Culture Magazine Thursday  09/07/2009 G Issue 291
مداخلات
الخميس 16 ,رجب 1430   العدد  291
في زبور سليمان.. الكتابة تفضح كتابها
عبدالله آل ملحم

 

إذا أفلس المناظر من حجة خصمه، فإن أول ما يلجأ إليه استهداف المنطقة المحايدة في ذات مناظره، شأنه في ذلك شأن من إذا خاصم فجر لا شأن المثقف في مناظرته لمن يختلف أو يتفق معهم، هذا النوع من الاستهداف عادة ما يكون ساذجا ومفضوحا، لأنه لا يحقق أهدافه إلا من خلال النيل المباشر من صفات الخصم الشخصية، تلك التي لا علاقة لها بالموضوع المُختلف حوله، ومع ذلك فالمفلس يوسع خصمه غمزا ولمزا يسموان وينحطان بقدر سمو وانحطاط قائلهما وكل (برميل) بالذي فيه ينضح!

البعض يخلط بين الذاتي والموضوعي، بين التعبير عن رأيه إزاء المكتوب كنص، وبين التعبير عن شخص الكاتب وصفاته التي لا علاقة لها بما كُتب، ومن ذلك أن ترى أحدهم يُعير مُناظره أنه عدو للمرأة رغم أن المقول فيه لا علاقة له بالنساء، أو يعيره بعلامة فارقة قد يكون من المناسب ذكرها في كل شيء إلا فيما هما بصدد الكتابة فيه أو عنه، أما إذا كان مناظره سيدة فقد يحاول أن يدعوها لحسن التبعل لزوجها، والاهتمام ببيتها، وتربية أطفالها، بدلا من الاشتغال بتلك القضايا، وغير ذلك من عبارات التنقص التي قد يطول المقام بذكرها، وإذا كان للمناظر أن يصف نصا بالرداءة فليس له أن يصف كاتبه بذات الوصف، وإذا كان له أن يُعرض بقبح النص ودمامته فليس له أن يعرض بقبح أو دمامة كاتبه، ولا بكونه قزما، أو أعرج، أو أصم، أو أبكم، ولا بحَوَل عينيه، أو لون بشرته، أو نحلته، مما لا يليق بالمثقف التراشق به، وحتى في حال الدفاع عن النفس والمعاملة بالمثل، فلا ينبغي المساس بالصفات الخَلقية، أو العرقية، أو القبلية، أو الطائفية، أو المناطقية، أوالإقليمية، ولا ضير فيما سوى ذلك من وخز ووكز ولكم وركل مما ينبغي للمثقف أن يتحمله ويصبر عليه.

الدكتور سليمان البوطي ولن أقول (المدعو) كما خاطبني في رده علي، فشيمتي وأخلاقي لا تسمحان لي بمخاطبته بهذا الأسلوب، ولا باستهداف درجته العلمية المُبرأة أو المُبتلاة بسوء تمثيله لها، هو واحد من أولئك الذين لجأوا إلى أسلوب التشاتم المومئ إليه ولكن من طرف واحد، كان ذلك في عدوانه على الفقير إلى الله كاتب السطور في المجلة الثقافية العدد (287)، إثر كتابتي لقراءة انطباعية حول ما زعمه عملا إبداعيا أسماه (برميل القلوب الميتة) وإذ لم تعجبه مقالتي ولم تلاق هوى عنده، فقد ثارت ثائرته لأني لم أمدحه ابتداء، ثم جن جنونه لأنني لم أكتف بعدم مدحه فحسب، بل تجرأت على نقد ما يحسبه عملا استثنائيا، فقلت رأيي فيه بكل صدق ووضوح وموضوعية، وكان المُتعين علي بمنطق البوطي أن أكتب في مجموعه غزلا ثقافيا كالذي يُقدم قربانا لأصنام الثقافة العربية، تلك التي يبدو أن البوطي يعد نفسه واحدا من نُصبها أو دهاقينها، والثمن لأبلغ رضاه إزاء إصداره الذي لم يسمع به أحد قبل أن أكتب عنه، لأنه وبكل بساطة عمل باهت بارد ميت، لا يغري قارئا بقراءته، ولا يغوي ناقدا بتناوله، ولكن حتى لا أظلم مجموعه فلابد أن أذكر أن له ميزة واحدة لا غير، هي ما يمكن أن تُعرف عبر خاصية التداعي الضدي، كما في خبر المُحدث الذي آنس في ولده رغبة لحفظ الحديث الشريف، فما كان منه إلا أن حَفظه خمسة آلاف حديث، فلما أتقن حفظها قال له يا بني ما حفظته كله ضعيف أو موضوع، فاعرفه جيدا لتعرف أن ما عداه صحيح أو حسن، وبرميل البوطي أو ديوانه أو مجموعه يصلح لئن يُحَفظ للناشئة بوصفه أنموذجا للأدب الرديء، فإذا عرفوه جيدا عرفوا أن ما سواه هو المقبول أو الحسن أو الجيد!

ستقولون: ما دام إصداره بهذه الرداءة فكيف أعماك الله إذ كتبت عنه؟! وهو سؤال وجيه جدا، وهنا لابد أن أذكر أن ما وراء الأكمة قصة فيها متعة وعظة وعبرة، ولذا سأذكرها مختصرة تاركا إتمام سردها إلى مقام آخر، ما لا يعرفه الكثير من القراء أنني كتبت عن البرميل وصاحبه بدافع الشفقة والمواساة الثقافية ليس إلا.. كيف؟ أولا ينبغي ألا يَعزب عن أذهاننا أنه مثلما يوجد في واقعنا فقراء ومساكين ففي الحياة الثقافية مثل ذلك، والمثقفون من أكثر الناس بؤسا، لاسيما من أدركتهم حرفة الأدب، لذا ترى بعضهم وإن يكن يحمل لقبا رنانا إلا إنه لا ينفك محتاجا إلى صدقة هذا الكاتب، ومدح ذلك الناقد، وإشادة هذا الصحافي، وإطراء ذلك الأديب، وبعضهم لا يستمد وهج ظهوره وشرعية وجوده إلا من خلال تلك الأماديح التي يقتات عليها كما الطفيليات، حتى يقف على قدميه ويرفع رأسه في وسطه الثقافي الذي يعيش فيه، والدكتور البوطي واحد من أولئك المثقفين البؤساء، الذين ابتلاهم الله بالفقر الثقافي، وهو وإن يكن مثقفا إلا إنه مغمور لا يكاد يعرفه أحد، ومن سوء حظه -أيضا- أنه لا يتمتع بالحد الأدنى من الذكاء الإعلامي، ليتسنى له وضع قدمه على أرض صلبة تدعم بروزه الثقافي، ولأجل ذلك صار يقتات على وهج شهرة عمه الأديب والفقيه والأصولي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فهل استغنى بذلك؟

أثر ظهوره الضئيل والمحدود لدى القلة القليلة من الناس لم يمنحه الرضا الذي ينشده، وأثر هذه الشهرة المرتدة رغم أهميتها بالنسبة له إلا أنها باتت تؤرقه كثيرا وتؤلمه أكثر، وهي الآن توشك أن تحرقه، لا لشيء إلا لأن البوطي الصغير لم يَعد يُعرف إلا بعمه، وكل من له أدنى عقل يعرف أن من لا يزيد شيئا على هذه الحياة فهو زائد عليها كما يقول الرافعي، وصاحبنا من النوع الذي يأخذ ولا يضيف، ويستهلك ولا ينتج، ولاحقا صار لا ينتج ولا يستهلك، وكلما تساءل عنه سائل: من هذا البوطي ؟ تطوع أحد الحضور وعادة ما يكون الدكتور بسيم عبدالعظيم، ليعرف به فيقول هذا عمه الدكتور محمد سعيد البوطي العالم المشهور؟!

هذا الوصف وإن يكن في حقيقته تعريفا إلا إنه في الواقع تنكير، ولذا فهو يصيب البوطي الصغير في مقتل، لاسيما في مثل هذه المرحلة من حياته، التي يمر فيها بشبه غيبوبة ثقافية، وهو ما جعلني أطلق عليه في غير حيف وصف «مثقف سابق» لكونه منتهي الصلاحية من جهة، ولتوقف نموه الثقافي من جهة أخرى، فهو على سبيل المثال لا يقرأ كسائر المثقفين، ولا يطالع الصحف اليومية، حتى في مراكز التسوق التي لا ترد يد قارئ، ولا يتابع ما يدور في المشهد الثقافي إلا بتلقي فضول أحاديث زملائه المثقفين، أما المجلات الثقافية فبينه وبينها لاءات ثلاث، ولا تسل عن علاقته بأجهزة الحاسوب أو الإنترنت، فهو مقاطع لها حتى يذعن مزودو الخدمة فيبذلوها بالمجان أسوة بالدول المتقدمة، ولذا فمن غير الوارد عنده أن يعقد معها قرانا عرفيا أو مسيارا حتى!

وإذا ما سألته عن آخر رواية قرأها فسيسمي لك واحدة أو اثنتين من روايات نجيب محفوظ، أو محمد عبدالحليم عبدالله، أو إحسان عبدالقدوس وغيرها من تلك الروايات التي كان يقرأها في مكتبة الجامعة يوم كان أحد طلابها، وعليه فهو لا يعرف الجيل الجديد من الشعراء والقاصين والروائيين والنقاد والمفكرين الذين دفعوا بمؤلفاتهم في العشرين سنة الماضية، أما قراءاته لإصدارات العام الجاري والذي قبله فذلك ترف فكري هو أزهد ما يكون فيه، ليس هذا فحسب، بل حتى إذا أهدي إليه كتاب أو ديوان فهو لا يمكث عنده إلا بمقدار وصوله إلى أقرب مكتبة للكتاب المستعمل ليبيعه بأي ثمن، وعندي أنموذج يوثق أحد الكتب المهداة إليه، وقد اشتريته بثلاثة ريالات بعد أن باعه (هو) بريال أو نصف ريال، وهذا ما يفسر بغضه ونفوره من الكتب والمكتبات!

الحالة المستعصية التي عاشها البوطي متذبذبا ما بين شخص المثقف واللامثقف، وحالة الفصام التي لم تفارقه إلا لماما، ومن ثم توقف نموه الثقافي، وعدوانيته للتخلص من كل وعاء معرفي، وغير ذلك من هذه الأعراض التي جعلته موضع شفقة المحيطين به وأنا أحدهم بالطبع، ومن هنا صار كل منا يفكر بطريقته الخاصة لاستنقاذه من براثن عزلته، بعض أصحاب الصالونات الأدبية حاولوا - من جهتهم - كسر طوق عزلته، واستخراجه من «الفاترينا» المسجى داخلها، فدعوه ليلقي محاضرة هنا ومحاضرة هناك، وشيئا فشيئا بدأ البوطي يتحرك ويستجيب للعلاج، لم يعد ذلك الرجل المتجمد كتمثال ثلجي، فسُر به الجميع، وشجعوه، وأخذوا بيده، وقدموه إلى رواد منتدياتهم، رغم أنه كان يتحدث في البائت والمكرور، فتارة يحاضر عن ألف ليلة وليلة، وأخرى عن الزير سالم، وثالثة عن سيف بن ذي يزن، ورغم إن اجتراره لموضوعاته البائتة لم يكن ليخفى عن أحد، إلا إنهم كانوا يتغافلون عنه تفاؤلا بيقظته وسلامته، وبالفعل بدأ الرجل يتعافى من أسقامه الثقافية، ويتحرك بعفوية كسمكة أعيدت إلى الماء، ولكي لا تعاوده أسقامه، فقد راوده الدكتور بسيم عبدالعظيم عن أي شيء من أعماله ليطبعه له في مصر، وبعد طول مجادلة اقتنع وناوله أوراقا مكتوبة بخط اليد، قال إنها شعر أو شيء من ذلك، من حسن حظ الدكتور بسيم أن الهيئة لم تضبط تلك الأوراق عنده، لأنها وكما أسلفت طلاسم، وبأولها رسم مثلث قائم الزاوية، من حوله رقمان وحرفان ورمزان رياضيان، وبالطبع لن يستطيع أحد كأنا من كان أن يقنع الهيئة أن ذلك شعر، لاسيما إذا عرفنا أن الشعر الحر هو في حد ذاته تهمة، فكيف إذا برزت من بين سطوره طلاسم وزوايا ورموز وأرقام، من لطف الله أن أحدا «ما» لم يتعرض للدكتور بسيم بأذى، وإن أوذي أبناؤه بصف وتنضيد تلك التعويذات التي ُزعم أنها أدب، كل هذا لم يكن ليثني الدكتور بسيم عن قربة استنقاذ صاحبه، فلم يكترث لشيء مهما كان، المهم أن الديوان أو المجموع كما بدا للبوطي أن يسميه بعد ذلك كان لابد له أن يطبع ويرى النور، بعد طباعته بادر الدكتور بسيم بإهدائي نسخة منه، وإذ لم أجد أحدا كتب عن البرميل وصاحبه، بما في ذلك أقرب المقربين إليه من عشاق ومتذوقي الثقافة البرميلية، فقد رأيت أن أعمل لحياتي الثقافية ما أجد ثوابه في مستقبل أيامي، وليكن عملي متمما للعلاج الذي بدأه أصحاب المنتديات، ومرورا بما ثنى به الدكتور بسيم بعد ذلك، إلى أن يجيء دوري للتعريف بالبوطي إعلاميا ولو بمقالة واحدة، لأكون ومن ذكرت كمن يحاول أن يعيد الحوت الذي نفق أو كاد إلى أعماق المحيط، بعد أن ضل طريقه في الماء، وألقته أمواجه إلى الشواطئ الضحلة التي كان البوطي يجد نفسه فيها.

فكرت مليا ماذا أكتب، وماذا عساي أقول عن مجموعه، فإذا أنا بشعر أو نثر بالغ الرداءة، فتساءلت : هل أقف على برميله وقوف امرئ القيس على الأطلال، أم أبكي وأستبكي والناس ليسوا من السذاجة بمكان ليضيعوا أوقاتهم عند براميل البوطي، لم أجد مناصا من الكتابة مهما كانت الظروف، ولأجل برميل تكرم براميل كما يقال، بعد طول تأمل وتفكير لم أجد لصاحب البرميل إكسيرا أنجع من السحل النقدي، قلت: هو مثقف يعيش على هامش هامش مشهدنا الثقافي، ولا يكاد يعرفه أحد، حتى السيد (قوقل) الذي لا يغادر معلومة إلا أحصاها لا يتذكره إلا من خلال تلك الصدقات الثقافية التي واساه بها بعض أصحاب المنتديات الثقافية في الأحساء، إذن كيف أعرف به وألفت الأنظار إليه ؟!

ذات إغفاءة رأيت البوطي وقد تمثل لي كما أعرفه، فإذا هو أشبه برجل لا شأن له في قومه و قريته، فلما تسامع الناس أنه أصيب بداء عضال، أخذوا يتهامسون في شأنه، ويهتمون بأمره، ويتحدثون عنه، ويعودونه من حين إلى حين، حتى عرفه الذين لم يعرفوه من قبل، ومن هنا استوحيت فكرة استنقاذي له، فارتأيت نقد مجموعه بصرامة صادمة، ولكون العمليات النقدية ليست كالعمليات الجراحية يسبقها بنج أو تخدير، فقد كانت عمليتي مؤلمة بعض الشيء - من البديهيات أنه لا يمكن استئصال ورم خبيث دون جراحة أو ألم - ولذا فقد كنت واضحا وصريحا معه، لم أداهنه، ولم أتملقه، ولم أتزلف إليه أو أصانعه إلا قليلا، هذه الصراحة وإن كانت صعبة علي ومرة عليه إلا أنها مريحة لي وله، لأنها صادقة من ناحية، وستلفت الأنظار إليه من ناحية أخرى، وربما وضعته في بؤرة الاهتمام، لاسيما إذا نشرت في عيادة الجزيرة الثقافية، نفسي الإمارة بالسوء سولت لي غير مرة مدحه ولو من باب رفع روحه المعنوية، إلا إنني قدرت أن لن يصدقني أحد، إذا ما قدمته إلى القراء بوصفه نابغة بوطيا أو شاعرا كبيرا، سيتساءلون عن الفقاعة التي نفختها لهم وسيعرفون الحقيقة قطعا، لذا آثرت السلامة وابتغيت الحل الأول، ولم أرد الإساءة إليه من حيث قدرت نفعه فكتبت فيه ما كتبت، وبكل تفاؤل وحسن نية كنت أحسب البوطي الصغير من الفطنة والذكاء والألمعية بحيث يعرف قصدي ويقدر جهدي، وأنه سيغدو في هذا الموطن بالذات بوطيا كبيرا يعي ويدرك عواقب الأمور، إلا أنه وبكل أسف خيب ظني فيه، فكتب يريد قتلي وأنا الذي كتبت أريد حياته.

حقا (اتق شر من أحسنت إليه) كما في إحساني إليه في مقالتي المكتوبة فيما زعمه أدبا، وكما في إساءته إلي في تعقيبه الذي هاجمني فيه ببسالة ناقم وشراسة موتور، وليته قد أصاب الحقيقة إذ كتب لحمدت له حسن بيانه وإصابته، ولكنه لما لم يجد سبيلا لنقض ما ذكرته في نصيه الرديئين راح يشخصن تعقيبه علي، ويوسعني غمزا ولمزا بما لا علاقة له برداءة مجموعه، فاستهدفني أولا بعنوانه المدبج بسجع متكلف يمثل مرحلة تحنطه الثقافي على أساليب الكتابة المنقرضة إلا عند أمثاله، ومرورا بتصيده غلطة نحوية وقعت مني سهوا فطار «هو» بها فرحا، ولو علمت أنها تسره لرفعت له مجرورين ولنصبت له مرفوعين حتى ينتفخ فيحسب نفسه قد صار بوطويه!

ما لم أشك فيه أبدا أن كلامي آلمه بحق وكذلك الصدق يؤلم، وأكل معه وشرب وكذلك الهم يفعل، وفي مستهل تعقيبه علي حاول تحجيم مقالتي بذكر عدد كلماتها التي زعمها لا تعدو الألف كلمة، ثم ثنى على هذه المعلومة الخطيرة مرتين في سياق الذم لما كتبت، وهو ما يؤكد غيبوبته الثقافية، لأن عدد كلمات مقالي (1258) كلمة، بحسب العد الإلكتروني في برنامج الوورد، الذي يبدو أن البوطي لم يسمع عنه بعد، ألم أقل لكم إن الرجل مصاب بغيبوبة ثقافية، ولذا فقد راح يعد كلمات مقالتي كلمة كلمة وبطريقة بدائية، تماما كما يعد تلميذ المرحلة الابتدائية الأرقام على أصابع يديه ورجليه، وهي ذات الطريقة التي استخدمها البوطي، بعد أن استعان بأصابعه وأصابع الجلوس من حوله، وهذا سر إطراقه الدائم منذ نشر مقالتي !

اختيار المرء قطعة من عقله، ولو أن تاجر بقوليات - كما يحلو للبوطي أن يسم هوية برميله- قد فاضت قريحته بالشعر، وأراد أن يطبع شعره، فلا أحسبه سيسم ديوانه باسم برميل مهما كانت الظروف، لست أنكر أن للناس فيما يعشقون مذاهب، وللبوطي أن يعشق من البراميل ما شاء، ولكن كان يتعين عليه احترام الذائقة الأدبية، ومراعاة الذوق العام، لأنه لا يكتب لنفسه، ولا يعيش في هذا العالم وحده، وحماية العقول من التلوث الثقافي واجب كفائي على كل مثقف ومثقفة، ومن الاحترام أن يحدد جنس إصداره أشعرٌ أم نثرٌ، أما أن يبهم فيسميه مجموعا فهذا استهتار بعقول مخاطبيه، ترى هل يقبل عاقل أن يبشر بوليد له فإذا سأل أذكر أم أنثى لم يجد من الإجابة إلا الإصرار على كلمة مولود ؟! اللافت في شأن هذا البوطي أنه مؤمن ومتشبث بحقه وحق البرميل في الوجود كعنوان لمجموعه، وهذا العند ليس في صالحه، لأن العرب تلقب الرجل بالكلمة اللافتة يقولها في شعره، كما لقب المتلمس والمثقب والممزق بكلمة في شعر كل منهم، فهل يريد (هو) أن يلقب بالمتبرمل ؟!

هذه باختصار قصتي مع البوطي الذي كان يريدني أن أكون معه مجاملا حد الكذب، مخاتلا حد الخداع، متلونا كحرباء، لأمدح إصداره وأثني عليه، ولأحلق به إلى مصاف الأعمال الخالدة، ولأقول للقراء إن برميل البوطي أجمل برميل أبدعته قريحة الشعر العربي، وهذا ما لا يمكن أن أقوله أبدا ولو أعطاني ملء براميله ذهبا.

الأحساء almol7em@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة