Culture Magazine Monday  22/01/2007 G Issue 183
نصوص
الأثنين 3 ,محرم 1428   العدد  183
 
رهام
شريفة عبد الرزاق المرهق سكاكا الجوف

 

 

الغرفة خانقة على الرغم من إضاءتها القوية بدا الظلام الدامس يقبع في زواياها الكئيبة والفضاءات الواسعة تضيق وتضيق لتجثم على أنفاسي لتحرق أشلاء الأمل المتبقي في أعماقي وتلك النظرات الكئيبة التي رمقتني بها رهام......... في ذلك اليوم الأسود البغيض مازالت تقطن في كل ركن في داخلي لتصنع من أعماقي شرنقة حزن أبدية ولتبقى صورة رهام محفورة في الذاكرة بنقش فريد مبهر تلك الليلة المفزعة لم تزل على الرغم من مرور خمس سنوات تؤرق مفجعي بأحلام مفزعة مخيفة في تلك الليلة وقفت بجانب صغيرتي رهام التي لم تكمل بعد ربيعها الثامن وذلك الطبيب ذو الملامح الباردة الجافة وتلك النظرات القاسية المختلطة بأكداس من الشفقة والعطف حدثني بينما عيناه تسرق النظر إلى رهام وهي مطبقة جفنيها على إغفاءة من اثر المسكن الذي أمر الطبيب بإعطائها إياها ليخفف عنها تلك الآلام المبرحة التي أثقلت جسدها الهزيل قال........... وكان كلماته ألف خنجر وخنجر امتدت لتستقر في أعماقي المرهقة لا أخفي عليك حالتها حرجة للغاية وهي في المراحل الأخيرة من المرض لقد سيطر المرض على معظم جسدها حتى وصل إلى عينيها ففقدت الرؤية وفقدت الإحساس بأطرافها السفلية وربما........ وربما........... صمت الطبيب فجأة كأنه يريد أن يمنحني مهلة استجماع قواي المنهكة؟؟.

ثم عاد يكمل وعيناه بين الفينة والفينة ترمقان وجه رهام الملائكي البريء ربما.... لن تعيش أكثر من أسبوع بعد يوم أو يومين سوف يصل الورم إلى الدماغ..... وتصبح في غيبوبة وبعد ذلك....... الأعمار بيد الله لقد أطلق تلك الطعنات القاتلة وانسل خارجاً من الغرفة تهالك جسدي وخارت قواي وعجزت قدماي على حمل تلك الطعنة المدمرة... ارتميت على الكرسي الخشبي وأجهشت بالبكاء وفي أحداقي صور شتى لرهام بوجهها ذي الملامح الجميلة الاخاذة بعينيها الاسرتين بنظراتها الطفولية الساحرة بمرحها المعتاد بنشاطها الدائم بدلالها المحبب الذي لم يزدها إلا جمالاً وذكاءً وفطنةً وضعت رأسي بين يدي وكان جدران تلك الغرفة الباردة تقترب مني أكثر وأكثر وأكثر لتطبق على أنفاسي وتفتق جراح غائرة تنزف دما واسى صوت رهام تناديني قائلة. :ماذا حدث لماذا تبكين لاشيء لاشيء ياحبيبتي أجيبيني لماذا لم أعد أرى سوف ترين بإذن الله لا تخافي أريد أن المس قدمي اقترب منها أرفع قدميها الصغيرتين أسند ظهرها بينما تقوم هي بتحسس قدميها ثم ابتسمت بفرح قائلة: الحمدلله اعتقدت أن قدماي قد قطعت انظر إليها والدموع تتراقص بغزارة في عيني بينما أحاول جاهدة ألا تحس ببكائي وهلعي وخوفي عليها ضممت جسدها الصغير وأخذت الثمها بالقبلات ضممتها بقوة آلمتها لأنها من شدة الألم لا تود أن يقترب أحد إلى جسدها.

أخذت تئن بصوت واهن، وضعت كفيها الصغيرتين بين يدي: مابك ياحبيبتي انني أشعر بآلام شديدة أرجوك اطلبي لي الممرضة لتعطيني إبرة مسكن صدقيني لقد اعتدت على الإبر أرجوك، طلبت الممرضة أعطتها إبرة المسكن......... وراحت في نوم عميق وضعت ذراعي تحت رأسها طوقتها بذراعي أحسست بأنفاسها الحارة وبحرارة وجهها الملتهب تكاد تحرقني أخذت ارقبها وهي تغط في سبات وقد اتشحت الحياة بلون أسود قاتم وتراكمت المعاني المريرة والأفكار القاتلة في رأسي... (وارهاماه..) وأخذت الأسئلة تدور في أعماقي الموحشة كيف تكون الحياة بعدها...؟... وكيف لي الصبر عنها.....؟... وهل يعقل أن أعيش بعد فقدها حياة طبيعية مستقرة ؟

وقفت كالمجنونة اتجهت إلى إحدى زوايا الغرفة وقفت وأخذت اضرب الحائط بيدي واصرخ بصوتٍ خافت ركيك: كم هي قاسية الأيام بعدك وكم هي كئيبة مظلمة حياتي بدونك مرت ليلة... ليلتان.... ولفظت رهام أنفاسها الأخيرة صرخت كالمجنونة.... كيف أقوى على الرحيل كيف.... لقد رحلت رهام لقد ذبلت تلك الزهرة التي تنشر شذاها على أيام حياتي وضعت رأسي بين يدي في هذه الليلة وقد مر على رحيلها ما يقارب خمس سنوات وأنا اختال رهام تقفز من مكان إلى آخر.... اختالها تبتسم.... تشدو بمرح طفولي بريء رفعت رأسي وإذا بالدموع تملأ كفي دون أن أشعر واطرقت أردد... وارهاماه.... وارهاماه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة