Culture Magazine Monday  13/10/2008 G Issue 256
فضاءات
الأثنين 14 ,شوال 1429   العدد  256
 

فضيحة الدليل الخليجي
بعد نصف ساعة ستكون أديباً!
خالد البسام

 

 

هل تريد أن تصبح أديباً؟

الجواب المنطقي يقول لك إنك يجب أن تتمتع بموهبة أولاً ثم ثقافة كبيرة ثم قدرات خاصة تجعلك إما قاصاً أو شاعراً أو غير ذلك. ثم تنشر إنتاجك في الصحف والمجلات وبعدها تؤلف الكتب.

هذه على الأقل أبسط القواعد لكي تكون أديبا أو يقال عنك كذلك، لكن ما رأي القارئ اليوم ان تلك القواعد قد اختفت أو تكاد. فإذا أردت أن تكون أديبا فلا تحتاج إلى موهبة، ولا ثقافة ولا حتى أن يكون عندك ولو كتاب أدبي واحد!

لا أنوي المزاح، لكن دليلاً جديداً صدر عن مجلس التعاون الخليجي مؤخراً يقول لنا بصراحة شديدة: املأ الاستمارة وصر أديباً! فعشرات الأسماء التي ضمها الدليل المكون من حوالي 440 صفحة يقول إن أي كاتب أو أديب لم يملأ الاستمارة فلن نعترف بأدبه وثقافته مهما كان وزنه أو عدد كتبه أو حتى شهرته.

فيعترف الأمين العام لمجلس التعاون في تقديمه للكتاب بالتالي نصاً: (لقد كانت صعوبات هذا العمل كثيرة، لعل من أهمها عدم تجاوب بعض الأدباء لتعبئة الاستمارة أو التأخر كثيراً في تعبئتها وإرسالها. وقد تنسى في أدراج مكاتب بعضهم دون قصد فلا يلتفت إليها إلا مؤخراً أو بعد فوات الأوان.. هذا مع العلم أن تعبئة الاستمارة وإرسالها لا يأخذ من وقت الأديب الشيء الكثير، فتعبئة الاستمارة وإرسالها وفق طرق الاتصال السريع، لا تستغرق أكثر من ساعة أو بعض الساعة)!

هل استمتع القارئ بهذه النصائح المقدمة للأطفال أو لسن الثامنة وما دون؟ فالعيب إذن ليس على الذين قاموا وتعبوا وضحوا من أجل هذا الدليل ولكن المصيبة والمشكلة الكبرى تأتي من الأدباء أنفسهم الذين نسوا الاستمارة في أدراجهم ولم يرسلوا في غضون نصف ساعة؟!

بالذمة هل هذا كلام عقلاء؟

أترك النصائح واللوم الموجه للأدباء المساكين الذين بخل عليهم الدليل بوضع اسمهم، وأذكر القارئ بكلام به من الفضيحة الكثير كتبته الدار الناشرة يقول بالنص: (وربما يلاحظ في الدليل غياب بعض الشخصيات الأدبية المعروفة عن الدليل، وتوضيحا لذلك نشير إلى أن بعضهم لم يرغب في الانضمام إلى الدليل، كما أن البعض الآخر لم يطلع على المشروع، أو أنساه التأجيل تزويد الدار بالبيانات الخاصة به. وقد يلاحظ ارتفاع نسبة الشباب في الدليل فلا غرابة في ذلك فهم أكثر اطلاعا على وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والتواصل فيما بينهم. ونتوقع أن تكون الطبعات التالية للدليل أكثر شمولية وافي بيانات)! انتهى النص العجيب.

في هذه الفضيحة يعترف الناشر أن هناك أسماء أدبية كبيرة غير موجودة بينما هناك الكثير من الشباب، عظيم، أما السبب فهم أنهم يعرفون كيف يملأون الاستمارات ويعرفون - بعبقرية عظيمة - كيف يرسلونها بالإنترنت؟

هل الأديب اليوم قيمته أو عظمته أن يعرف كيف يملأ الاستمارة ويعرف كيف يرسلها بالإنترنت؟ على هذا الحال فالكثير من الكتاب العرب مثلهم مثل نجيب محفوظ ومحمود درويش وحنا مينه وغيرهم ليسوا أدباء؟

كنت أتوقع أمام فضيحة هذا الدليل، الذي نسي كبار الأدباء في البحرين مثلا الدكتور محمد جابر الأنصاري والروائي عبدالله خليفة وغيرهم، أن لا يقدم لنا تلك المقدمات البائسة، ولا تلك النصائح: أرسلوا بسرعة، املؤوا الاستمارات، ابعثوها بالإنترنت، أعطوا الاستمارة نصف ساعة من وقتكم! وبينما نسي أو تناسى - لا فرق حسب الدليل فالمهم الاستمارة - الأدباء الكبار أو بعضهم لم ينس (أدباء) كما يسمون أنفسهم ووضعهم في الدليل المحترم بحجة أنهم شباب ويعرفون الإنترنت. فمثلاً هناك (أدبية) كما سمت نفسها من إحدى الدول كتب في آخر سطر في تعريفها التالي: (لديها مشاريع كتابية لم تنشر بعد) أين الأديبة إذن؟

هذا مع الأسى نموذج واحد، ونموذج هذه الأدبية كثير في الدليل، بل حتى تصفح سريع سوف يكشف لنا فداحة (الأدباء) وملأ الاستمارات المزري!وهكذا إذا أردت أن تصبح أديبا اليوم فاملأ الاستمارة فورا وأرسلها بالإنترنت وليس بالبريد العادي أو حتى السريع!

وإذا أردت أن تصبح شاعراً أو ناقداً أو مسرحياً أو كاتباً أو عبقرياً أو عالم ذرة، فاملأ الاستمارة بسرعة أرجوك قبل أن يملأها غيرك وتخلص الاستمارات! ثم تباع في السوق السوداء فيصبح ثمن الأديب غالياً جداً!

كان الله في عون الفقير والأديب!

albassamk@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة