحلفاء الشيطان. ثم أثمرت الحمولة الدلالية والرمزية لهذا الاسم ثلاث صور نمطية أولية صاغها الوعي المسيحي الغربي في العصور الوسطى عن الإسلام، الوثنية والعنف والشبقية. من هنا تكرست هذه الصورة النمطية عن الإسلام من حيث كونه دينا عنيفا شعاره السيف والحرب. وهذا التضخيم من صفة العنف ولّد نوعا من البرانويا من الخطر الذي يمثله المسلمون؛ لذا فإن صورة العربي التي تُرسم في أدبيات الحروب الصليبية هي صورة قاتمة لا يمكن استئصالها مفادها أن الإسلام والمسلمين جميعا يتسمون أصلا بالعدوانية، وبذلك فهم يمثلون تهديدا للحضارة الغربية.

وتبقى رواية سير والتر سكوت Sir Walter Scott الكلاسيكية (التعويذة) The Talisman الاستثناء الوحيد لهذه الحملة الصليبية الدعائية. تحكي هذه الرواية الصادرة في 1825 عن لقاء المسلمين مع المسيحيين خلال الحروب الصليبية، ويظهر صلاح الدين الأيوبي قائد المسلمين مثالاً رائعاً للحكمة والشجاعة وكرم النفس في مقارنة تقارب بينه وبين ريتشارد قلب الأسد الذي يسقط مريضاً فيقدم له القائد المسلم العلاج المطلوب والحرب دائرة بينهما. 10 هذه القصة كانت مقبولة في الغرب ولم يناقش صدقها أحد، لكنها في الوقت الحالي تجد معارضة شديدة وتطعن في توخي (سكوت) الدقة في نقل أحداث التاريخ. وحين اعتمدها سكوت آخر، هو سير ريدلي سكوت Sir Ridley Scott

كمرجع لفيلمه مملكة السماء Kingdom of Heaven في 2006 ثار ضده كثير ممن اعتبر هذا الحدث تشويهاً رومانسياً للتاريخ جعل المسلمين متحضرين ومتقدمين بينما أظهر المسيحيين كبرابرة متوحشين، وهذا أمر سخيف وغير معقول بالنسبة إليهم.

الرواية السياسية والمستقبل العربي:

وبقيت الروايات الرسمية بعد ذلك خالية من الحضور العربي حتى لو أن أحداثها دارت على الأرض العربية، مثل سلسلة روايات ( رباعية الإسكندرية) 1957 The Alexandria Quarter للورانس دوريل Lawrence Durrell التي تستخدم مصر كخلفية مكانية لا تحرك شخوص المكان بشكل حيوي. لكن في الوقت نفسه كانت هنالك روايات تُحرك الرأي العام باتجاه الصراع الذي سيحتدم قريباً بين العرب واليهود على أرض فلسطين. تظهر الرواية السياسية على يد أول رئيس وزراء بريطاني يهودي هو بينجامين ديزرائيلي Benjamin Disraeli الذي كتب في روايته (تانكرد، أو الحرب الصليبية الجديدة)

Tancred,or The New Crusade 1847 أن (العرب ليسوا سوى يهود يمتطون خيولاً)؛ لأن اليهود والمسيحيين والمسلمين في نظره ما هم إلا أمة واحدة.

وتنبهت الكاتبة جورج إليوت Goerge Eliot إلى الخطر الكامن في مشروع صهر الأمم المقترح فكتبت روايتها (دانييل ديروندا)

Daniel Deronda 1876 التي تدعو فيها إلى ضرورة فصل اليهود عن الأوروبيين لأن مشروع الأمة الواحدة سيجعل السلطة الرسمية للأساس اليهودي، فيكون المسيحي تابعاً ومديناً لليهودي بكل ما يملك من موارد حضارية وثقافية. وقد جعلت جورج إليوت مهمة ديروندا، بطل روايتها، المساعدة في خروج اليهود ونزوحهم من جديد إلى فلسطين، حتى يتحدد وجودهم في إطار قومي، فهي تمرر من خلاله رؤيتها بأن بقاء اليهود في أوروبا أمر غير طبيعي. كل ما سبق من روايات كان قد مهد الطريق لكي يتقبل الأوروبيون فكرة انتزاع الأراضي العربية من سكانها وتشريدهم دون اكتراث لمصالحهم، فهم متوحشون ووثنيون وعنيفون. لن يصدق أحد مدى التأثير الذي أحدثته هذه الرواية في نفوس الغربيين! يكفي أنهم اتحدوا بسرعة للخلاص من اليهود وتخطيط نزوحهم إلى فلسطين.

في أعقاب الحرب العالمية الثانية يكتب فرانز كافكا Kafka Franz قصة بعنوان (بنات آوى والعرب)

Schakale und Arabe حيرت النقاد في تحديد موقفه من الحركة الصهيونية التي لا بد أنه كان على علم بها كونه يهوديا. في هذه القصة المستغربة يظهر قطيع من بنات آوى للبطل الأوروبي خلال رحلته في الصحراء العربية ويتوسلونه أن يتدخل لأنه المنقذ الوحيد المنتظر الذي سيخلصهم من صراعهم مع العربي الفظ المضطهد: (سيدي، لا بد أن نتحرر من العرب. نريد هواءً نظيفاً نستنشقه، ونريد أن نرى الأفق من حولنا خالياً منهم). لكنه بعد أن يتعاطف معهم يكتشف أنهم يتكالبون على ما يجود به العربي عليهم من لحوم جمال ميتة ويأكلونها بنهم رغم أنه يجلدهم بالسياط خلال الأكل وهو يقول: (عند هؤلاء الحيوانات أمل مضحك، إنهم حقاً حمقى، كم يكرهوننا).

يكتب اليهود روايات تُعد غربية يُسخّرون فيها أقلامهم لتشويه صورة العربي، وفيما يزيد عن 520 رواية كتبها إسرائيليون مثل أوديد بتسر، ونامي أوفري، وعنان درور

( Audi Bister, Nami Aufri, Inan Drour ) يجري إلصاق الصفات الكريهة بالعرب بشكل مقصود تفوح منه رائحة العنصرية والتعصب البغيض. يتكرر تنميط العرب في هذه الروايات على شاكلة ما فعله الكاتب آموس عوز Amos Auz في قصته البلدة وبنات آوىThe Country of the Jackals وهو يصف سكان الدائرة الخارجية، أي العرب قائلاً: (هم أناس لونهم غامق وقذرون، رائحتهم فظيعة ويعشش القمل في رؤوسهم والذباب من حولهم، وهم يحرقون كل ما يجدونه في طريقهم، يقتلعون الشجر، ويقطعون الحواجز ويدوسون المزروعات ويحيلون لون العريشات من الأخضر إلى الأصفر).

في بلادنا، هنالك مكان لليهود فقط. وسوف نقول للعرب: اخرجوا منها! فإن رفضوا وقاوموا، فسوف نطردهم منها بالقوة. بن-زيون دينور11

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة