Culture Magazine Monday  26/01/2009 G Issue 268
مسرح
الأثنين 29 ,محرم 1430   العدد  268
المسرح والحدث
صبحي يوسف

 

كان المسرح يهضم التاريخ ويعتصر الحاضر ويستشرف المستقبل، كان المسرحيون ضمير الشعوب وحاملي همومهم، كان المؤلف المسرحي غير مختزل في فكرة بل كان دائماً مشروعاً ثقافياً يتبناه مخرجاً هو بدوره مشروعاً ثقافياً آخر.. والمتأمل لحال المسرح اليوم يجد أن المسرح أصبح تهويمات زائغة هنا وهناك لا تحمل إلا هموماً صغيرة ولا تعتمد أية هوية بعينها وأصبح التسطيح عنواناً يتبناه الكثيرون عن قصد أو غير قصد، ضعنا بين ما هو حقيقي وما هو يشبه الحقيقة، اختلطت المفاهيم فصار المسرح مجرداً من معنى يستهدف المشاهد وتحول المسرحي إلى رجل يخاطب زميله المسرحي.. فلا نشاهد مسرحاً حقيقياً إلا فيما ندر.. أنت لا تجد الآن تاريخك ولا جغرافيتك ولا حاضرك في المسرح، فكيف يمكنك أن تستشرف المستقبل.. في سماء مثقلة بالأطباق الفضائية ومغلقة بشبكة الإنترنت العنكبوتية وأرصفة مترعة بصحف من كل لون، لم يعد المسرح يقرأ المستقبل إذ عجز حتى عن قراءة الحدث المضارع، كانت هناك عبارات خلدها المسرح حينما كانت الكلمة أداة مهمة من أدوات المؤلف المسرحي وكان هناك ممثلون خالدون حينما كان الممثل أداة مهمة من أدوات الفعل المسرحي وكان هناك مخرجون عباقرة بينما كان المخرج هو وجهة نظر حقيقية تقدم لنا مشروعاً معتبراً، ضعنا في السيميائية والسينوجرافيا والاستاطيقا والميكانيكا والشيكابيكا وفقدنا الموضوع الأصلي. كان من المفروض أن يكون المصطلح في خدمة المسرح وليس المسرح في خدمة المصطلح.. كان المفروض أن يكون المشاهد هو هدف العملية المسرحية لا مجرد ديكور تكتمل به الحفلة المسرحية. أين نحن من الحدث؟؟. إن أصل الكلمة (دراما) تعني الفعل بالطبع ليس الفعل المجرد بل الفعل الفاعل المفعل وبالتالي الحدث. كيف نقبل نحن كصناع للمسرح أن يكون مسرحنا مفعولاً به؟؟ إن العمر الافتراضي اليوم لأي مسرحية أقصاه مهرجان مسرحي محلي أو عربي ويذوب أو يتبخر في جلسة نقدية أو في بهو فندق بين الأصدقاء المسرحيين المعتادين وينتهي بانتهاء فناجين القهوة وعلبة السجائر. قلما يتذكر لك مشاهد مشهداً أو عبارة واستحالة أن تكون قد ساهمت في تغيير فكرة ولو تربوية لدى مشاهد، ولكن للأسف معظم الأعمال تحولت إلى مناديل ورقية تنتهي عند أول استخدام.. قد يتصور البعض أنني هنا أدعو الناس للكلاسيكية البحتة. حاشا وكلا. ليكن ما يكون شكل المسرح فقط أدعوكم إلى الانطلاق من مضمون حقيقي، أدعوكم إلى تقديم بضاعة غير منتهية الصلاحية حتى لا نتسبب في تسمم المشاهدين.

مخرج مسرحي

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة