Culture Magazine Thursday  11/06/2009 G Issue 287
أفق
الخميس 18 ,جمادى الثانية 1430   العدد  287
مقاربة
الزماي يصف (الوقت الأصفر) سرداً
أسلوب الومض الاسترجاعي لسرد حالات إنسانية كثيرة..
عبدالحفيظ الشمري

 

ينتهج القاص عبدالله الزماي في مجموعته القصصية الجديدة (الوقت أصفر أحياناً) ينتهج أسلوب الومض الإسترجاعي لحالات إنسانية كثيرة، تسعى إلى تكوين جسر من العلاقة بين الحكاية، وراويها من أجل أن تكتمل فصولها في ذهن المتلقي على نحو لحظة الاستهلال في قصة (أضغاث) حينما برع (الزماي) في فتح بوابة النقد لقضايا الأنا وجموح الذات، وعذاباتها الأليمة، وهمومها الكثيرة، وتداعيات الوجد اللاهي في قفر ذات الإنسان.

قصص الزماي تنهل من معين الحكاية التي تتمثل المكان، وتحدد معالمه بحجم هذه المعاناة التي يعيشها الشخوص، فالاتكاء على الحكاية يحقق شرطية اكتمال القص، إلا أن القصص في هذه المجموعة تضيف بعداً آخر يتمثل في وصفيات المكان، وحيثيات الحدث الممكن الذي تحتاجه تقنيات الكتابة في هذا المجال.

قصة (الوقت أصفر أحياناً) تحمل دلالات ما أرادها القاص الزماي حينما نوه وبشكل مقتضب عن أهم لواعج الإنسان ووساوسه التي تستحق التدوين، والتعريف بها كحالة واقعية تناجز المعطى اليومي لحياة الناس البسطاء، هؤلاء الذين يفقدون حياتهم - أحياناً - لفرط هذه المكابدات الأليمة، والعناء الشاق في تفاصيل حياتهم.

للقصة أكثر من واجهة، وكل واجهة بلون مختلف، ومعيار متميز، تقيس فيه أبعاد المعضلة التي مر فيها البطل منذ أن اقتربت نهايته بِنُذُر الزوال، حتى غادر الدنيا جسداً مسجى بين العابرين في عرض شارع يعج بالناس، والحياة.

في القصص التي تلي هذا المشهد القصصي الذي حمل اسم المجموعة إرهاص جديد لواقع تزداد فداحة التعرف عليه، إذ يحمل في طياته عناوين الحزن، وتفاصيل العناء اليومي، فلو نظر الراوي إلى ذاته سيجد أنه يشارك الناس في همومهم، بل يتقاطع معهم كحالة مؤثرة، وذات بعد إيحائي ينعكس على تفاصيل كل حكاية يمر فيها هؤلاء الشخوص الذين قدم لهم الزماي بشكل متميز فأصبحوا يقتسمون الحالة الوجدانية، ويتناوبون على رواية الأحداث من منطلق الأدوار التي اختطها لهم الكاتب في مشروعه السردي. في صياغة الكاتب الزماي للأحداث والشخوص في قصص هذه المجموعة تظهر رغبته القوية في بناء حالة من التقشف والاقتضاب في سرد هذه القصص التي انتقاها من بين الحكايات التي يختزنها ربما لفرصة مواتية أخرى.

ويظهر هذا التقشف، أو الومض كحالة مؤثرة في فضاء النصوص، بل يعمد من خلاله إلى النفاذ إلى الفكرة الجوهرية التي يريد لها أن تصل إلى القارئ من أقصر السبل. يظهر في هذه المجموعة تلازم حالتي المكان والزمان، إذ يفصح عنهما كثيراً، ويتفنن في تقديمهما من خلال الأحداث يقيناً منه أن هذين العنصرين هما أولى ركائز العمل القصصي الحديث، إلى جانب اللغة والحدث في هيكل البناء السردي.

فانتهاج القاص الزماي أسلوب التكامل الهيكلي في بناء القصة يجعله معتمداً على فكرة واضحة للحكاية، من أجل أن تتفاعل معها الذائقة بما يحقق المتعة المرجوة، لينتقي لنا من خلال هذه الإضمامة الحكائية المعبرة أطرافاً من عوالم الصراع الأزلي بين تيارات المجتمع.

ويعمد (الزماي) الإفصاح أكثر فأكثر عن مدلولات خطابه الإبداعي الذي يستبطن فيه معاناة البسطاء في تحولات حياتهم، والكادحين في شوارعهم، والمنهمكين في مزارعهم، واللاهثين خلف دوابهم، وفي أي معاناة إنسانية تذكرنا على نحو واضح بأن الحياة هي في الأساس مكابدة أليمة على نحو ما أورده الكاتب في قصة (حالة) حينما صور لنا ببراعة متناهية مشهد الحياة اليومية كصورة صادقة تعكس الواقع، ولا تزيفه بأي حال من الأحوال.

* * *

*إشارة:

- إشارة:

- الوقت أصفر أحياناً (قصص)

- عبدالله الزماي

- أدبي حائل - الانتشار العربي - بيروت 2009م

- تقع المجموعة في نحو (80صفحة) من القطع المتوسط


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة