Culture Magazine Monday  19/03/2007 G Issue 191
مداخلات
الأثنين 29 ,صفر 1428   العدد  191
 

في الاثنينية كان لفارسها ليلة!

 

 

خمسة وعشرون عاماً أمضاها الأديب عبدالمقصود خوجة خلف اثنينيته داعماً حركتنا الثقافية بجهده وماله ووقته! وليس المجال هنا مجال ثناء وهو حقيق به، جدير بكل ما يستحقه الوطنيون الرائعون من شكر وذكر، كفاء ما بذلوا وقدموا، مواصلين نجاحهم، ومستثمرين - بوعي نادر- ما أفاء الله عليهم من ذات اليد، لذات الثقافة والمبدعين والرواد.

خمسة وعشرون عاماً (وابن خوجة) يواصل الاثنينية بشكل لا يطيقه إلا أولو العزم من الرجال الصادقين الأوفياء.

احتفل واحتفى بكثير من الباحثين والرواد، ونقب عن نتاجهم ونشر مجموعات قيمة منه، وقدم لساحتنا وباحثينا مؤلفات ما كان لهم أن يجدوها بصورتها الجميلة لولا توفيق الله لهذا الرجل. أشهد أني لا أعرف الرجل معرفة شخصية، فلم ألقه إلا مرة واحدة قبل حوالي خمسة عشر عاماً، حيث كنا مجموعة من طلبة الدراسات العليا نقدم رجلاً ونؤخر أخرى، رغبة في حضور تكريم إحدى شخصياته، وكان أكبرنا يناصحنا بأن هذه الاحتفالية خاصة بأولي السمعة والحضور الثقافي في مشهدنا. وبعد مداولات ومشاورات حزمنا أمرنا، وتعاهدنا أن نتقبل أي استقبال أو اعتذار بروح رياضية رغم اختلاف ميولنا الرياضية، واتفاقنا على المباهاة بما يفعله الخوجة مع الثقافة، حيث غدا نموذجاً فريداً، أمام نماذج دعم رياضية كثيرة ينوء الذهن والقلب بذكر دعمها الكبير للرياضة وحسب! وقلنا ضمناً: إن يكن الاستقبال حسناً، فذاك، وإن قيل لنا ارجعوا، رجعنا وكان أزكى لنا! وقد تعاهدنا وأخذنا المواثيق أن يكون الأمر بيننا! توجهنا إلى دارة الخوجة، ولكم كانت دهشتنا ونحن نصافح عبدالمقصود خوجة بقامته المديدة، وابتسامته الصافية يستقبلنا مع غيرنا - بكل حفاوة وترحيب، متهللاً باشاً... عندها أيقنا لماذا يكون الرواد رواداً بالفعل!

كنا نتهامس بعد أن جاوزناه، ونحن نقلب نظرنا في دارته البديعة عن هذا الاستقبال الحافل، وتلك الروح الطيبة وكنت أقول حينها:

(ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا)

وما أحلى وأنبل وأجمل، أن يشعرك هؤلاء الرائعون بأن رباط الكلمة رباط يلغي الحواجز، ويزيل العقبات، تلك الكلمة الأمانة التي علمها (ابن خوجة) حين تناساها آخرون، وأخلص لها حين أهملها القادرون!

شرفت بحضور احتفال الاثنينية بمناسبتها الرائعة، وألفتها، وقد ازدادت جمالاً وروعة! تحدث في الندوة - التي أرادها الخوجة مساءلة له - وشاءها المتحدثون المنصفون وحق لهم ذلك شكراً وثناءً واعترافاً بالفضل والبذل!

تحدث الوقور المبدع محمد عبده يماني فكان مثيرا ومتميزا، وتحدث عبدالوهاب أبو سليمان بمنطقه العلمي بعد أن جاء بكل تواضع العلماء ونبلهم من آخر القاعة! وعاد إلي مكانه مرة أخرى بعد أن أنهى كلمته الرائعة وهو يمنحنا شيئا عمليا من خلق العلماء... ولم ولن يلام عبدالمقصود حين رفض أن يواصل كلمته قبل أن يتبوأ ابن سليمان مكانا آخر... ثم تحدث الشعراء والسائلون والمثنون بما يجيش في نفوسهم ونفوسهن... وكانت إصدارات الاثنينية، تزين مقدمة المنصة الممتدة، التي زانتها المؤلفات القيّمة لروادنا، وزانتها الوجوه الوفية التي تحدثت من القلب إلى القلوب ثم تحدث الخوجة، وكان حديثه حديثاً مؤثراً في أكثر من موقف! كان متفائلاً رغم كل الإحباطات التي عايشها...

كانت دموعه حين ذكر أباه وزوجته رسالة لكل الحضور عن بعض من جوانب شخصية هذا الرائع النبيل، وهو يعيد الفضل لأهل الفضل...

كان الخوجة يطلب من الحضور، نقدهم السلبي قبل الإيجابي، وكنت أقول مع كل جملة، وأنا أستحضر تاريخ وجهود الاثنينية: (كم في بني عمنا من الرماح والرواد والعمالقة والمبدعين!)

نشكو في مؤسساتنا الثقافية الدعم، ونعتذر ونتوارى (وابن خوجة) يقدم للساحة كل هذا النتاج الرائع المتميز...

نسيت وما كان لي أن أنسى أولئك الغرباء الذين لم يعكر صفو وروحانية تلك الليلة، سوى شخوصهم الخاوية الجائعة التي جاءت من أجل مائدته العامرة! فكان منظرها مفجعاً وهي تتجه إلى طاولات الطعام، وراعي الاثنينية تكرمه الجهات المختلفة!

عموما، ظاهرة عبدالمقصود خوجة حرية بالتأمل والذكر والشكر، من كل حريص على نتاج وجهود الرواد لدينا... وسيجد الباحثون حين تعوزهم الحيلة في إحضار وملاحقة أعمال روادنا أن عبدالمقصود خوجة قد قام بعمل لا تنهض به إلا المؤسسات الكبرى!

هذا هو عبدالمقصود خوجة في بعض تجلياته... إن رفض التكريم، وزهد في الثناء، فليس لنا بد أو عذر من أن نقول له كلمات يستحق خيراً منها!

أعانه الله على مواصلة نجاحاته وتحقيق آماله، وهدى مؤسساتنا الثقافية لتعتبر بعمله ومنجزه! إذ أشهد أن في عمله، عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد...

د.عبد الله أحمد حامد - عضو مجلس الإدارة بنادي أبها الأدبي alhamd11@maktoob.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة