Culture Magazine Monday  05/05/2008 G Issue 246
تشكيل
الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1429   العدد  246
 

يفتتحه الماضي مساء اليوم في الخزامى
الناجم يستجمع قواه الإبداعية مقدماً تكامل الشكل والفكرة

 

 

إعداد : محمد المنيف

بعد كثيرٍ من التردد وبعد استجابةٍ لضغطٍ متوالٍ من أصدقاء الفنان عبد العزيز الناجم كان لنا معهم عبر هذه الصفحة الكثير من الإلحاح ليتحرك الزميل الناجم نحو التواجد الفردي لأعماله وإقامة المعارض الشخصية لها بعيداً عن تقديم نماذج من إنتاجه في المعارض الجماعية كون تلك المشاركات لم تكن بحجم ما يمتلكه الزميل والصديق عبد العزيز من إمكانيات كنا نتابعها منذ بدايات وجوده في الساحة بعد تخرجه من معهد التربية الفنية ودخوله ساحة الإبداع التشكيلي المحلي من خلال معارض جمعية الثقافة والفنون والرئاسة العامة لرعاية الشباب التي تحقق له فيها وبما برزت به أعماله من تفرد في الفكرة والتكنيك ترشيحها للمشاركة في العديد من المعارض الدولية التي تقام فيها مناسبات ثقافية تمثل الوطن. بعد كل هذا ونتيجة ما عقد الفنان الناجم العزم عليه انطلق بمعرضه الأول ( طفولة وسلام) في الرياض تبعه محطة أخرى في جده برعاية وزارة الثقافة والإعلام وكالة الشئون الثقافية ليأتي معرضه الثاني مساء اليوم في جليري الخزامي الذي يفتتحه الأديب والكاتب عبد المحسن الماضي بعنوان(رسائل ملونة) بشكل مختلف وخطوة جديدة في مجال إبداعه.

المعرض الأول.. الفكرة

وإذا عدنا لتجربة الزميل الفنان عبد العزيز الناجم منذ انطلاقته فإننا نجد منه الحرص الكبير في كل خطوة يتقدم بها في مجاله التشكيلي إذ لم يكن يقفز نحو تحقيق الشكل من خلال تأثره السريع بالآخرين كما نشاهد هذا التصرف لدى الكثير ممن جاؤوا في الفترة التي تواجد فيها الفنان الناجم بقدر ما كان يُحسب له كل نقلة أو تحول في مسار تعامله مع اللوحة بحذر وبتأنٍ دقيق يعرفه المتابعون والراصدون لمسيرة هذا الفنان وكل فنان في الساحة، أخذ الفنان الناجم في مراحله هماً واحداً جعل منه مصدر الهامة ومرجعية بحثة المستمر مهما تبدلت الخامة أو أسلوب التنفيذ تلك هي (البيئة) القرية بكل تفاصيل جمالها، جامعاً بذلك أطراف اللوحة مع ما يضيفه من قدرة على بنائها، في أول تجاربه لامس السريالية التي كانت في ذلك الوقت وفي فترة دراسته في معهد التربية الفنية مثار إعجاب للمحيطين به من زملائه، معتمدين فيها على استنباط الفكرة من الخيال والاستفادة من تشكيل العناصر على اللوحة دون قيود فكان له أن أنتج عدداً من اللوحات التي لفتت النظر كان أبرزها ما يتعلق بالقضايا الإنسانية.

جاء معرضه الأول طفولة وسلام بشكل مغاير عما كنا نعرفه عنه من نوعية المواضيع فكان مفاجئاً للجميع يعلل الناجم هذا التحول إلى أهمية الحضور بان يكون جديدا ملفتا للنظر فجعل من فكرة المعرض منطلقا لكسر حاجز التردد لينطلق بنا في عالمه المتجدد المتطور الذي يحمل الكثير من البحث والتجريب في مستقبل الأيام دون إخلال بشخصيته باحثاً عن الإبداع بمغامرة جريئة لكنها مدروسة ومعلومة النتائج.

القرية مصدر الإلهام

بعد تخرج الناجم من معهد التربية الفنية وتلقيه كافة أسس العمل الفني بشكل أكاديمي مع ما يمتلكه من موهبة حظيت بإعجاب معلميه وبعد سنوات طويلة عاشها في صخب المدينة الرياض تم تعيينه معلماً في (جوي) قرية صغيرة تبعد عن الرياض ما يقارب المائتين كيلو كانت وقتها ما زالت بكراً بكل ما فيها من جمال القرية النجدية من مبانٍ شعبية ونخيل وأزقة ضيقة ومجتمع متآلف تسمع همساته تتردد في أجواء أسطح المنازل وفي مجالس السمر التي يجمعهم فيها قهوة تعج بالهال وشاي مُزِجَ بالنعناع، وعند الفجر يستيقظ على أصوات تغريد العصافير وهديل الحمام وخطوات المارة خصوصاً المتجهين للمزارع التي يمتع ناظريه خلال مروره بها في طريقه للمدرسة التي يعمل بها معلماً للرسم بمشاهدة أولئك المزارعين يعملون بين أشجار النخيل وحصاد البرسيم، هذا الواقع الفطري الجميل الذي لم يعد له وجود اليوم كان بمثابة ينبوع بصري له خصوصيته التي أصبحت جزءاً هاماً في لوحاته في مراحله اللاحقة كانت بمثابة القاعدة القوية للتعامل مع البيئة والواقع المحلي وهي سمة كل التشكيليين حيث تكون انطلاقتهم من الواقع البصري المحيط، فكانت تلك المشاهد في المشاركات بدأها بالواقعية التسجيلية التي لم تدم كثيراً ليتحول إلى الانطباعية والتأثيرية وجد في تجارب الفنانين العالميين مجالاً رحباً يتوافق مع توجهه خصوصاً إيقاعات فان جوخ ليستمد منها روح أعماله دون أن يتوقف عندها إذا أخذ في البحث والتجريب ليخرج لنا بمعرضه الجديد الذي يتم افتتاحه مساء اليوم.

تكامل في الشكل

المتتبع لأعمال الفنان عبد العزيز الناجم يستطيع أن يتعرف على مراحل تطوره وكيفية استخلاصه للشكل من بين العديد من التجارب التي على الفنان المرور بها ومنها التأثر بأساليب الآخرين لكن الأمر يتوقف عند قدرة الفنان على تجاوز التبعية والتقليد أو الاستنساخ وهذا ما لاحظته في مختلف مراحل الفنان الناجم وهي معرفة عن قرب مكنتني من أن أسبر أغوار مسيرته.

يعتبر الفنان الناجم من الفنانين الباحثين عن الجديد في أنماط الأساليب الحديثة في الساحة السعودية تميز بها من بين العديد من الأسماء التي صاحبة حضوره وزاملته في الدراسة أو ممن جاءوا بعده من الدفعات من المعهد أو من اقسام التربية الفنية، هؤلاء لم يبتعدوا كثيراً عن خطوط مسارهم بل إن الغالبية لم يستطيعوا التحرك أو تجاوز التجارب الأولى أو تجارب التقليد والتأثر الساذج الذي أصبح ملازماً لهم بروح ورائحة تجارب من سبقوهم، لهذا كان للناجم التفرد والتحرك تجاه تطوير الجانب الشكلي مع احتفاظه بالفكرة, بكل ما تحويه من استلهام للمشاهد البصرية الماضية وارتباطها بالواقع المباشر لموجودات المكان مع معالجة عصرية تتوافق مع متطلبات الفترة والحراك التشكيلي العالمي.

فالفنان الناجم يسعى لاكتشاف ما وراء الشكل المباشر في الواقع إلى آفاق أكثر انفتاحاً في حرية التعبير والتعامل مع التقنيات، يمازج فيها بين العناصر التي تشكل الفكرة وبين الإيقاع اللوني المتراقص كضوء القمر على سطح البحيرة في لحظات تمر بها نسائم عطرة تدفع بنا للالتفات إليها ومتابعتها من كل طرف دون ملل، حيث تتحول الأشكال عند الناجم إلى ومضات تشبه الإشارات تتبعثر أحياناً وتجتمع أحايين كثيرة، تبرز إيقاعات اللون وتفرض الخطوط مكانها ومكانتها في تشكيل العمل كعناصر جذب نحو ما يقع تحتها من عناصر أخرى، الشكل عند الناجم لا حدود له يتواجد في كل جزء من اللوحة، في معرضه هذا يستجمع قواه الإبداعية مقدما تكامل الشكل والفكرة يعود بها من لحظات الإبداع ونشوته عبر استجابات يدفع بها العقل الباطني باستجابة طوعية من سبل التعبير المادية، من ألوان وفرش وقماش الرسم، يجمع على سطح اللوحة المتناقضات المحببة، ليقدم بها نصوصه التشكيلية التي يقرأها المشاهد، بلغته التواصلية عبر العين التي تتجاوز حدود اللحظة الزمن و المكان.

نرى في أعمال الفنان الناجم ملامح الحياة اليومية بزواياها الجميلة، ينفض من خلال ألوانه ورشاقة إيقاعها ما علق فينا من إرهاق نتيجة ما يرتد علينا من مشاهد الواقع المؤلمة، محولاً بذلك مشاعرنا وعواطفنا تجاه الجمال من خلال قدرته المتميزة التي يجسد بها الانفعالات وينظم بها تلك الأحاسيس والعواطف.

الباستيل وشفافية الإيقاع

يقدم لنا الفنان الناجم في معرضه اليوم تجربته في تشكيل اللوحة بالألوان الزيتية الجافة (الباستيل) ومع أن التقنية ليست جديدة وهذا أمر يعلنه الفنان الناجم عند الحديث حول هذه الأعمال إلا أن أسلوب الطرح يحسب له خصوصاً إذا كنا نتابع تحولاته التكنيكية في مجال صياغة العمل من مرحلة إلى أخرى في مسيرته، ففي هذا المعرض ينقلنا نحو فضاءات من التزاوج بين التأثيرية والرمزية بنصوص فنية تشكل قصصاً قصيرة يحكيها عن أجمل الومضات التي انعكست على بصره وعولجت ببصيرته فكون منها هذه المجموعة التي يمكن أن نسميها ومضات ضوء على سطح بحيرة الوجدان.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة