Culture Magazine Monday  19/02/2007 G Issue 187
تشكيل
الأثنين 1 ,صفر 1428   العدد  187
 

التشكيلي أحمد ماطر:
أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت الآخرين إلى اكتشاف ثقافتنا الإسلامية

 

 
*إعداد -محمد المنيف:

أحمد ماطر اسم لمع في سماء التشكيل السعودي (جنوبا) من ثنايا جبال تهامة ومن أعماق سحابها الممتلئ حبا ومشاعر فياضة مؤطرة بكل المقبلات الجمالية البصرية والروحية، من هناك من ارض الجمال والزهور والرياحين كانت بداية تألق فنان ينظر إلى الواقع بعيني صقر وقدرات مبدع، اختزل عناصر الطبيعة الثابت منها والمتحرك، صهرها في أتون عشقه لها، مضيفا عليها بعدا جديدا يتزامن ويتوازى مع ثقافته المعاصرة دون إخلال بقيم الأرض والمحيط فجاء إبداعه ملفتا للنظر ومثيراً للجدل ومحتفا به دوليا.

احمد ماطر دون أي بهارات او تزويق أو مبالغة في الإطر1اء فنان أبدع فاستحق الإعجاب، وخطى خطوته الواثقة فحقق التواجد في احد أهم المتاحف البريطانية، هذا الفنان عرفته من خلال بعض المشاركات واليوم أصبح احد الرموز الشابة الطموحة في مستقبل مسيرة الفن التشكيلي السعودي المعاصر حاملا مهمة كبيرة يتقاسم مسئوليتها مع عدد من الأسماء التي ترتقي بهذا الفن وتنافس به بكل جدارة، دعونا اليوم نبحر مع هذا النموذج من المبدعين التشكيليين في ساحتنا المحلية الذي يجمع بين إبداع مهنته الطبية وبين مهارته التشكيلية وقدراته الفوتوغرافية.

* بكل شاعرية تحدث الدكتور في مجال الطب الفنان التشكيلي احمد ماطر عن مكان ولادة ابداعه بقوله: من هناك حيث مدينة مأهولة بالغيم أستيقظ كل يوم على صراعات البداوة والتمدن فتتمازج في أذني أبواق السيارات وصراخ البنائين، بأصوات الرعاة وقطعانهم في تنافس غريب بين نشوة الحضارةونزواتها، مع أصالة القرى وعبق الماضي الذي لا يزال يملأ أرجاء المكان بالرغم من مضايقة القوالب الإسمنتية والعربات المعدنية له بشكل قوي، لقد درج أهل هذه المنطقة على التعامل مع الفن كجزء رئيسي وأصيل في حياتهم اليومية من خلال تميزهم في أنماط العمارة التقليدية وفي أزيائهم التقليدية وفي كافة أنماطهم الحياتية اليومية، أحد أهم هذه المظاهر ما يعرف بال(قط) وهو نوع من الزخارف التي تزين بها جدران البيوت من الداخل وقد اختصت النساء به وعرف كأحد أهم الخصائص التي تميز الثقافة العسيرية دوناً عن غيرها، ولحسن الحظ كانت والدتي واحدة من أشهر الممارسات لفن القط العسيري وعرفت بإبداعها وتميزها في هذا المجال مما أثر على توجهي الفني بشكل كبير وجعلها تشجعني على الاهتمام بالفن وتعلمني بفطرة وعفوية تامة مهاراتها في هذا الفن وتشجعني على القراءة وعلى الاكتشاف والتجريب لكل ما هو جديد في مجال الفن، والدتي هي الناقد الأول دائماً لجميع أعمالي مهما كانت حديثة ومتجاوزة، فالفنان الأصيل يبحث عن الجديد دائماً ولا تنقصه الشجاعة ولا الرغبة الملحة في الغالب على تقديم ما هو جديد ومعبر في الفن.. ولا يقف عند حدود أو مجالات ضيقة طالما أن ذلك لا يتعارض مع قناعاته وأصالته.

* الفنان احمد ماطر عرف مصورا فوتوغرافيا ناجحا استطاع ان يروض الكاميرا وتشكيليا امسك بزمام ادواته التشكيلية كيف له الجمع بينهم وكيف يحيل كل مشهد الى وجهته؟، يقول ماطر.. لا اسعى إلى تكوين قوالب جاهزة من الإجابات، فربما كان مجرد الموقف الذي يحمل تساؤله إجابة، وربما كان ما يبث من خلال أعمالي في روح المتلقي من شعور، هو بحد ذاته إجابة. ففي أي عمل فني أقوم به سواء كان تشكيلياً أو ضوءاً أو فكرةً ما، فما أعمالي إلا مزيجاً من مواهب اكتشاف الصدفة النفسية، والتكنيك التلقائي (ImmediateTechnicalRecall) لقد شعرت منذ البداية في أي عمل أقوم به انه يجب أن يكون هناك شعور إيحائي بالرضى، كما في كل الأنشطة الإبداعية، فإن الصنعة (الإتقان في الأداء)، يجب أن تكون كافية (على مستوى عال) للوفاء بغرض التعبير.

إن التكنيك الكامل، أو التكنيك التلقائي، هو حصيلة عمل الفنان على تحسين أدائه، بصورة مكرسة ومتواصلة. ولا يتأتى ذلك، سوى بالفهم الدقيق ليس للأداة فحسب، بل للموضوع، ولعناصره البصرية.

ولا يعني هذا، إحلال التكنيك، بأي حال من الأحوال محل الموضوع نفسه في الأهمية. إن للصبر وعدم استعجال النتائج دور كبير في الوصول إلى مرحلة التكنيك التلقائي، الذي يعد داعما للإبداع، ومحررا للخيال. هناك الكثير، والكثير مما يمكن ذكره عن البعد المعنوي/ العاطفي لأي عمل فني أقوم به. لكني لا أستطيع، وان استطعت، فلن أقدم على وصف، وتحليل، أو تعريف، الدوافع ?العاطفية الإبداعية، وراء أعمالي التشكيلية أو الفوتوغرافية، أو أعمال الآخرين الفنية. ان توصيف الإلهام الإبداعي، أو المعنى، لأي عمل تشكيلي، أو أي عمل من أي وسط فني آخر، يقبع في العمل نفسه.

*اللوحة التي دخل بها احمد ماطر أو بمعنى آخر أدخلته عالم المتاحف الاوربية كانت مثار جدل وتساؤلات كيف ومتى وصلت الى هذه الخطوة يقول الفنان احمد ماطر، في نطاق النتاج الإبداعي عموماً، لا يمكن في الغالب الوصول إلى فهم عميق لأدوات وأساليب أشكال مختلفة من الفنون. ذلك، لأن المواقف من تلك الفنون تتشاكل، بل وأحياناً تتناقض. لقد ركزت على هذا المجال في البحث لفترة طويلة قدمت خلالها العديد من الدراسات والأبحاث عن مفهوم الفن في الثقافة العربية والإسلامية وقد شكل هذا التوجه تقاطعاً مع الكثير من المؤسسات الفنية التي انتشرت في أوروبا وأمريكا خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها، مما دفع هذه الجهات إلى اكتشاف العالم الإسلامي عن قرب والتعرف على ثقافته وعلى حياته اليومية، من أهم تلك المؤسسات مجموعة من الفنانين والأكاديميين البريطانيين تدعى(visions Islam)قامت بجولة طويلة على دول العالم الإسلامي هدفها التعرف على ثقافات الشعوب الإسلامية وحضارتها وعلى الحياة اليومية في تلك الدول، وقد قاموا خلال جولتهم بالتعرف على فنون العالم الإسلامي وعلى ممارسي تلك الفنون، وبعد العديد من الدراسات التي أجروها على أعمال هؤلاء الفنانين بالتنسيق مع المتحف البريطاني لاختيار مجموعة من الأعمال من العالم الإسلامي، وكان عملي هو الوحيد الذي تم اختياره من العالم العربي ليقوم بتمثيل التوجه الحديث للفن وللبحث العلمي المرتبط به وكاقتناء في المتحف البريطاني.

(British museum) ليمثل هذا التوجه، حيث إن الكثير من التجارب المطروحة في العالم العربي بشكل عام تشبه ما هو سائد ومنتشر في المتاحف وصالات العرض الغربية، حتى وإن كانت حديثة جداً فهي تستقي روحها العامة من الدراسات الشائعة في أوروبا وأمريكا، بينما نحن نتمتع بإرث ثقافي كبير وبهوية فنية مستقلة جداً وثرية ومتنوعة، لقد حاولت في عملي هذا وفي تجربتي الفنية بشكل عام أن أتخذ من هذا الإرث قاعدة أبني عليها تجربتي الفنية، مستخدماً عناصر وأدوات يمكن استيعابها وتلقيها من قبل جميع الثقافات.

يقول الفنان أحمد عن تعامله مع إبداعه بحس معاصر دون إخلال بالعلاقة مع إرثه البصري وثقافته المحلية.. من وجهة نظري حول ذلك أن الأشياء حين لا تكوّن دلالة مباشرة على ما حولنا, الصورة بزاوية لا تشير بإصبعها بل تومض بلمحة خاطفة, المراهنة على وجود كائن يختفي خلف الإطار وخلف المُشاهد, تلك الرؤيا للمستعمل والعادي واليومي على أنه موضوع مستقل ويستحق الوقوف.. قديماً كانت الصورة رمزاً لما ترثه المجتمعات من أنساق وأعرافودلالات ثقافية محددة, لكن ثمة شيئاً آخر تغير في وظيفة العمل الفني في وظيفة الأداء التكنيكي وطريقة الابتكار الجديدة هي إبراز تلك المشاهد وجعلها ملتبسة معنا داخل تراكماتنا المعرفية.. إنها القدرة والنظرة الجديدة للأشياء من حولنا في زمن أصبحت الصورة مظهراً مهماً لثقافتنا بعد أن اختفت مدة بسبب ما يشاع حول هذه الثقافة من مفاهيم تتعلق بأمور أخرى، البحث يومض حيث الأمكنة مشاعة ويحيل مرايا الواقع إلى لوحة يمكن أن ترتبط بذاكرتنا ويحدد علاقة الأشياء بنا.

الفنان ماطر جزء من تكوين الساحة المحلية، خصوصاً مراحلها الحديثة، هذا القرب يدفعنا إلى سؤاله عن هذا الواقع وعن التجارب الحديثة التي أخذت مساحتها الكبيرة في إبداعات الفنانين، يقول الفنان أحمد.. جميع التجارب الفنية في العالم العربي بما في ذلك التجربة الفنية السعودية تتحرك في نفس المنطقة وتعاني من مشكلة التأثر بالمدارس والتوجهات الغربية الدخيلة على ثقافتنا حتى من الناحية الأكاديمية، (وأنا أقول متى كانت لوحة الاستاند (الأيقونات) الموجودة في معارضنا بنسبة 99% هي مورثنا الفني والثقافي) لكن لن تكون هناك إشكالية هنا، بل الإشكالية في وجهة نظري في أن نفهم أنه من الطبيعي أن يتأثر أي فنان بالمدارس الفنية التي سبقته ضمن دراسته للفن ولبعض التقنيات المتعلقة به، وقد مررت في بداياتي بالعديد من المدارس الفنية، وتوصلت إلى أن الفن غير قابل للتصنيف في هذا النطاق الضيق، خاصة وأن تصنيف المدارس جاء وفقاً للمرحلة التاريخية والثقافية التي نتجت عنها من باب التسهيل لدراسة الفن تاريخياً وأكاديمياً.

أخيراً.. ما الجديد لديك؟

أسعى الآن إلى عمل دراسة وتحديد توجه فكري لتجربتي التشكيلية بشكل موضوعي، وقد أسميت هذا المنهج أو المدرسة (وقف) ونتاج (وقف)، شيء من الصعب تأطيره، نتاج لا يفترض للإطار معنى ما، نتاج يحكم نفسه من الداخل من خلال الطرح الاستفهامي المفهومي Conceptual على المتلقي. هي شيء من التجريب الفني الخالص، هدفه ربما تشكيل التساؤل، لا التساؤل بالتشكيل، وهي بهذا تحمّل متلقيها مسؤولية ذلك التساؤل، وحمله معه، حتى دون شرط تواجد نتاج محدد معلوم ومحسوس أمامه.

عليه، فربما أكملت هذه الفلسفة تأطّرها ولو بشكل ما أو بقدر ما، عن طريقمتلقيها لا عن طريق مبدعيها، وحق لمن يقف منها موقف المتلقي، أن يعتبرها ضرباً من الفن الموضوعي، (Objective art)، نحن بصدد نتاج يذهل إدراك المتلقي ويتصادم مع مسلماته في قوالب لا تحكمها أُطر تقليدية، نتاج يطلق العنان للمتلقي في أن يقع ضمن سيل الأسئلة المتواترة التي لا تنقطع، أتمنى في البدء أن أقوم بنقل المعرض إلى عدة مناطق داخل المملكة وبعد ذلك سأتجه إلى فكرة العرض خارج المملكة، سيكون لي بإذن الله عرض في بينالي الشرقة الثامن في أبريل القادم وأيضاً معرض(Edge of Arabia) في لندن في شهر يوليو 2007 إن شاء الله.

***

لإبداء الرأي حول هذا الموضوع أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6461» ثم أرسلها إلى الكود 82244

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة