Culture Magazine Monday  05/05/2008 G Issue 246
نصوص
الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1429   العدد  246
 
مطالعات :عبدالحفيظ الشمري
فهد المصبِّح في روايته (الأوصياء):
في الرواية بداية أسطورية ونهاية واقعية

 

 

القاص والروائي فهد المصبح يذيع لأول مرة أسرار مفتانه السردية حينما يعلن صراحة أنه على استعداد لأن يقول الحقيقة في حكاية لا تخلو من عنصري التشويق وبيان حقيقة يتجسدان في رحلة السرد المفعمة بالتناقضات والتحولات والتجاذبات.

رواية (الأوصياء) للمصبح تدهشك تفاصيلها البسيطة وتأسرك إيحاءاتها العجيبة، فتارة يكون الراوي عليماً لا تخفى عليه أدق التفاصيل، وأخرى حائراً في (الأوصياء) ليعكس حيرته في هذا الكم الهائل من الاستدراكات الآنية على قصته التي تدور على مفاصل صنعها الراوي لتكون مواربة الأبواب باتجاه حقيقة ما يريد.

(شبيب) الشخصية الأولى والرئيسة بالعمل يزكي نار المغامرة والخروج بشيء لافت ومختلف من خلال علاقته الغامضة والمحيرة مع (الكلاب).. فالراوي المصبح من خلال هذا المشهد المدهش صنع للقارئ نافذة مهمة ومناسبة للوصول إلى غايات أكثر، ورسم صورة أقرب للمعاناة الإنسانية التي مر فيها (شبيب) كعنصر مهم من عناصر بناء الحكاية في السرد.

يغرز المصبح في أرض سرده بذرة المكان حيث تظهر (حفرة الفراوي) حاضناً خليقاً ببسط نفوذ النص الذي ظل الراوي يهيئه بوصفه حالة غرائبية للمكان الذي يجد فيه (شبيب) ذاته.

في تضاعيف سرد حكاية (الحفرة/ المكان) يذكي الراوي شعلة التوجس من مآل حكاية الكلب وصاحبه والحفرة وقاطنيها؛ إذ يُغلب المصبح فرضية المكان الملائمة لأحداث الرواية، وإن ظهر فيها الأوصياء محاولين تتويج حضورهم بطرف من القول، ووميض لاعج من الخيالات التي تضفي على رواية (الأوصياء) بعداً تحذيرياً للحكاية التي لا يقف البطل بمفرده خلفها، إنما هناك في (حارة الفراوي) من يشاطر الشاب حالة تيهه على نحو حكاية (سرور الغائب) الذي حمل الشخصية بعداً آخر للبوح المشبع بحكاية الماضي أو عقدة (الحفرة) في حي الفراوي على نحو عقدة البئر المهجورة.

في رواية (الأوصياء) للمصبح تجاذبات وجدانية طريفة يغالبها شعور الكاتب أن تكون ذات مردود معنوي مفيد، على نحو عرض فواجع الإنسان لحظة فقد من يحب، أو على هيئة عرض أبعاد مناحة (شبيب) وشكايته التي تخلف في الذات بعدها التأثيري.. فالرجل كاد في وصفيات الحكاية أن يتأسطر إمعاناً من المصبح أن يكون هو (البطل) الذي لا يقهر في دهاليز وأخبية حي الفراوي الذي عني الراوي في بسط أدق تفاصيله للقارئ.

في المنعطف التالي لحكاية (الحفرة) المردومة خروج عن نسق السرد الاعتيادي رغبة من الكاتب المصبح فيما يبدو أن تكون الأحداث متوازية تنتظم في خيط مسبحة (شبيب) الذي ظل وفياً لفطرته الأولى بالرغم من تعاضد تجاربه على نحو دخوله عالم (منوّر) وزوجها (عيسى) ومواقف رولية أخرى إلا أن هذه المتواليات السردية في الرواية لم تجد لها طريقاً نحو الحكاية الأولى (حفرة الفراوي) التي حملت دلالات كثيرة إلا أن الكاتب قد أوقفها وأنهى وجودها الأسطوري بالردم رغم محاولات (البطل شبيب) أن يستحضرها كأساس فقط لحالة السرد التي يقتفي أثرها، ويؤسس لعالمها التكويني الفاتن.

فتوقف حكاية الحفرة في الدفن حقيقي من الناحية الواقعية إلا أن الخيال قد يقدم شهادة أخرى على مآل الحال إلى ضياع هدى، وتعاظم حزن لاعج لفرط مكايدات أهل حي (الفراوي) وكل ما جاوره لحظة أن حل الوباء اللعين (الطاعون) بأهله وأخذ من الرجال والنساء والأطفال ما يريد.. الموت في الرواية كان انتقائياً.. فلم ينتزع روح (شبيب) وقلة أشقياء حوله لرغبة في ذات الفناء أن تبقي على أهل الشقاء ليمدوا فانوس الحكاية بوقود يكفل إضاءة الحياة الأليمة التي تستحق أن تروى.

الرواية تذهب نحو مد جسور التفاصيل المدهشة والإيحاءات الغريبة رغبة من الراوي في تتويج الحدث الرئيس ببناء إفصاحي يُنْطِقُ السكون في جوانب صامتة في حكاية (شبيب) الذي ظل وفياً لحزنه رغم محاولات من حوله أن يجتاز امتحان الحياة الصارم.. لكنه ورغم هالة هذا الوجع الناجع ظل نبيلاً في أخلاقه وداوم على عهد قطعه على ذاته تمثل في بداية حكايته مع أمه التي ظل يذكرها رغم غيابها مع الأسرة في سراديب الموت.. ليقدم (البطل) ملحمة حب أمه على كل القصص، والمقولات، والحكايا في (حي الفراوي) وما جاوره من أحياء.

الرواي فهد المصبح يبرع في أول عمل سردي يتصدى له، فمع هذا التميز في الطرح والرشاقة في الأسلوب، وسلامة اللغة ظل وفياً للحكاية الأصلية.. تلك التي تتمثل في (شبيب) وحفرته العتيقة.. بل نرى المصبح وقد عني حقيقة في رسم هذه الانثيالات الوجدانية.. فلله در الحكاية حينما تكون مواربة على الحقيقة على نحو قصة (شبيب) ومآل حلمه إلى فناء محتمل.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

إشارة:

* الأوصياء (رواية)

* فهد أحمد المصبح

* دار الانتشار - بيروت - 2008م

* تقع الرواية في نحو (182 صفحة ) من النوع المتوسط

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة