Culture Magazine Monday  23/04/2007 G Issue 196
نصوص
الأثنين 6 ,ربيع الثاني 1428   العدد  196
 
حقيقة الصمت
أحلام خميس الزعيم

 

 

أن تسمع صوتا هنا هو أغرب ما قد يحصل على الإطلاق، كل شيء هنا يتناغم بصمت مع حركة الأيدي، حتى أنا - المتحدثة الوحيدة بالمدرسة - بدأت حصتي في الكلمات تنكمش وتتقلص شيئا فشيئا، ولم تسلم علاقتي الزوجية من هذا الصمت المطبق علي، خاصة أن حساسية زوجي المفرطة نحو حركات كفي والتي تصدر دون قصد أثناء كلامي القليل أصبحت تزداد يوما بعد آخر..

الأوراق أمامي كثيرة وطويلة جدا، هؤلاء الصبية لا يملون الكتابة لي، ولا يتورعون عن ذكر كل أسرارهم أمامي، بدأ من أول شعور نحو الجنس الآخر وحتى غضبهم من كل من لا يفهم لغة الإشارة!!

***

ورقة محمد وحدها جلست أمامي لثلاثة أيام متواصلة، محتواها أرق تفكيري.. (الناس يزورون أمي كثيرا، وهي دائما في السرير، سارة قالت لي إن أمي متعبة جدا وأن عندها ورم في الرأس، وحين سألتها عن الورم نهرتني بشدة ثم ضمتني وبكت، أخبرتني بعدها أن الورم شيء ما كالكرة الصغيرة يأتي فجأة لأجسامنا ويؤلمها بشدة. كطفل في السابعة فهمت بعض أجزاء حديث سارة واكتفيت. فقط أذكر أن النساء كن لا يغادرن منزلنا أبدا، كنت أشتاق لأمي كثيرا.. وكانوا يمنعونني من رؤيتها دائما. ذات ليلة كنت نائما وهزتني أيدي الكوابيس فأوقعتني من سريري على رأسي مباشرة، وهذه المرة لم تأت أمي كالعادة لتمسح على رأسي وتنام بجانبي، تألمت كثيرا وبكيت ثم أكملت نومي. حين استيقظت لم يغادرني ألم السقوط ووجدت كرة صغيرة في رأسي، وتذكرت أن أمي مريضة وأن لها كرة صغيرة برأسها كما تقول سارة، كنت أتألم لكنني كنت أمشي ولم أكن في السرير كأمي، قررت حينها أن أجعل أمي تمشي مثلي وتغادر فراشها وقررت أنني سأخبرها أن الكرة في الرأس لا تؤلم كثيرا وأن بإمكانها أن تقوم معي لنلعب مع هرتنا الصغيرة كما كنا نفعل، تسللت بين النساء وصعدت فراشها، زحفت حتى رأسها وهذه المرة لم يمنعني أحد..

- ماما.. ماما.. أنا عندي كرة صغيرة برأسي لكن أستطيع أن ألعب.. ماما هيا الكرة لا تؤلم كثيرا..

وبحركة ميكانيكية حملتني إحداهن وغطت رأس أمي. ولم أر رأس أمي بعدها.. ولأن أمي صامتة.. ولأنني أحب أن أكون كأمي، أردت أن أصمت!! فصمت ولم أحك بعدها!).. ثلاثة أيام تؤرقني بها يا محمد..

لأنني أحب أن أكون كأمي، أردت أن أصمت!!

أردت أن أصمت!!

أردت...

***

في صباح اليوم الرابع وحين بدأ وقت الاستراحة تحديدا، أشرت للجميع بحركة ينتظرونها دائما تعني سماحي لهم بالخروج للعب. وأشرت لمحمد أن ينتظر...

وحين خلا الفصل إلا مني ومنه..

- أنت تحكي إذن؟!

- أجل


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة