Culture Magazine Monday  13/10/2008 G Issue 256
فضاءات
الأثنين 14 ,شوال 1429   العدد  256
 

كلمات
سليمان التائه؟!
محمد بن أحمد الشدي

 

 

قال بصوته الأجش: لقد اقتربت الساعة التي تعود فيها الأشياء إلى طبائعها الأولى تعود النجوم إلى مواقعها الفصول إلى ألوانها القبائل إلى مضاربها والطيور إلى أوطانها الأنهار إلى منابعها الأشجار إلى قامتها الأسماء إلى مسمياتها الخيول إلى أنسابها والحياة إلى عذوبتها لقد اقتربت الساعة منا كثيراً أو نحن الذين ذهبنا إليها هكذا مر بي ليلة البارحة.

قلت هذا لجدتي - رحمها الله - في ضحى أحد الأيام وهي كومة من الجلد والعظم على سجادة صلاتها فالتفتت إلي مرعوبة مما سمعت ووضعت راحة يدها الجافة على رأسي ويدها الأخرى تضرب بها على رأسها المتعبة وصوت حليها النحاسية تهسهس فوق هامتي. قل أعوذ برب الفلق حتى انتهت.. قل أعوذ برب الناس حتى انتهت ثم قالت بصوت واهن: اسم الله عليك: أنت يا وليدي وش قلت؟

- نظرت إليها برضا وإشفاق مقدراً لها خوفها علي من أن يكون قد مسني الجن أو لبستني القرينة. وقبل أن أجد الكلمة الطيبة التي تهدي من ذعرها دخل جدي فجأة إلى الحوى وسط بيته في مزرعة آل حسن. وعلى وجهة ما يوحي بالضيق والارتباك وقال هامساً:

ما هذا الكلام الفارغ يا الحميدي اللي سمعته من قبل قليل أنا والشيبان في المشراق! لا تكون نسيت أن الطاقة المفتوحة في الجدار تصب كلامك في الشارع وفي آذانهم.

- الله يهديك يا جدي.. أولاً هذا الذي أقوله ليس بكلام فارغ ولا خرابيط.. ثانياً ما عليك منهم الجيران ما في الذرة أحد ولا يعرفون مثل هذه الأفكار اتركهم عنك!

قال جدي بحدة وقد تحول لون وجهه من الصفرة إلى الحمرة: إلا.. خرابيط وألف خرابيط.. ثم أولئك يا وليدي مثل ما أنت تخبرهم آذان وعيون لصاحب المزرعة التي أنت تأكل من خيراتها ولو سمعوا وعقلوا ما تقول عنه ومزرعته. فقل على سمعتك ورزقك السلام!.

يا جدي: المسألة وما فيها...، قاطعني جدي وهو يتقدم نحوي ويهز إصبعه السبابة في وجهي قائلاً:

بلا مسألة بلا مسفلة اسمع يا سعد: يا ولد الدائم طولتها عاد اسكت ولا تجادلني أنا أقول كف عن السوالف اللي ترميها هنا وهناك، أما يكفي أنك بلا شغل ولا مشغلة عاطل. ترى حذرتك من أول وأحذرك ها الحين من أي كلام يجيب لك ولنا مشاكل مع ها الرجال الطيب خلك في عشك لا حد ينشك ولا تلعب مع الذيب ولا يلاعبك!

لم أجد أمامي سوى المسارعة لإطفاء غضب جدي العود فقلت بصوت خفيض: سم يا بوي، أمرك سمح وما يصير إلا اللي تبيه، بس كم الساعة ج يا بوي؟

- استدار جدي وخرج من المجلس دون أن أعرف إن كان هذا أغضبه أم لا.. مع أنني كنت واثقاً من أنه يؤمن بكل كلمة قلتها، ولكنه لا يريد أبداً أن يفقدني كما فقد أبي في معركة تاريخية قديمة هي معركة (كنزان).

- أو أن يفقدني كما فقد جده سليمان عندما تاه في صحراء الربيع الخالي وهو يخب في مفاوز الصحراء المترامية الأطراف!!

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة