Culture Magazine Monday  05/05/2008 G Issue 246
فضاءات
الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1429   العدد  246
 

واقع الثقافة والإعلام
د. أحمد عبدالملك

 

 

ديثة- وأشكال برامجه ومذيعاته الملونات، وأشكالهن الجديدة المتجددة (New Looks) قد ابتعد جداً عن واقع الثقافة العربية؛ وأصبح - على استحياء- يغطي بعض الفعاليات الرسمية، دون أن يفتح نافذة صغيرة على الحراك الثقافي. بل إن المحطات الأهلية ذاتها قد ركزت على جذب الاتصالات والإعلانات عبر البرامج الخفيفة والمسلية والتي لا تحتاج إلى (تشغيل) الدماغ، أو ما يمكن أن يتسبب في (وجع) الدماغ!؟

ونحن كإعلاميين وقريبين من المجال الثقافي لا نود أن ننحاز لأي من المجالين! بل سنحاول هنا رصد المشهد الإعلامي الثقافي - بكل حياد وحرية - على أمل أن تصل رسالتنا إلى القائمين على الشأن الثقافي والإعلامي في المنطقة.

أولاً- المشهد الإعلامي:

تحاول وسائل الإعلام - وأهمها الإذاعة والتلفزيون - جذب أكبر عدد من المتلقين إلى برامجها بواسطة إنتاج أو شراء برامج المنوعات - ولا ضير في هذا - وجني أرباح (ريع) الاتصالات والتشارك بهذا مع شركات الاتصالات أو المعلنين. لكن الإشكالية هنا هي نوع وشكل هذه البرامج - التي أصبحت مكررة - وبعضها يكتم عنا الصوت فلا نعلم ماذا سأل المتصل الضيفة التي تخرج من الغرفة الزجاجية وكأنها خارجة من غرفة الولادة!؟ لأن الأسئلة التي سألها المتصل كان غاية في الحرج والخصوصية كما اسّر لي أحد مقدمي مثل هذه البرامج!؟ وينطبق ذات الشيء على الإذاعة أو محطات ال (F.M) التي تروج للأغاني فقط أو البث المباشر الذي تكثر فيه المغالطات التاريخية والعلمية والاجتماعية؛ نظراً لمحدودية ثقافة الشباب الذين يعدون ويقدمون تلك البرامج وعدم إدراك بعضهم لفن الاتصال واللباقة مع المتصلين!؟

وإذا ما حاولنا أن نعمل مسحاً عشوائياً لمخطط برامج الإذاعة والتلفزيون - لأي محطة خليجية - لوجدنا أن نسبة البرامج الجادة - والتي قد لا تكون مملة أو طاردة للجمهور - لا تتعدى 10% من مجمل ساعات البث!؟ وباقي النسبة تتوزع بين الأخبار - التي تصاغ صياغة ستينية - في بعض المحطات - بعيدة عن حتمية الأوضاع والتطور التكنولوجي وتوافر مئات المحطات التلفزيونية والإذاعية، واعتماد الخبر التلفزيوني على الصورة دون النص، حيث نشاهد بعض المحطات العربية العريقة - التي تجاوز إعلامها عامه الستين - فنجد أن طريقة تحرير الأخبار بالية وطويلة بحيث تضطر المحطة إلى تكرار - الخبر المصور- عدة مرات كي يغطي النص الطويل!؟ كما أن الصياغات الإذاعية - هي ذاتها الصياغات التي تأتي من القصر أو الديوان - وهي مرسلة أيضاً إلى الصحافة ! فممنوع تحريرها حسب مقتضيات الوقت أو الواقع الإعلامي الحديث. وفي التلفزيون أيضا نشاهد برامج - في الغالب- حوارية لكنها لا تؤدي بنا في النهاية إلى نتيجة! ولا تقترب من قضايا المجتمع الهامة، وبعضها يكون (فوقياً) لا ينزل إلى مدركات الجمهور العادي!

وفي الإذاعة نجد برامج المديح والتلميع والإطراء بصورة واضحة ومقززة! وكلها تقدّم الأداء الحكومي على أنه الأفضل و(عال العال) بينما المواطن (يحترق) يومياً من ضعف الأداء- وفي بعض الدول - الفساد الإداري بكل أبعاده. وعند تغطية المشهد الثقافي - من قبل الإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة، نجد الإعلاميين الرسميين يركزون على قص الشريط واستلاب بسمة من المسئول، ويتابعون إشاراته وتلميحاته خلال جولته في المعرض، بينما يهملون صاحب المعرض أو الفعالية. وهذا دأبُ العديد من وسائل الإعلام الرسمية (غير السوي) والذي يحوّل المناسبة الثقافية إلى مهرجان سياسي وابتسامات من المسئول للحاشية التي ترافقه، وهي لا تعرف مدى معاناة المبدع صاحب الفعالية بل ولا يهمها أن تسأله عما أبدع فيه! المهم أن تظل هذه الحاشية مرافقة للمسئول حتى باب سيارته!؟ ونفس الشيء يحدث الندوات! فإذا حضر مسئول كبير نجد القاعة غاصة بجمهور الحاشية الذي يأتي مؤازرة للمسئول وليس حباً في الندوة! ونجد الكراسي الأمامية تغص بهؤلاء، وما إن تنتهي المراسم الافتتاحية ويخرج المسئول، نجد القاعة خاوية إلا من بعض المختصين بالندوة، وهنا تخرج الكاميرات وأجهزة التسجيل والأقلام خارج القاعة، ويهمل المثقفون والمفكرون داخل القاعة حتى تنتهي الندوة ! بالطبع توجد استثناءات هنا، ولا نجوز أن نعمم!؟

ثانياً- المشهد الثقافي:

نحن نعترف أن الثقافة (ثقيلة دم) وتحتاج إلى صبر وتؤدة كي تحقق أهدافها! لكن الإشكالية هنا أن بعض القائمين على الثقافة - في بعض البلدان الخليجية- ليسوا من أهل أو محبي الثقافة ! ولا يدركون (احتراقات) المبدع! وبالتالي فإنهم يهتمون بأجندتهم الخاصة التي يسعون لتعميمها خصوصاً في ظل عدم وضوح السياسات الثقافية!؟

ف بعض هؤلاء من الرسميين يواصل البحث عن مهمات رسية مهرجانات خارج البلاد من أجل الانتداب ! وبعضهم الآخر يركز على الاجتماع بالسفراء والمندوبين كي تظهر صورته يومياً في الصحف ليراها المسئول الكبير ويقتنع أنه يعمل!؟ وتكثر في مثل هذه اللقاءات الشكلية تبادل الهدايا والتذكاريات التي لا تمت للثقافة بصلة، وتمتلئ الصفحات الثقافية بتلك الصور والمواضيع الرسمية، ولا يوجد مكان لإبداعات المثقفين الحقيقيين. وفي مناخ كهذا، تخرج صور مخيفة للتوجهات الثقافية كأن يتم التركيز على شكل أو نمط ثقافي معين وإهمال الأنماط الأخرى التي لا يحبذها القائمون على هيئات الثقافة. وهذا (ابتلاءٌ) جاء في طريق الثقافة ولم يخرج منها ! حيث نجد محاصرة واضحة لقضايا العصر والفكر والإبداع، مع تركيز ودعم ورعاية للأنماط التراثية المكررة، وهذا يعود بالثقافة إلى (خيمة) التاريخ ويمنعها من التفاعل مع الثقافات الأخرى، بحجة أن القائمين على هيئات الثقافة لا يجيدون اللغة الإنجليزية أو الفرنسية ويُحرجون أمام الضيوف الأجانب، والأفضل لهم غلق هذا الباب. وينطبق ذات الشيء على محاربة المثقفين الأكاديميين الذين يركزون على القراءة والعودة إلى البحوث والقواميس، حيث يتم إهمالهم، وتبرز الثقافة البسيطة السطحية - التي تحمل كلام رجل الشارع - مثل ملامح حياة البدو الحضر والغوص والشعر النبطي والطبخات الشعبية مع تجاهل المسرح الجاد أو أنماط الشعر الأخرى، أو الاتجاهات الجديدة في الأدب في المنطقة مثل الرواية أو الشعر الحديث!؟ وهذا المناخ أوجد إعلاماً ترويجياً للقوالب الجامدة من الثقافة التي لا تغري ولا تشوق الجمهور. وزيادة على ذلك؛ فإن ما يسمى بالبرامج الثقافية نجدها بالية الإعداد والتقديم ولا تحفل بالمؤثرات البصرية الخاصة بالتلفزيون، ولا طرق التقديم الحديثة، ولنا أن نستشهد ببرامج الشعر مثلا: فهي تعتمد على مذيع (شاعر) يرحب بشاعر آخر ويدعوه لإلقاء قصيدته ثم يشكره بأن القصيدة (طيبة) وصح الله لسانك، وينتقل إلى الشاعر الآخر!

وإذا ما انتقلنا إلى المحطات الفضائية الخليجية التي تزيد اليوم على السبعين محطة؛ لن نجد مادة ثقافية جادة إلا مرتين في الأسبوع في كل هذه المحطات!؟ ذلك أن المحطات أصبحت طاردة للمادة الثقافية وحاضنة حنونة لبرامج الرقص والرغي النسائي الذي يأتي عبر مذيعات صغيرات لم يتم تدريبهن على العمل التلفزيون وإن تم تدريبهم على لبس بنطلونات الجينز المحززة، وهن جميلات فعلاً، لكن العقول (لك عليها) في أغلب الحالات!؟

وفي المشهد الثقافي أيضاً لا توجد بروتوكولات تعاون بين هيئات الثقافة وهيئات الإعلام في الأغلب ! وهذا يجعل الصدفة أو علاقة الإعلامي بالمثقف هي التي تحكم التغطية الإعلامية للحدث الثقافي. لذلك نجد العديد من الفعاليات تقام وتصرف عليها الدولة الكثير دون أن تصل إلى الجمهور. ناهيك عن عدم استغلال وجود الشخصيات الثقافية الكبيرة في البلد دون استضافتها في برامج جادة ولو للأرشيف!؟

وفي المشهد الثقافي أيضاً نجد أن هيئات الثقافة مشغولة بهمومها الرسمية، ولا تجد وقتاً لتدارس الوضع الثقافي المحلي، وكثيرون يفكرون في الكراسي التي يجلسون عليها!؟ ويحرصون على نمط قص الأشرطة فقط؛ دون الحديث أو التفكير عن دعم المبدع أو خلق تواصل بينه وبين الجمهور أو دعم مؤسسات المجتمع المدني الثقافية. لذلك نجد المبدع الحقيقي (الكاتب) مثلاً مقصياً على هيئات الثقافة فيلجأ إلى دور النشر العربية كي ينشر إبداعاته، وهنا يراجع نفسه بأن (نار) هيئات الثقافة ولا (جنة) دور النشر العربية. وهذا موضوع طويل وشائك!؟

وفي المشهد الثقافي أيضاً نجد أن هيئات الثقافة - في المهرجانات والتجمعات الثقافية- لا تلتفت - أغلبها- إلى شكل تقديم تلك المهرجانات والتجمعات! ولقد شاهدنا قبل فترة منح ساعة ونصف من وقت البث التلفزيوني لمذيعة لبنانية لا تعرف من الثقافة شيئاً، ولا من التراث الخليجي شيئاً، وقدمت البرنامج (الثقافي) وهي محصورة في ثوب نشل خليجي ومرصعة بالحلي والذهب من رأسها حتى أسفل صدرها ويديها - حيث بدت كدمية - وكانت تتحدث بلهجة لبنانية - كونها لا تعرف اللغة العربية الفصحى ! هل هذا نموذج لبرنامج ثقافي في محطة خليجية!؟ ولكم أن تحصوا عدد الكلمات التي تخلط فيها المذيعة بين (الزاء) و(الثاء) وبين (الكاف) و(الميم)!؟ واستمر البرنامج لعشرة أيام دون أن يتدخل احد لا من الثقافة لا من الإعلام لينقذ الثقافة من هذا الاجتراء والعسف!؟

هل هذا هو طموح رجال الثقافة في منطقتنا؟!

وفي المشهد الثقافي اليوم نجد اتجاها غريباً - في انتشار محطات الشعر النبطي- وهو يركز على تمجيد القبيلة والتفاخر بالأنساب والألقاب!؟ وهذه ظاهرة خطيرة في السماء الخليجية نأمل من القائمين على الأمر الانتباه لها ووقفها!؟ كون هذه الظاهرة تمجّد الأنا و القبيلة على حساب الوطنية والانتماء المجتمعي والولاء للوطن الواحد!؟ ونحن هنا نحذّر من استفحال هذه الظاهرة وهي مسؤولية مشتركة بين هيئات الثقافة وهيئات الإعلام!

نقول إن نسبة وجود الثقافة في وسائل الإعلام متدنية جداً! وهنالك كم كبير من الأغاني التي تبث من جهازي الإذاعة والتلفزيون، كما أن أشرطة السيارات أيضاً تحفل بتلك الأغاني، ناهيك عن دور الانترنت في (تغريب) الإنسان عن ثقافته ولغته والتفكير بمستقبل مجتمعه. ونحن - في الثقافة- نخطئ إن نقلنا المحاضر أو الشاعر من القاعة إلى الشاشة!؟ ونحن إن سألنا الضيف المبدع نفس الأسئلة المكررة الممجوجة فلن ينتظرنا طويلاً بل سيتحول إلى المحطة التي تقدم له ( الاهتزازات) المدورة والوجوه السنعة في أغاني الفيديو كلب!

وأخيراً لنا تساؤل مشروع: متى تقابل المسؤول عن الثقافة مع المسؤول عن الإعلام في أي بلد خليجي إن كان لكلا المجالين مسؤول!؟ أعتقد بأن بعض المسؤولين يخرجون من الوزارة دون أن يلتقوا بنظرائهم إلا في الاجتماعات الرسمية (مجلس الوزراء)، وبعضهم لا يلتقون كونهم ليسوا في درجة وزير يحضر جلسات مجلس الوزراء!؟ وهذه أهم إشكاليات الجفوة والنفور بين الثقافة والإعلام!؟

- قطر hamsalkhafi@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة