Culture Magazine Monday  16/07/2007 G Issue 207
شعر
الأثنين 2 ,رجب 1428   العدد  207
 
سادن الوجع الجليل
شعر/ يحيى السماوي

 

 

عاتبت لو سمع القريب عتابي..

وكتبتُ لو قرأ البعيدُ كتابي!

وسألتُ لو أنَّ الذين محضتُهُم

ودّي أضاؤوا حيرتي بجوابِ!

وعصرتُ ماء العينِ لو أنَّ الأسى

أبقى بحقلِ العمرِ عُشبَ شبابِ

وأَنَبْتُ عني لو يُنابُ أخو الهوى

بسخينِ أحداقٍ ونزفِ إهابِ

وترنَّمت لو لم تكن مشلولةً

شفتي.. ومصلوبَ اللحونِ ربابي

كيف الغناءُ؟ حدائقي مذبوحةٌ

أزهارُها.. ويبيسةٌ أعنابي

شجري بلا ظل.. وكلُّ فصولهِ

قيظٌ.. وظمآنُ الغيومِ سحابي

طَرقَ الهوى قلبي.. وحين فَتحتُهُ

ألقى به عصفاً وعودَ ثقابِ

حتى إذا كشف الضحى عن شمسه

ألفيتُني ميتاً بنبضِ ثيابِ

يتقاتل الضدّان بين أضالعي:

عَزمُ اليقينِ وحيرةُ المرتابِ

صُبحى بلا شمسِ.. وأما أنجمي

فبريقُ بارودٍ وومضُ حرابِ

روحي تمصُّ لظى الهجيرِ وتستقي

شفتاي من دمعٍ ووهجِ سرابِ

أرفو بخيطِ الذكرياتِ حشاشةً

خَرَمت ملاءتها نِصالُ غيابِ

الدارُ بالأحبابِ.. ما أفياؤها

إن أقفرت داري من الأحباب؟

عابوا على قلبي قناعةَ نَبضِهِ

أنَّ الردى في العشقِ ليس بِعابِ

أنا سادنُ الوَجعِ الجليلِ خبرتُهُ

طفلاً.. وها قاربتُ يومَ ذهابي

*****

صوفيَّة النيران لا تترفَّقي

بي لو أتيتكِ حاملاً أحطابي

قد جئتُ أستجدي لظاكِ.. لتحرقي

ما أبقَتِ الأيامُ من أعشابي

أنا طفُلكِ الشيخُ.. ابتدأتُ كهولتي

من قبلِ بدءِ طفولتي وشبابي

لعبت بي الأيامُ حتى أدمَنت

وجَعي.. وَخَرَّزتِ العثارُ شعابي

يحدو بقافلتي الضياعُ كأنني

للحزنِ راحٌ والهمومُ خوابي 1

إن تفتحي بابَ العتابِ فإنني

أغلقتُ في وجه الملامةِ بابي

أهواكِ؟ لا أدري.. أضَعت بداهتي

وأضاعني في ليله تغرابي

كل الذي أدريه أني بذرةٌ

أما هواكِ فجدولي وتُرابي

نَزَقي عفيفٌ كالطفولةِ فاهدئي

أنا طفلكِ المفطومُ.. لا ترتابي

الشيبُ؟ ذا زَبَدُ السنين رمى به

موجُ الحياةِ على فتى متصابي

(ستٌ وخمسون) انتهين وليس من

فرحٍ أُخيطُ به فتوقَ عذابي!

الدغل والزُقّومُ فوق موائدي

والقيحُ والغِسلينُ في أكوابي2

أحبيبة الوجع الجليل مصيبتي

أن العراق اليومَ غاب ذئابِ

لو كان يفتح للمشردِ بابه

لأتيتُهُ زحفاً على أهدابي

وطويتُ خيمةَ غربتي لو أنها

عَرفَت أماناً في العراق روابي

أوقفتُ ناعوري على بستانهِ

وعلى دجاهُ المستريب شهابي

*****

خوفي عليَّ وقد تَلَبسني الهوى

مني.. ومنكِ عليكِ يومَ حسابِ

إن كنتِ جاحدةً هوايَ فهاتني

قلبي وتِبرَ عواطفي وصوابي

نم يا طريد الجنتين معانقاً

خالاً يشعُّ سناهُ بين هضابِ

عَرفَتك مخبولاً تُقايضُ بالندى

جمراً وكهفَ فجيعة برحابِ

*****

أصحابنا في دار دجلة عذركم

إن غرَّبت قدماي يا أصحابي

جَفَّت ينابيعُ الوئامِ وأصحَرت

بدء الربيعِ حدائق اللبلابِ

أحبابنا.. واستوحشت أجفانها

مُقلي وشاكسني طريقُ إيابي

أحبابنا عزَّ اللقاء وآذنت

شمسي قُبيل شروقها بغيابِ

أحبابنا في الدجلتين تعطّلت

أعيادُنا من بعدكم أحبابي

ندعو ونجهل أنَّ جُلَّ دُعائنا

منذ احترفنا الحقد غيرُ مُجابِ

نَخَرَ الوباءُ الطائفيُّ عظامنا

واستفحل الطاعون بالأربابِ

عشنا بديجورٍ فلما أشمَسَت

كشفَ الضحى عن قاتلٍ ومرابي

ومُسَبِّحينَ تكاد حين دخولهم

تشكو الإله حجارةُ المحرابِ

وطنَ اللصوصِ المارقين ألا كفى

صبراً على الدُخلاءِ والأذنابِ

***** ****

1 الخوابي: الدنان وما شابه ذلك.

2 الغسلين: ما يسيل من أجسام أهل النار.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة