Culture Magazine Monday  26/01/2009 G Issue 268
أفق
الأثنين 29 ,محرم 1430   العدد  268
مقاربة
(لا أحد في تبوك) رواية جديدة للبلوي
المدينة تأخذ هويتها الحزينة في رؤية (منصور اليائس)
عبدالحفيظ الشمري

 

بعد رواية (البلدة الأخرى) لإبراهيم عبدالمجيد، والحدود لنايف الجهني، أطل الروائي مطلق البلوي بعمله الجديد (لا أحد في تبوك) محاولاً اقتفاء أثر هذا الخطاب الافصاحي عن مدينة تصلح دائماً لأن تكون مهداً لحكاية ما، أو قصة تتوارد فصولها على الذهن بكل ما هو جديد، بل ها هي تنضج الرواية على يد مطلق البلوي ليقدم لنا وجه تبوك الجديد.. ذلك الذي سن له طريقة، وعبَّر بوعي تام عن مآل حياة الإنسان الذي بدأت تتقاذفه أيدي الحالة المتحولة حيث المدينة الحائرة.. تلك التي تحاول أن تنهض نحو طباع المدن الأخرى.

فلم تعد تبوك في رواية البلوي هي تلك المدينة المحافظة على خصوصيتها، ومجد بساطتها.

منصور، والحساوي، وجمعان، والعزَّاب، وآمنة، والنورية، شخوص العمل الذين يحملون على عواتقهم مهمة كشف المخبوء في قصة (البطل منصور).. ذلك الذي يتوارى خلف حجب الغياب، ليحاول الراوي جاهداً أن يقيم معادلة الحياة الصعبة والقاسية، فهو غير القادر على فهمها وليس بمقدوره أن يفر عنها، وعن منغصاتها الكثيرة كأحزان مترامية.

في الفصل الثاني من الرواية يصرح الكاتب مطلق البلوي بأمر مدينته (تبوك) حيث تختزن -حسب رأيه- الكثير من المتناقضات التي يرى أنها تبعث على الحزن والألم، فلا يمكن لمدينة كهذه أن تبني مجد سعادتها إن كانت معبأة بمثل هذه الأحزان والرؤى المتناقضة.

يحمل الراوي بين دفتي حديثه على المدينة بشدة، ويحملها الكثير من تبعات تردي الوضع المعنوي، بل أنه يرى أن منصوراً بات أقرب للفناء كلما زاد التصاقاً بالمدينة وتقرباً منها، بل نراه وقد أضحى مشغولاً بوصف معاناته فيها منذ أن خُلق على أديمها وتاه في شوارعها.

أوصاف كثيرة أطلقها الكاتب على مدينته تبوك بغية أن يضعها على طاولة البحث والاستقصاء، ليحاكمها كأي مشروع إنساني لم يوفق بعد في رسم تفاصيل خلاصه، كما أنه من خلال هذا الإغراق في الوصف يضيف بعداً تأثيرياً لحالة الذوبان في حكاية مدينته التي لا يقوى على مبارحتها رغم أنه بات من الوارد جداً أن يلوذ بعصمة الهرب في ظل هذه المنغصات؛ فلا شيء غير الرحيل هو ما يكفل حياة هانئة للبطل المأزوم في النص.

القصة أو الحكاية لا تزال تدور في الأحياء والحواري التي يعرفها (البطل منصور) جيداً، فهو الذي يهيئها للهرب لفرط نذر حرب محتملة وعابرة.. فالكاتب لم يشأ أن يتجاوز حالة عصية على الإنسان في تلك الذكرى التي يرصدها بمهارة ودقة متناهية.

لم يبق منصور بهمومه وأحزانه أسيراً لفكرة واحدة، إنما لمعاناة كثيرة، أكثر من الهم على القلب المسكين، حزن لم يفارقه حتى وإن حاول النزوح نحو مفاوز، وفضاءات أخرى، ليعبر صوب عَمَّان، ودمشق محملاً بذلك الوهج الأليم فلا يضيف أي جديد على مستوى الحياة الاجتماعية التي قد نسترشد بالأمل بدلاً من هذه الصورة المأساوية التي يرسمها مطلق البلوي في روايته، فهذه رغبة منه أن يكون هذا العمل قاموساً خالصاً لهمومه ولواعجه.

الرواية تقف مع حزن رواية (الحدود) لنايف الجهني على مستقيم واحد، فيما تتحد في فضائها العام مع رواية (البلدة الأخرى) لإبراهيم عبدالمجيد في مد تلك الجسور مع اليأس والألم.. فرواية (لا أحد في تبوك) تصنع مع سابقتيها بعداً تجذيرياً للحزن في هذه المدينة القابعة على الحدود هناك.

ففي كل مشهد وفصل من فصول الرواية يذكرنا الراوي بأن ليس هناك ما يبعث الأمل في سيرة هذه المدينة التي اختطفت زمام المبادرة فباتت أقرب إلى وصفها بأنها رواية (سيرة مدينة) في وقت كان من المهم أن يكون الحدث موائماً بين لواعج البطل، وصمت مدينته.

***

إشارة:

- لا أحد في تبوك (رواية).

- مطلق البلوي.

- النادي الأدبي بحائل- دار الانتشار - 1429هـ.

- تقع الرواية في نحو (196 صفحة) من القطع المتوسط.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم أرسلها إلى الكود 82244


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة