Culture Magazine Monday  23/04/2007 G Issue 196
فضاءات
الأثنين 6 ,ربيع الثاني 1428   العدد  196
 
مأزق المقالة
بين خصوصية الفن ووعي المتلقي
منيرة المبدَّل*

 

 

تناولت في مقالي السابق المعنون ب(المقالة والنقد الأدبي: تجاهل النقاد والاستنساخ!) المعضلات التي تحول دون دراسة فن المقالة؛ من واقع تجربة لصيقة. وها أنا اليوم أكمل ما بدأت به في ظل امتداد التأزم النقدي إزاء فن المقالة منذ توقف الدراسات والإصدارات زهاء عشرين عاما، تلك التي حاولت المساس بهذا الجنس الأدبي.

(المأزق) التي تعيشه المقالة بحثاً ودراسة وإبداعا - في تصوري - يكمن في ثلاثة اتجاهات رئيسة، هي:

1- افتقاد فن المقالة للجماليات الفنية - عند بعض الدارسين - مما يلقي بظلاله على درجة استمتاع القراء بهذا الفن الإمتاع الفني والنفسي!

2- خفوت الأثر الفكري للمقالة، الذي يراه بعض المهتمين سدا منيعاً يقف أمام التأثر والتأثير في جمهور القراء الذين يمثلون (الرأي العام) للمجتمع!

3- توافر النتاج المقالي، والإقبال على كتابته بشراهة؛ في ظل غياب فاضح للنقد والتمحيص لهذا التيار الجارف من أعداد المقالات والأقلام التي تقذف بها أرحام المطابع كل يوم، ما أدى الى الامتزاج والالتباس في أذهان المتلقين على مستوى المنتج!

ونجد في هذه الاتجاهات، مغالطة واضحة، تكشف لنا مدى التبصر بالخصوصية التي تتمتع بها المقالة، والجهل من قبل بعض المبدعين والمتلقين على السواء بماهية كتابتها، والتعامل معها وفق خلفياتها التاريخية والثقافية.

فالحقيقة التي لا مراء فيها؛ تثبت تمتع المقالة بجماليات فنية، تنفرد عما سواها من الأجناس النثرية الأخرى، يجد من خلالها المتلقي - القارئ مبتغاه، وسيأتي الحديث عنها مفصلة في مقالات لاحقة بإذن الله.

ومن زاوية أخرى، فإن قراءة عجلى لتاريخ المقالة عربياً، تجعلنا نقف وجهاً لوجه مع الفن الأدبي الأول الذي تصدى في فترات تاريخية سياسية من حياة بعض البلاد العربية، التي كانت ترزح تحت وطأة الاستعمار والاحتلال الأجنبي لأراضيها!

حيث نهضت أقلام الكتاب المقاليين في التصدي والرفض لكثير من المواقف السياسية المناهضة لقضايا أمتهم. فكانت المقالة السياسية بمثابة لواء الدفاع عن الحقوق؛ واستطاعت أن تحرك الجمهور العريض في تلك البلاد، وتبث الروح والحماسة فيهم؛ مما تكشف بقوة القدرة الفكرية التأثيرية التي تمتلكها المقالة دون سواها في حمل الفكر والفكرة، وإيصالها بعمق لجمهور المتلقين وكسب المواقف أياً كان توجهها، في ظل رغبات كتابها!

وفي فترات لاحقة، عاشت المقالة الاجتماعية ذات التأثير والمكانة التي عاشتها المقالة السياسية سابقاً، وهي ما تعيشه المقالة الأدبية النقدية في اللحظة الآنية أيضاً، مما يؤيد الحكم بالصدارة لفن المقالة عموماً في ميدان الأثر الفكري العالي، الذي تتركه على جمهور متلقيها وهو رد صريح لمن اعتقد بخفوت أثرها!

في حين نعيش معادلة غير متكافئة الأطراف؛ في ظل الزخم الكمي الكبير في كتابة المقالة، وحجم التعاطي النقدي والدرس الأدبي والبحث الجاد المتقلص في ميدانها!

وتشخيص الواقع المقالي هنا؛ محاولة جادة لاستنهاض الهمم، ودفع العجلة إلى الأمام في سبيل إخراج المقالة من مأزقها، والتعامل معها كفن أدبي إبداعي، مع رسم أطر وملامح جديدة في سبر أغوارها بعد مرور أزمنة غابرة لم يحرك فيها النقد ساكنا!

ربما الموقف لا يتطلب منا نقادا كنا أو متلقين أو كتابا للمقالة؛ إلا الوعي وإعادة قراءة هذا الفن الجميل من منطلقات تحديثية أدبية، قاعدتها التحرر من الرؤى الشكلية القديمة، ومراعاة الأطر الزمانية والمكانية، وفي تصور كامل للتداعيات المرحلية من أجل أن نعيد لهذا الفن المغيب توهجه ورونقه!

*باحثة مختصة بدراسة فن المقالة e-mail:m8n8m@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة