Culture Magazine Monday  16/07/2007 G Issue 207
فضاءات
الأثنين 2 ,رجب 1428   العدد  207
 

العربية والتعليم في مصر
طلائع المناوئين
د. مصلح النجار

 

 

عندما عاد الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي إلى مصر من فرنسا كتب سنة 1868 كتابا عنوانه (أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل)، وفي هذا الكتاب خصّص فصلا لفضل العربية، ولكنّه دعا فيه إلى استعمال العامّيّة، فقال: (نعم، إنّ اللغة المتداولة في بلدة من البلاد، المسمّاة باللغة الدارجة، التي يقع بها التفاهم في المعاملات السائدة، لا مانع أن يكون لها قواعد قريبة المأخذ تضبطها، وأصول على حسب الإمكان تربطها، ليتعارفها أهل الإقليم، حيث نفعها بالنسبة إليهم عميم، وتصنف فيها كتب المنافع العموميّة، والمعالم البلديّة)، ولكن دعوة الشيخ الطهطاويّ هذه لم يكتب لها النفاذ، ولم يستجب لها أهل مصر.

واستمرّت الأمور على ما هي عليه، قرابة عقدين من الزمن، إلى أن بدأ العمل على التعليم بالفرنسية والإنجليزية في مصر سنة 1889، ومحاولة تحويل لغة التعليم، على يدي علي مبارك باشا. ولعلّ ذلك يتساوق مع الجوّ الذي خلقه دنلوب في وزارة المعارف بمصر من حملة ضدّ العربيّة، احتقاراً لها، وللقائمين عليها، وبخاصّة رجال الأزهر الشريف.

وفي وزارة المعارف نفسها يملكنا الاستغراب؛ إذ نجد سعد باشا زغول يساهم في الحملة على التعليم باللغة العربية، عندما عُين ناظراً للمعارف، سنة 1906، فهو يقول: إننا إذا فرضنا التعليم باللغة العربية؛ فإننا نكون قد أسأنا إلى بلادنا، وإلى أنفسنا إساءة كبيرة. لقد ركّز زغلول على تعليم العلوم باللغة الإنجليزية والفرنسية، وروّج لذلك، وقال: (وإذا كنتم مع ذلك توافقون على الاقتراح المقدم لكم عن (تعلم العلوم باللغة العربية)؛ كنتم كمن يحاول الصعود إلى السماء بغير سلّم.

وقد تصدّى للردّ على سعد زغلول فيما ذهب إليه أعلام مثل علي يوسف، وهاجمت زغلول كذلك الصحف الوطنية، ولم تدافع عنه آنذاك إلا صحيفة (الأخبار).

وفي خضمّ هذه الدعاوى إلى التعليم بغير العربية انعقد أول مجمع للغة العربية في القاهرة، سنة 1892، برئاسة الشيخ محمد عبده، وذلك يشكّل الجانب الآخر المشرق من مشكلة اللغة في مصر.

ولم تقتصر الدعاوى ضد العربية على وزارة المعارف، والتعليم المدرسي، ففي حقل التعليم الجامعي أيضا، وجدنا، من يحمل لواء الهجوم على العربية الفصيحة، وتجلّى ذلك من خلال مقالات لطفي السيد في مجلة (الموسوعات) في شهر كانون الثاني سنة 1899، والتي ظلّت تعتمل في نفسه تفاعلاً، حتى عاد ليخوض غمار المعركة ذاتها سنة 1913 على صفحات (الجريدة)، وقد تصدّى له كل من الرافعيّ، وعبدالرحمن البرقوقي، وسواهما، وقد سوّغ لطفي السيد دعواته في هذا الصدد بأن العربية قد صار تعلُّمُها صعباً.

وكان محور دعوة لطفي السيد ألاّ تُتركَ (اللغة) العاميّة، أو لغةُ الشعب لتموت، بإبعادها عن عالم الكتابة والعلم، فدعا إلى رفع لغة العامة إلى الاستعمال الكتابي، والنزول باللغة المكتوبة إلى ميدان التخاطب والتعامل، وذلك أقرب الطرق، في رأيه، لإصلاح العربية، فإذا استعملنا العامية في الكتابة اضطررنا إلى تخليصها من الضعف، وجعلنا العامة يتابعون الكتّاب في كتاباتهم.

إن (اللغة) العامية التي نادى بها لطفي السيد لها في رأيه مشخِّصات ثابتة، تحددها من الجهات جميعها، وتميزها تمييزاً تاماً. ولا بد من أن تكون الحروف على ذلك ساكنة، في مذهبه، ولا تتحرك إلا بحروف العلّة، هذا فضلا عن اقتراحه فكّ الإدغام.

ولم تكن دعوة لطفي السيد دعوةً إلى العامية فحسب، بل وجدناه ينادي بإدخال المفردات الأجنبية إلى اللغة العربية، فهي في رأيه قد دخلت بالفعل، ونحن لا نملك أن نضع للأشياء التي سميت بالأسماء الأجنبية أسماء جديدة، يُكتب لها الرواج، بدلا بأسمائها.

وليس بعيدا عن لطفي السيد، كان طه حسين يدعو إلى تطوير النحو العربي، ويقول: (اللغة ملك لنا، ولا حق لرجال الدين أن يفرضوا وصايتهم عليها). إنّ معركة طه حسين اللغوية كانت معركة مع (رجال الدين) كما يسميهم. وهو يرى، استطراداً، أن من المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين، ووحدة اللغة لا تصلحان أساساً للوحدة السياسية، ولا قواما لتكوين الدول.

انبثقت كثير من دعوات العامية، وتغيير الحرف العربي، في مصر، من منطلق الانتماء إلى الهويّة الفرعونية، والتي تتناقض بدورها مع الهوية القومية العربية، ومع الهوية الإسلامية أحياناً، ومن مقوّماتهما الأساسية اللغة العربية، بأنظمتها جميعاً.

- عمّان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة