Culture Magazine Monday  13/10/2008 G Issue 256
فضاءات
الأثنين 14 ,شوال 1429   العدد  256
 

عن الرجال والنساء
د. شهلا العجيلي

 

 

تعيش المرأة لتثبت حسن نيّتها، تجاه الرجل، وتجاه العالم، وتجاه ذاتها، وليس ذلك إلاّ نتيجة لشيطنتها!

الشيطنة أقلّ من مصطلح، لعلّه صار مفهوماً شائعاً، يشير إلى إطلاق بعض صفات الشيطان على الآخر العدوّ غالباً، وقد يطلق تجاوزاً، على الآخر من باب التحبّب، لاسيّما على الأطفال حينما يأتون ببعض المشاغبات.

درج هذا المفهوم في السياق الثقافيّ - السياسيّ، إذ بات العرب المسلمون يطلقونه على أمريكا، وباتت أمريكا تسم به العرب المسلمين، هذا بالطبع نتيجة لما دار من تحديات وأفعال إرهابية، جعلت الثقافتين تتورّطان بالحالة الدمويّة المتطرّفة.

يعود أصل المفهوم إلى الثقافة، وذلك قبل أن يصير من مستلزمات السياسة، وإلى العلاقة بين الرجل والمرأة تحديداً، تلك العلاقة التي اقترحتها تدوينات النصّ المقدّس التي قدّمت المرأة على أنّها الشيطان، بعد أن كانت قبلها إلهة، وبقيت تلك الفكرة مسيطرة في مرحلة القرون الوسطى في أوروبا، إلى أن جاء عصر التنوير، وبعده العصر الحديث، فقلبا هذا المفهوم الذي أبى أن ينقلب بشكل مطلق، وبقيت له آثار تذكر أحياناً ولو على سبيل التندّر. أمّا في الثقافة العربيّة الإسلاميّة فإن النصّ المقدّس أقصى هذا المفهوم عن العلاقة بين الرجل والمرأة، لكنّ الثقافة غير العالمة استعملته في سياق هو بين الجدّ واللعب، ولعلّ مقولة (النساء حبائل الشيطان) هي الأكثر قسوة على حضور النساء الاجتماعيّ - الثقافيّ والإنسانيّ عموماً، ذلك أنّها شاعت بوصفها نصّاً رسميّاً، تلقفته الثقافة غير العالمة على سبيل المقدّس.

ليست العلاقة بين المرأة والشيطان في الثقافة العربيّة الإسلاميّة مباشرة، لكنّ مركزيّة الرجل حاكت هذه العلاقة، حينما حمّلته القيم المطلقة، التي يحق له أن يتفوّق بها على الآخر (المرأة)، فيحرمه منها أو يمنحه بعضها، فإذا كان الوفاء صفة أو طبعاً عند الرجل، فلا بدّ من أن يكون استثناء لدى المرأة، إذ الغدر طبع فيها، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم يتم إعادة إنتاج هذه الصورة التي لم يتصدّ لها الفكر النقديّ طوال ما يقارب ستة عشر قرناً، ولعلّ الأبيات الآتية تجمع بعض مكوّنات هذه الصورة الشيطانيّة، إذ يقول الشاعر:

تمتّع بها، ما ساعفتك، ولا تكن

جزوعاً إذا بانت، فسوف تبينُ

وإن هي أعطتك الليان فإنّهـا

لغيـرك من طلاّبهـا ستليـنُ

وخنها وإن كانت تفي لك إنّها

على قدم الأيّام سوف تخـونُ

وإن حلفت أن ليس تنقض عهدها

فليس لمخضوب البنـان يمينُ

قد تكون المرأة سعيدة بصفاتها الشيطانيّة، هذا ينطبق على الشيطنة في سياق التحبّب، والذكاء، والفطنة، والحيلة المطلوبة، أمّا إذا خرج الأمر إلى دائرة الغدر والخيانة والخرق، وأن تختصّ بها من الجنس البشريّ، من غير أن تكون مثل هذه الصفات صفات إنسانيّة عامّة، فهذا جور ثقافيّ مرفوض، فالإنسان قد يخون وقد يفي، وقد يصدق وقد يكذب، وقد يظلم وقد يسامح، هي نفس بشريّة يتساوى فيها الرجال والنساء، لكن إذا أصرّت الثقافة على شيطنة المرأة، واستمرّت في إعادة إنتاج هذه الصورة الخطيرة، فإن المرأة ستصدّق تلك الصورة، وستمعن في شيطنتها، مسخّرة أدوات القرن الحادي والعشرين السحريّة، وبذلك ستحوّل حياة الآخرين إلى جحيم.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7875» ثم أرسلها إلى الكود 82244

حلب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة