Culture Magazine Thursday  09/07/2009 G Issue 291
فضاءات
الخميس 16 ,رجب 1430   العدد  291
كلمات
الطبيبة: راعية الغنم!
محمد بن أحمد الشدي

 

أوقف بتال سيارة (الجمس) في (سرا) السيارات بالبطحاء وانحنى على جذعه ليستريح.. ولكنه نهض سريعاً واتجه إلى سوق التمر في (أم سليم) بالرياض ليشتري بعض (المقاضي) ثم يعود إلى قريته الغافية عند طرف (طويق).. جاء إلى الرياض بحمولة سيارته من الملح - من بلدة (القصب) شمال العاصمة وترك زوجته ترقع جدران بيت الطين بيديها - وابنته الوحيدة (هويا) مع البهم ترعاها عند أقدام التل وغار السبعان - وهي تنظر نحو الأفق البعيد..!

دخل بتال دكاناً صغيراً، فوجد طفلة صغيرة تجلس وراء منضدة تكتب ما يمليه عليها والدها فاندهش.. نسي ما يريد شراءه وسأل الرجل عما تفعله هذه الطفلة! فقال: إنها ابنتي.. تفعل ما لا أستطيع أن أفعله تكتب وتحسب كل ما يلزمني في تجارتي.. واندهش بتال مرة أخرى.. ثم أردف بلهجته البدوية ( يا حليلهن)... البنات (هنياً) يكتبن الخط ويتحسبن و(هويا) بعد إبنتي ما تكتب ولا تقرأ..؟! ( أبك وشلون..؟!) أجاب الرجل: هنى المدارس مفتوحة لتعليم البنات.. فطفرت الدموع من عينيه أمام الرجل.. وحدثه عن ابنته التي ترعى الغنم..!!

فنصحه بتعليمها في الطريق إلى قريته قرر بتال أن يعيش في الرياض لتتعلم (هويا) الخط والحساب.. وسال جرح القلب وغمغم بتال بألم (ليت لي ولداً يسند ظهري ولكن هويا لزوم تتعلم ومرت سبعة عشر عاماً).

هذا الصباح تخرجت (هويا) من الجامعة طبيبة..! فغص بتال بفرحة دامعة..! وجلست يقلب في ذاكر أيام العمر الهاربة..!! وفجأة تذكر عبدالرحمن بياع الرز والتمر الرجل الذي كان هو السبب في تعلم أبنته!! قال (هويا): هيا معي إلى السوق لأريك من أين كانت البداية.

سلم بتال على الرجل العجوز فعرفه.. سأله الرجل: هل هذه (هويا)..؟! قال بتال: (هي ما غيرها.. راعية الغنم هي اليوم طبيبة.. أمامك.. شكراً لنصيحتك.. صحيح أن العلم يفعل المعجزات!

هذه ليست قصة تقريرية مستهلكة نعيدها للتسلية وتزجية الوقت لأمر أعمق وأهم من ذلك أنها محاولة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة الغرض منها - لفت نظر شباب بلادي إلى قيمة العلم في هذه الحياة وانه يحول ويرفع الشخص من إنسان بسيط يرعى الغنم ويعمل أعمالاً متواضعة إلى أن يصبح طبيبا عالما بما يصيب الإنسان من أمراض وقبل ذلك يدرك دوره في هذه الحياة التي أوجده الله فيها من العدم - وعلينا أن نحرص على حث الجميع على التحلي بكل خلق كريم وأن يحرص كل فرد من هذه الأمة على احترام العلم كل على قدر طاقته والسعي إلى كسبه والتمتع بما يجلبه لنا من العزة ومن الرقي المبني على حب الخير للناس جمعاء - لابد أن نسعى إلى أن تستعيد هذه الأمة مجدها الذي عاشته يوم إن كان الكثير من الأمم تعيش في غياهب الجهالة والسبات العميق!!.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة