Culture Magazine Monday  26/01/2009 G Issue 268
تشكيل
الأثنين 29 ,محرم 1430   العدد  268
من الحقيبة التشكيلية
المرسم الحر بالكويت.. أنموذجاً
تفرغ التشكيليين تجربة ناجحة لكن تحقيقها غير وارد

 

إعداد - محمد المنيف:

تتردد على ألسنة التشكيليين عبارة (التفرغ)، ويعنى بها أن يمنح الفنان مدة زمنية لا تقل عن عام ليتفرغ لإبداعه دون أي ارتباط آخر كما هو حال الفنانين التشكيليين الذين يعيشون يومهم بين العديد من المتطلبات، في مقدمتها العمل الوظيفي الذي يأخذ جل وقتهم ويعودون منه منهكين جسدياً وذهنياً؛ مما يجعلهم في بحث عن الراحة، إضافة إلى ما يتبع ذلك من التزامات أسرية. ويرى الفنانون أن في التفرغ فرصة أكبر للعطاء والبحث والتجريب بدلاً من الممارسة بشكل متقطع يفقد فيها الفنان استمرارية العمل وتواصل الفكرة وتوثيق ما توصل إليه من خبرات في الخامات واستحداث الجديد؛ فأكثر التشكيليين عطاءً واكتشافاً للجديد واكتساب الخبرات هم من تفرغوا لإبداعهم حيث يعملون على مدى ساعات النهار وقد يمتد عملهم إلى ساعات من الليل، ونجدهم أكثر حيويةً وحضوراً ومشاركات في المعارض الخاصة بهم أو بمشاركاتهم مع الآخرين. ومع أننا مع هذه الفكرة التي وضعتها الجمعية السعودية للفنون التشكيلية في عين الاعتبار وأدرجتها ضمن خطط المستقبل إلا أننا أيضاً أمام واقع يحمل الكثير من المعوقات، لكننا متمسكون بالأمل في تحقيقها.

معوقات التفرغ

إذا تحدثنا عن التفرغ بشكل منطقي ومباشر عوداً إلى الواقع وما يدور فيه من تدنّ لفهم حقيقة الفنان أولاً والقناعة بجهوده ومن ثم الوصول إلى منحه مثل هذه الفرصة فإننا سنجد من المعوقات ما يحبطه أكثر مما يعينه ويدفعه إلى الأمام؛ ولذا وفي حال تقديم هذا المقترح لأي من الجهات المعنية به سيجد من التجاهل الكثير ومن التندر الأكثر ومن الرفض ما يعيد الفنان إلى مرسمه وهو يعض أصابع الندم على أنه طالب أو اقترح أو فكر في مثل هذا الأمر، ناهيك عن قناعة الجهة التي يعمل بها حينما يطلب منها إخلاء طرف الفنان؛ كونه قد منح تفرغاً من جهته التي يفترض أن تكون (جمعية التشكيليين) التي ستتكفل بما يتعلق برواتبه أو مكافآته ولوازم تفرغه أو أن يحسب بما يسمى بالإعارة التي لم يعد لها مكان أو مفعول أو تفعيل مع أنها كانت الفرصة الوحيدة التي يمكن للفنان أن يتحرر بها من قيود الأنظمة الإدارية.

مَن يستحق التفرغ؟

الجانب الآخر من المعوقات والمتعلق بالجهة المعنية بهذه المهمة لا يقل بأي حال عن سابقه؛ ليأتي السؤال المعضلة: (مَن الذي يستحق أن يمنح التفرغ وتهيأ له سبل الإبداع على مدى عام أو عامين وهو شرف لا يوازيه شرف وتكليف وطني أكثر منه بحثاً عن الراحة إذ سيكون مطالباً بإنتاج متواصل مع بقية المفرغين الذين قد لا يقل عددهم عن العشرة وهي تجربة مرت بها الكويت وسنتطرق إليها في سياق الموضوع؟ هذا السؤال الذي يبرز بشكل آخر عندما نسمع عن إقامة معرض خارج الوطن ويتم اختيار أسماء البعض الذي لا يمثل إلا مستوى الهواة؛ ليطرح السؤال: مَن اختار هؤلاء؟ كما في حال اختيار أسماء لها مكانتها في الساحة نجد السؤال يعود من جديد: لماذا اختير هؤلاء مع أن هناك من هو بمستواهم أو يزيد؟ أسئلة تتشكل وتتعدد كيفية صياغتها، لكنها تعني أن هناك مستحقاً للاختيار وهناك غير مستحق والأعداد كثيرة والظباء تتكاثر على خراش؛ فوجد نفسه غير قادر على الاصطياد من بين أسماء لها تجربتها وخبراتها وحضورها المتميز محلياً وعالمياً وبين أسماء شابة استطاعت أن تتجاوز مراحل كثيرة لتصل إلى تحقيق الحضور القوي في فترة قصيرة لتصبح منافساً جميلاً للسابقين.

ماذا يراد من الفنان وما الذي سيقدم له؟

أما في حال تحقيق هذا الحلم الذي قال عنه أحد الفنانين إنه حلم إبليس بالجنة، فالسؤال هو: ماذا يراد من الفنان وماذا سيقدم له وكم من الميزانية سترصد لتفرغه موزعة بين مكافأته البديلة عن راتب عمله وعلى مستلزمات العمل، سواء كان رسماً وتصويراً زيتياً أو نحتاً، مع أن في الإمكان توفير هذه الميزانيات لو وجد مسؤول يعي هذه الفكرة؟ أما السؤال حول ماذا سيقدم الفنان: هل ستترك له حرية العمل بأسلوبه وبما عرف عنه.. أم أن الأمر سيصبح وظيفة لتنفيذ متطلبات معينة لمناسبات معينة؟، مع إني أجزم بأن هذه الأخيرة لن تحدث عوداً إلى ما يعيشه الفن التشكيلي من حرية تامة في التعبير لم يعرف تاريخه، مهما كان قصيراً، أي قولبة أو توجيه أو توظيف لفكر أو هدف بعينه، وهذا أمر يحمد عليه من أسس الفن التشكيلي السعودي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب - يرحمه الله -؛ لينطلق إلى العالم بروح حضارية معاصرة وهوية محلية ثم بما يحظى به هذا الفن حالياً من مساحة من تلك الحرية نحو آفاق أرحب تتوافق مع جديد هذا الفن.

تجربة تفرغ الفنانين بالكويت

ترديد تلك العبارة أو المطلب دفعني لأن أضع المرسم الحر بالكويت مثالاً حياً لهذه التجربة التي أسست بذكاء، لكنها لم تتكرر لأسباب لا يمكن الخوض فيها؛ فأهل مكة أدرى بشعابها، ولكننا نتوقع أن ما تطرقنا إليه في بداية الموضوع جزء من معوقات تكرارها؛ فالمرسم الحر بالكويت يقام في بيت قديم يتسم بالنمط الكويتي الشعبي وقد تحولت غرفه وصالاته إلى ورش فنية تم تجهيزها من قبل وزارة التربية ومن ثم تولت الإشراف عليه وزارة الإعلام، وفي عام 1994 انضم إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

منح في هذا المرسم التفرغ لنخبة من الفنانين مثلوا أول دفعة أسس بها هذا المرسم وهم الرعيل الأول في الفن التشكيلي الكويتي الذين جاءوا على النحو التالي: عيسى صقر، خليفة القطان، سامي محمد، خزعل القفاص، عبدالله سالم، مساعد فهد، سعاد العيسى، صبيحة بشارة، جابر بوحمد، محمود الرضوان، عبدالله القصار.

وفي عام 1972 انتقل المرسم من رعاية وزارة التربية إلى وزارة الإعلام حيث تبنى المرسم العديد من المعارض للفنانين، وشملت اهتماماته الأفلام الفنية ذات العلاقة والشرائح لأعمال فنانين عالميين، وكذلك عقد ندوات ونقاشات فنية؛ مما أدى إلى إبراز العديد من المواهب التشكيلية. وقد تنوعت مناشط المرسم من نحت وطباعة فنية (الحفر والجرافيك)، إضافة إلى إقامة دورات فنية في الرسم وإنشاء مكتبة متخصصة تساعد الفنانين والمهتمين من جمهور وعشاق الفن التشكيلي على التعرف بما يوجد من اتجاهات معاصرة في الفن التشكيلي. كما يتم تقييم إنتاج المتفرغين بناءً على أسس، منها موضوع البحث الذي يرتكز عليه الفنان في لوحاته، والأسلوب الذي يتخذه الفنان وكيفية تطويره، والمستوى الثقافي الذي يتمتع به الفنان المتفرغ، ومن ثم تتم مقارنة ما تم في مراحل أعمال المتفرغ من مستوى.

كما وضعت لائحة تحفظ حقوق المتفرغين في حال اقتناء الأعمال أو المشاركة بها في المعارض الخارجية ويتم عرض إنتاج الفنانين المتفرغين في معرض سنوي. كما شارك أعضاء المرسم في الكثير من المعارض داخل الكويت وخارجها وحاز أغلبيتهم الجوائز الأولى في مسابقات ومعارض الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية.

توقف الفكرة واقتصارها

على السابقين

هذا هو المرسم الحر بالكويت، وبإيجاز لم نرَ بعده جديداً، ولم تحاول أي دولة خليجية أخرى أن تنهج النهج ذاته، ولا أدري ماذا تم في تفريغ الفنانين الكويتيين في مراحله المتتابعة، ولماذا لم تسرِ هذه التجربة في بقية الدول؟ لكن هل الوقت الحالي أكثر مواءمة واتساع الفرص لإعادة التجربة أم أنها كانت هي الأولى والأخيرة؟

monif@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة