Culture Magazine Thursday  09/07/2009 G Issue 291
فضاءات
الخميس 16 ,رجب 1430   العدد  291
الحرية أولاً وآخراً
فريال الحوار

 

يحكى أن حكيم الصين (كونفوشيوس) خرج ذات يوم في صحبة بعض تلامذته ومريديه إلى الصحراء، وفي طريقه لمح امرأة تجر أطفالها الثلاثة في حالة من الرعب، وتمضي بهم نحو كهف محفور في صخرة كبيرة، أوقفها الحكيم وسألها ما شأنها؟ فأجابت:هنا يا سيدي وحش مخيف يجتاز هذه الطريق في مثل هذه الساعة من كل يوم، لذلك نأوي إلى هذا الكهف حتى يذهب الوحش إلى سبيله. وتتواصل الحكاية مشيرة إلى أن الحكيم ازداد عجباً من أمر المرأة وسألها ثانية: وما الذي يجعلك تعيشين في هذا المكان الموحش، حيث يتهددك الوحش وصغارك؟ لماذا لا تذهبين إلى المدينة وتعيشين بين أهلك؟ فأجابته: أؤثر هذا المكان، لأنه ليس فيه حاكم مستبد. وصمت الحكيم وصمتت المرأة وفي صمتهما تكمن الأمثولة.

إن مشكلة الإنسان مع الحرية قديمة قدم وجوده على الأرض، وكونها ضرورية بالنسبة إليه كضرورة الماء والهواء والغذاء، فقد ظل الإنسان يبحث عنها ويطلبها في كل منعطف من منعطفات حياته المتعرّجة والمليئة بالضحايا وبالمحاولات التي لم تتوقف عبر العصور، انطلاقاً من أن الحرية شرط أساسي ينبغي توفره للإنسان، لا لكي يعبّر عن نفسه فقط، وإنما لكي يتمكن من تأكيد وجوده عبر اعتبارات إنسانية خالية من العنف والإكراه والاستلاب.

إن غياب الحريات هو أساس إشكالية التخلف في عالمنا العربي، لأن الحرية بمعناها الصحيح هي المفتاح الماسي لكل تغيير إيجابي يشهده الإنسان أو ينوي القيام به. فالحرية هي القوة الذاتية والموضوعية التي تمكنه - أولاً - من التحرر من الخوف، وتمكنه - ثانياً - من إطلاق قدراته وطاقاته الإبداعية ومن الاستجابة المناسبة لنداء الواقع من أجل تغييره والتخلص من سلبياته المحبطة ليحيا الإنسان - ثالثاً - في مجتمع تسوده مبادئ العدل والمساواة.

إن الإنسان الخائف لا يبدع ولا يصنع شيئاً ذا قيمة في حياته، وأقصى ما يحققه هو أن يأكل ويشرب ويتعامل في نطاق الحدود الدنيا لمستويات البقاء، فلا طموح له، ولا شعور بإنسانيته الكاملة، شأنه في هذا كشأن بقية الحيوانات التي تكتفي بالحد الأدنى من المعاش لتسهم بدورها - دون أن تدري - في تحقيق الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية والمساعدة على حفظ النوع الإنساني من الانقراض. ومن هنا يأتي الإعلاء من شأن الحرية وتأكيد كونها شرطاً ضرورياً لكل تطور وإبداع. ولا مجال لإخفاء خطر غياب الحرية في الواقع العربي وأثره السلبي في مجموعة الظواهر المعيقة للتطور، على الرغم مما تم بذله طوال قرن ونصف قرن من المناشدات الفكرية ودعوات التخلص من حالات الجمود، والبدء بممارسة الحرية تلك القيمة التي من دونها لا يكون تغيير أو تطور ولا إبداع.

- إن حلم الديمقراطية الذي طال أمده في الوطن العربي، لن يتحقق إلا إذا تحقق ولو الحد الأدنى من الحرية بمعناها الاجتماعي والسياسي، فغيابها يجعل الأبواب مسدودة أمام كل محاولة جادة للتغيير، وهو يجعلها مقفلة في وجه كل توجه للديمقراطية التي يساق فيها أبناء الوطن العربي،كما تساق الأغنام إلى المسالخ البرلمانية. أية ديمقراطية؟! أية ديمقراطية يتم الحديث عنها أو عن تطبيقها في شعوب تعاني أمية فاحشة، وتستجيب - تحت إلحاح الحاجة - لنداء أشد أعداء الديمقراطية شراسة؟ وأية ديمقراطية في شعوب يحرك أفرادها دافع القبائلية والطائفية والعرق وتترتب الصلة بين مواطنيها وفق تلك المعايير والقيم البالية؟!

الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة