Culture Magazine Monday  22/01/2007 G Issue 183
فضاءات
الأثنين 3 ,محرم 1428   العدد  183
 

رداً على الدكتور مرزوق بن تنباك «2»
بالدليل.. الكتاب وما فيه باطل
محمد العامر الفتحي

 

 

2 كذلك لم يعلق الدكتور على الدليل العقلي الواضح الذي أوردته لبيان الحقيقة في القضية التي تساءل هو فيها، وأجبت أنا إجابة ضرب الصفح عنها دون تعليق، وهنا أورد الفقرة بحجمها الحقيقي في قراءتي النقدية، حتى لا يظن ظانٌ أنها كانت خفية حيث قلت ما نصه:

يذكر الدكتور أن الله سبحانه ذكر قتل الولد في بعض الآيات، ولم يخص البنات بذلك، وتساءل قائلاً: (وعلى أي شيء اعتمد المفسرون في تخصيص ما هو عام مطلق في النص كله) والجواب عندي يخرج من رحم سؤاله.. فما الذي صرف أذهان جميع المفسرين منذ العصر الإسلامي الأول إلى التفريق بين البنت والولد في هذه الآيات؟! الجواب هو.. إن أذهان المتلقين لنص ما، تتلقى ذلك النص، ثم تنصرف به إلى ما يناسبه من الخبرات التي عاشتها تلك الأذهان، أو سبق أن وقفت عليها!. إن الذي صرف أذهان الصحابة والذين من بعدهم إلى هذا التفسير، هو الواقع المعيش، ذلك الواقع الذي لامس حياتهم، والتصق بها التصاقا جعلهم يعون تماما مقصد ما ورد من آيات! وهكذا فعلينا أن نختار بين فكرتين اثنتين! فإما أن نعترف بأن الصحابة والتابعين كانت لديهم التجارب الحياتية والذهنية التي أوضحت لهم بكل جلاء المقصود بالأولاد في الآيات، وهي تجارب عاشها بعضهم وسمع عنها بعضهم الآخر، وهي تجارب تتسق تماما مع ما ورد من تفسير واحد لتلك الآيات.. بدليل أننا لم نقرأ رأياً يخالف هذا الرأي الموحد.. الذي وحدته المعايشة والخبرة الذهنية، وإما أن نصدق بأن معنى هذه الآيات كان غامضا عليهم حتى جاء الفرزدق فنبههم بشعره إلى تفسير لم يكن معروفاً لديهم (كما يقول الدكتور مرزوق)! وفي هذه الحالة علينا أن نصدق أن هذه الآيات بقيت دون تأويل منذ نزولها إلى أن جاء الفرزدق! بدليل أنه لم يرد كما أسلفنا تفسير مخالف لهذا التفسير!.

كل هذه الأسطر لم يرها الدكتور فيما رأى من قراءاتي، وهذه الفكرة لم يتطرق إليها رغم استقصائه كما يقول!.

فهل يحق لي أن أتساءل حول ماهية القراءة التي تغض الطرف عما لا تستطيع!.

3 لم يتطرق الدكتور للأسطر التي أثبتُ من خلالها خطأه في الربط بين أبيات الفرزدق وتفسير المفسرين للموءودة، وفيها دليل عقلي كان عليه أن يدحضه إن استطاع!.

وأما القسم الآخر فهو ما علق الدكتور عليه وسأبين لكم من خلاله أن الدكتور يقول ما يعرف أنني لم أقصده، ويتجاهل ما عنيته.. مهما ابتعد به ذلك عن دروب المنهج!.

فأولاً: يقول الدكتور إنني جعلت الحديث مستدركاً على القرآن، ويتحدث هنا معلقاً على إيرادي لحديث عبادة بن الصامت الذي نص على أن اشتراط عدم قتل الولد قد حدث في بيعة الرجال كما حدث في بيعة النساء، خلافاً لما أكده الدكتور حين قال في كتابه (إن الدين لم يجعل عدم قتل الولد شرطاً في بيعة الرجال كما جعله شرطاً في بيعة النساء)، مستدلاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ.. } الآية

وفي رأي الدكتور أن هذا دليل على أن الرجال لم يكونوا يقتلون أولادهم وإلا لكان الدين اشترط عدم القتل لصحة البيعة..!.

جئتُ أنا لأوضح له خطأ استنتاجه بإيرادي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أورده البخاري في صحيحه والنسائي في سننه وأحمد في مسنده.. (أَنَّ رسولَ اللّهِ صلّى الله عليه وسلم، قال وَحَوْلَهُ عِصابَةٌ مِنْ أَصحابهِ: (بايعوني على أنْ لا تُشرِكوا باللّهِ شيئاً، ولا تَسْرِقوا، ولا تَزْنوا، ولا تَقْتُلوا أَوْلادَكم، ولا تَأْتوا بِبُهْتانٍ تَفْتَرونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكمْ وأرْجُلِكمْ، ولا تَعْصوا في مَعْروف. فمَنْ وَفَّى منكم فأجْرُهُ على اللّهِ، ومن أصابَ مِنْ ذلك شيئاً فعُوقِبَ في الدُّنْيا فهُوَ كَفَّارَةٌ له، ومَن أصابَ مِنْ ذلك شيئاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللّهُ فهُوَ إلى اللّهِ: إنْ شاء عَفا عنهُ، وإن شاء عاقَبَهُ). فبايَعناه على ذلك).. حيث ذكرتُ للدكتور أن هذا يصلح دليلاً على أن الدين قد جعل عدم القتل أحد الشروط حتى بالنسبة للرجال!.

ولكن الدكتور بدلاً من أن يقر بأنه أخفق هنا، راح يجادل بأنني قد جعلت الحديث مستدركاً على القرآن.. وأنا على يقين من كون الدكتور يعلم أن هذا الفهم بعيد، ومحال أن يكون هو خالص فهمه، وأنا على يقين كذلك أن الدكتور إنما بحث عن إبطال الدليل الذي أوردته، فلما لم يستطع، التفت إلى الجانب البريء ليتهمه في براءته!.

أراد الدكتور أن يخرج من الحرج فوقع في الغلو!..

ولو علمت أن الدكتور لم يصل إلى المعنى الذي أردت، لبسطت له المسألة، ولقلت له: إما أن تعتبر الحديث النبوي من الدين، فتعترف بأنني أوردت من الدين ما ينقض قولك (لم يجعل الدين عدم القتل شرطاً في بيعة الرجال كما جعله في بيعة النساء).

وإما أن تعتبر أن الحديث ليس من الدين، وسنخرج عندها إلى أمر آخر ليس هذا مجاله.

هذه هي المسألة بكل بساطة، والدكتور يعرف هذا وينصرف عنه.

وثانياً: الدكتور يقع في خطأ التأويل في أمر بالغ الوضوح، حتى إنني أشك في حقيقة الخطأ هنا كما شككت في غيره، فمن غير المعقول أن الدكتور لم يصل إلى المعنى المراد رغم وضوحه..

والقضية التي أعنيها هنا هي: أن كتاب الدكتور يقوم على نفي قضية الوأد، وقراءتي له تنطلق لمناقشة الأدلة التي أقام عليها نظريته.

وقد أثبتُ أن الدكتور يفترض افتراضات خاطئة ثم يبني عليها حقائق متوهمة، تنتج عنها عنده نظرية.. ولكنني حين أناقش هذه الافتراضات لأبين له زيفها، يعود فيقول إنها مجرد افتراضات! سبحان الله.. إنك تقيم على الافتراض أركان نظرية، ثم تنسلخ عنه حين أسقطه!.

إن ما أسماه الدكتور احتمالات جدلية كان يقوم على افتراض خاطئ، حين يقول الدكتور إنه لو كان الوأد حقاً والاستنقاذ حقاً لكان أبناء وأهل المستنقذين من الوأد قد مدحوا منقذيهم.. وأنا أقول إن الترتيب المنطقي الذي قصدته أنت، ومن أجله أوردت أنت هذه الفرضية، يتطلب لكي يكون إيراده ذا فائدة، أن يكون عدم وجود القصائد التي تمدح المنقذين دليلا على عدم وقوع الاستنقاذ وبالتالي دليل على عدم وقوع الوأد!.

هذا ما فهمته، وهذا ما أردته أنت تماماً، ولكنني حين أثبت لك بالعقل والمنطق أن افتراضك هذا خاطئ من أساسه، ولا يمكن الركون إليه، أو اعتباره دليلاً، وقلتُ إن المديح لهم غير ممكن حتى لو وقع الاستنقاذ، على اعتبار أن الوأد لأجل الفقر عار، فكيف يمدح إنسان إنسانا استنقذ أمه دون أن يعرض أجداده وعشيرته للمهانة.. عندها أسقط في يدك، وسقط دليلك، فلم تجد إلا أن تقول: إنما أفترض افتراضاً.. ونسيت أنك بنيت عليه حكما!.

ثالثاً: يناقشني الدكتور في مسألة بالغة الوضوح، فهو أولاً لا يتطرق إلى ما أثبت به خطأ تأويله لكلمة يمسكه ويدسه في قوله تعالى (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ).. فقد جعل الدكتور في كتابه يمسكه بمعنى يخفيه ويدسه بمعنى يخفيه كذلك، وتجاهل في البدء القرينة الواضحة في قوله تعالى: (في التراب)، ثم تنبه فلم يجد بُداً من تأويلها بما يتناسب مع نفيه للوأد فجعلها بمعنى مرغ أنفه بالتراب..!

وقد كان لي أن أعترض عليه هنا بأنه:

1 فسر الآية على غير وجهها وهذا يناقض قوله هو في كتابه: (والقرآن كما نعلم يفسر على ظاهره ما لم يكن هناك صارف يصرف عنه).

ولقد تساءلت في قراءتي عن الصارف الذي وجده الدكتور، ولكنه لم يجب.

2 كذلك كان لي أن أعترض لأنه جعل يمسكه ويدسه بنفس المعنى ويصرح بالمعنى الذي اكتشفه وهو (شدة الإخفاء) حتى إنه يتطرف جداً في تفسيره لكلمة يمسكه فيقول: (..... وهنا جاء التعبير بالدس في التراب، وهو أقصى ما يعبر عنه بالإخفاء وكذلك الإمساك بالهون استعمال أقوى في بلاغة التلقي لما يريد الإنسان إخفاءه إخفاء كاملاً له، وكلمة الهون والتراب تؤديان معنى الذلة والضعف). ومن الواضح أن العلاقة بين يمسكه ويدسه في التراب علاقة تضاد لا علاقة ترادف.. ولكن الدكتور لم يجب.. وبدلاً من ذلك راح يقول لي (وارجع إلى كل معاجم اللغة ستجد أن المادة تعني الإخفاء ولا تعني القتل البتة) وأنا أريد أن أذكر الدكتور بأنني لم أتحدث عن القتل، وإنما عن الوأد.. والوأد كما يعلم الدكتور دسٌ في التراب.. ولهذا سميت العملية وأداً ولم تسم قتلاً..!

وهي إخفاء في القبر بقرينة التراب!

وهي ذات القرينة التي حاول الدكتور إخفاءها في الحديث الشريف (من ستر مؤمنا كان كمن أحيا موءودة من قبرها) وسيأتي!.

كل هذا لا يناقشني الدكتور فيه لأنه لا يستطيع.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة