Culture Magazine Thursday  11/06/2009 G Issue 287
سرد
الخميس 18 ,جمادى الثانية 1430   العدد  287
قصة قصيرة
رسالة وجواب!
د. خالد محمد باطرفي

 

أخيرا قررت أن تبوح فكتبت.. وقالت كل شيء (أو هكذا بدا). اليأس راحة.. ليس كثيرا في الحب.. ولكنه أرحم من غموض يعلقك بحبال الأمل.. ثم يشنقك بها. طالبتني بالرد فرددت بصراحة بركان كان ينتظر الإذن له بالانفجار... ربما كان علي أن لا أرد.. ربما. هل كان يجب أن ينتهي، هكذا، كل شيء؟

رسالة منها

يسألني متى يطرق الحب بابي؟ ولا أدري ما الجواب؛ فالخوف يحاصرني من كل جهة؟ ترى ما هو الحب ؟ نسيت معناه.. كل ما أعلمه عنه انه يفاجئك دون أن تدري، بل يقتحم حياتك ويشدك لعالم آخر ويجعل منك شخصا يصنع المعجزات.. فأين أنا من كل هذا؟

كل ما أعلمه أن الخوف يحاصرني من كل جهة.. الخوف من الحب.. الخوف من الحب بلا عقل.. فالحب في حياتي لا منهجية له.. بل لا أساس له؛ لأن لا حق لي في الاختيار.. فالاختيار في النهاية لا يعود لي.. لا بد لي أن اختار الشخص المناسب لأسرتي ثم أحب.. فأي حب هذا؟

أجد نفسي محبطة أن أبدأ من جديد وأبني آمالا وأحلاما ومشاعر وأحاسيس كثيرة تذهب للسراب.. كل يوم أبني جدارا أقوى من الجدار السابق أمامك حتى لا أضعف أمام اهتمامك.. فالحب يناديني، وأنا أدير ظهري.!!.قمة الضعف أنا.. قمة الحزن على نفسي أنا..!!

تائهة أنا.. لا أعلم ماذا علي أن أفعل سوى أن أهرب منك إلى المجهول.. وأعود حزينة أبكي داخل نفسي فأوراقي شبه مكشوفة أمامك.. وأجد الملل يحاصرك من جهتي، وقد بذلت جهدك لتتقرب مني ولا تعلم ما الذي عليك فعله بعد؟؟

أدرك حيرتك.. أدرك كم هو صعب عليك صمتي.. وكم أنت رجل نبيل ولا اقبل لك أن تجد نفسك في أول الطريق بعد أن بذلت جهدك لتصل لمنتصف الطريق!!

لكم هو مؤلم أن أشعر أني أحبطك بإرادتي ولكم هو مؤلم أكثر أن أجدك واثقا من خطواتك جريئا مثابرا وأنا واقفة لا أحرك ساكناً. كل ما أفعله أن أصمت وأراقبك وأحترمك أكثر لمثابرتك.. متألمة اكثر واكثر لعجزي عن أي تعبير وتفسير.. فأي امرأة تستطيع أن تعوض شخصا مميزا حنونا متفهما.. راقي التفكير مثلك؟!!

لا أخفيك أني كنت في لحظات أجد نفسي تحديا قاسيا بالنسبة لك.. فمن الصعب أن أجدك صابرا ومثابرا أمام امرأة بلا أحاسيس.. بلا تأثر وتفاعل تجاهك!!..

لعلك تجد قلبي موصدا بشدة عنيد أكثر.. وأن أوشك على الضعف هرب منك بسرعة.. متجاهلا كل محاولاتك.. ولعلك أيضا جرحتني بشدة حينما سألتني إن كان لي تجربة حب فاشلة؟ فأي سؤال جريء هذا ؟؟ وأي سؤال قد تسأله لامرأة كهذا السؤال؟ مؤلم جدااااااا..!!

كم كنت قاسيا.. وكم شعرت أن المكان من حولي قد ضاق بي.. تمنيت لو أن اللحظات تتسارع لأداري دموعي فالعبرات خنقتني.. هل كنت أمامك محبطة واستحق الشفقة لهذه الدرجة؟ هل أشعرتك باليأس لهذا الحد؟ لأي درجه كنت قاسية معك لتسألني هكذا سؤال؟

لا ادري كيف أشرح وأبرر لك أو لنفسي موقفي.. فأي امرأة أنا حتى لا أتأثر من رجل مثلك.. !! رجل يشعرها أنها أنثى مميزه كما تشعرني.. رجل لا يترك مجالا لها حتى يقول لها أنه يهتم لأمرها!!

اخترت مره واحده بقلبي وبغض النظر إن كان الاختيار صحيحا أو غير صحيح وبالإضافة لذلك إن كان التفكير فيه عقلانيه لمناسبة اختيار الأسرة أو لا.. فلم يكن لا الاختيار صحيح ولا مناسبا لأسرتي.. كل شي كان خاطئ وأدركت لاحقا أن الخالق قد أنقذني من ذلك الحب المجنون العاصف اللا عقلاني المراهق..

كان هناك شي واحد صحيح.. الحب فقط وليس آليته. لأنه الحب الأول.. والآن لا أجد نفسي أحببت بقدر ما أجد مشاعر الحب كتبت لي. لأني أدركت لاحقا أن لا حق لي في الاختيار إلا أن أقول نعم أو لا لكل شاب يطرق باب منزلنا أو أن أحب شابا من خلف نصف الستار.. أختاره مسبقا بحيث يكون مناسبا لأسرتي.. فأي حب تسألني عنه؟!.. أأضحك أم تدمع عيناي على سؤال كهذا؟

ما الفائدة من كل هذا الحديث وأنا لا استطيع أن أعطي لنفسي ولك حتى ولو فرصه واحده لنشكل العلاقة على النحو المطلوب.. كل ما هو أمامي شكل واحد للعلاقة: صداقة.... وأنا اشعر بك والضعف يتملكني.. كل ما أملكه لك هو ابتسامتي الخجلى.. ولا اعتقد أنها تكفي.. !!

أشكرك لأنك أتحت لي البوح بمشاعري عبر الورق.. ولأنك اهتممت بي وأحببتني..

اذهب يا صديقي لعل القدر يهبك المرأة التي تستحق.. فمثلك جدير بامرأة لا تخاف وتصنع لأجله المعجزات وتبادله العطاء..

أرجو أن تسامحني..

(ما بيننا شيء من الجنون. قليل من العقل وكثير من الوهم).

ملاك

.. ومني جواب!

لم تؤكدي لي بعد إن كانت الرسالة كتبت لي، ولي وحدي، أم لغيري.. معي أو بدوني. وهذه بالضبط مشكلتي معك. إحساسي بأن هناك غيري يزاحمني على قلبك. ربما واحد، ربما أكثر. ليست المشكلة أنني لست الشخص المناسب لكي تستثمري فيه مشاعرك بعضها أو كلها بضمان أن تقطفيها بعد الارتباط الدائم كزوج. فأنا أدرك العراقيل، وأدرك الأسباب التي تحول بيننا ومثل هذا اللقاء العظيم. وأقدر أن من حقك أن تحافظي على قلبك لمن سترتبطين به، بمباركة أسرتك وتقبل مجتمعك.

ولكن ما (يحرق دمي) ويشعرني بالمهانة ويجرحني في كبريائي وكرامتي هو أن أكون مجرد رقم في قائمة، تهمليه كلما انشغلت بغيره، وتعودين له كلما انشغل هذا الغير عنك. أن تمارسي علينا جميعا، نحن محبيك ومعجبيك، نظام (الدور) و(التسلية). وكأنك تقولين: أحبوني كما شئتم، وأعجبوا بي ما أردتم، وقدموا لي فروض الولاء والغرام ما استطعتم، وسأستمتع وأسمح بمشاعركم حتى تحرك في مشاعري، وتضعف من تحكمي وسيطرتي، وحينها سأطفأ شمعة وأشعل أخرى، سأجمد رجلا وأستعيد آخر، وهكذا أظل كملكة النحل، متوجة على قلوب العبيد، آخذ منهم ما أريد، عندما أريد، وأسحلهم عندما يقتربون أكثر مما تسمح به هيبة الملوك.

إن كان هذا حالك، فلست الضحية التي تصورين، فعذاباتك لا تعطيك الحق في تعذيب الآخرين، واحتياجاتك (النفسية) لا تبرر تلاعبك باحتياجات المحبين. فمن حقهم عليك أن توضحي لهم منذ البداية ظروفك، واختياراتك، ومكانتهم عندك. ومن فشل في فهم ذلك (فذنبه على جنبه) وله الخيار أن يقبل أو ينسحب.

أما إذا كانت الرسالة موجهة لي، ولي وحدي، فسامحيني على كل ما سبق، لأنه مبني على افتراض خطأ، وإن كان عدم تطابق بعض ما كتبته علي، وترددك في التأكيد سبب الافتراض.

وحينها يختلف كل شيء، وتصبحين الملاك الذي أحببت، وآمنت به وسامحت. الضحية لمجتمع يدعي عقيدة لا يطبقها، ومثالية لا تنطبق عليه. وسأتفهم كل مواقفك السابقة إلا موقفا واحدا لا أسامحك عليه حتى تتعهدي بأن لا يتكرر. أن تقرري مصير ومسار وشكل علاقتنا وحدك، فتقبلي وتدبري، وتسمحي وتمنعي، وتمدي وتقطعي بدون تشاور وتفاهم. وعلى افتراض (مهين) أنني بلا عقل ولا إرادة ولا جلد. ففي النهاية ما تريدنه سيتحقق، لأنني لا أملك إلا أن أستجيب. فهل أستطيع أن أفرض نفسي على قلبك؟ وهل بيدي أن أواصل علاقة من طرف واحد؟ ولكن هناك فرق بين استجابة مبنية على فهم وتفهم، وبين حكم، مفاجئ، قاس ينزل علي كصاعقة بلا عاصفة، أو عاصفة لا تلدها ريح.. هكذا.. بلا تمهيد بلا تفسير بلا تبرير.

في كل الأحوال.. اطمئني. فقد تجاوزت مرحلة (الوله)، وانطفأت شعلة التعلق، والفضل بعد الله لك. فقد كويتني حتى شفيت، وبعض الجراح بلسم بعضها.

سآخذ بنصيحتك، سواء أكانت لي أم لغيري، أم لكل محبيك معا، وأبحث عن حب جديد. فأسبابك العائلية والنفسية والإرادية قوية. وأكون مكابرا وطائشا لو تجاهلتها أو تعاليت عليها. واحتياجي إلى الحب الحقيقي كبير، وأكون ظالما لنفسي لو أغفلته.

وفي نفس الوقت، أعدك بأن أبقى لك الصديق المخلص الأمين. فأحبي من شئت، وصادقي من أردت.. وتزوجي من لك فيه نصيب.. وعندما تحتاجين لصداقتي وصدقي ستجديني مهما بعدت قريب.

كل هذا لك، بشرط وحيد. كوني معي شفافة كما أني معك. فكل علاقة حقيقية في الدنيا تبنى على الثقة وتدوم بها. ولا يقتل الحب بكل أحواله ودرجاته مثل الخداع.

دمت لنا مضيئة.. وجميلة.. وملاك.

خلاصات:

نحسن الظن حد السذاجة،ونتسامح حد التبلد. العشق حالة غباء.

ما أكثر الأسئلة الحائرة بدنيانا وما أبخل الإجابة!

من السذاجة أن تحسب الناس مثلك. تخلص فيخلصون، تتفانى فيتفانون. وتثبت فيثبتون.

ليس للناس قلبك، ليس في الناس ضعفك. ليس في الغفلة سواك. بين الحب والسذاجة حالة توافق!

الثقة تبنى في دهر وتهدم في سقطة، ثم قد تبنى ولكن في دهور!

بين الحب والحظ عناد، وبين العشق والعقل عداء!

ماذا تفعل عندما تكتشف أن حبيبك ليس لك وحدك؟ بعض قلبه معك وبعض لغيرك، وغيرك؟ هل تجادل؟ هل تزاحم؟ هل تقبل أم تغادر؟ كل الخيارات مريرة، ولكن الأمر بقاء لا كرامة له، ولا عزة فيه!

سأترك قلبي معك لأنني لا أستطيع أن استرده، وأغادر بدونكما. فلم اعد احتمل!


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة