Culture Magazine Monday  23/07/2007 G Issue 208
الملف
الأثنين 9 ,رجب 1428   العدد  208
 

عاشق في قصيدة
د. صالح بن عبدالعزيز المحمود*

 

 

تتلمذنا على أستاذ الجيل -كما نحب نحن تلامذته أن نطلق عليه- الدكتور محمد بن سعد بن حسين، وعرفناه أديبا وناقدا وكاتبا مؤلفا ومثقفا، أنفق الجهد والوقت في سبيل الاستزادة من فروع المعرفة وغصون العلم، واقتربنا منه أكثر وأكثر فرأينا فيه الإنسان كما نحب أن نراه، عرفناه والدا ومربيا، ناصحا وموجها.

حينما أكتب عن ابن حسين الناقد الأديب، أو ابن حسين الكاتب المؤلف فإنني بالضرورة لن أقدم جديدا يذكر، ولذا فكرت أن أكتب عن ابن حسين الإنسان، وابن حسين العاشق، وأعلم أن هذا سياق كبير يصعب على مثلي أن يحيط به، ولكني يممت وجهي تلقاء ديوانه الأثير (أصداء وأنداء) لأقرأ إنسانيته، وأستلهم روحه الرفافة هناك، وقد وقع بصري أول ما وقع على قصيدة تكشف الكثير مما أريد تناوله عن أستاذي الكبير، إذ صورت موقفه من الشعور الإنساني الخالد والأنبل (الحب) ذلك الشعور الذي يغذي الروح بالحياة.

إن أبرز ما يلفت النظر في موقف الدكتور محمد بن سعد بن حسين من الحب نزعته إلى استجلاء حقيقته ومفهومه من منظور شعوره الإنساني، وما يحس به وجدانه، وهذه النزعة تعكس قدراته الإنسانية والثقافية الخاصة، ذلك أن الشاعر الذي يميل إلى تفسير الظواهر التي يشعر بها هو شاعر مثقف وقادر على التفاعل والحركة في الدائرة التي يضعه فيها تفكيره أو إحساسه، كما تعكس تلك النزعة صدقاً وحيوية في مشاعره الذاتية، إذ لن يجترئ الشاعر على محاولة استكناه ظاهرة يشعر بها ما لم يسكنه همُّها، وتستوطنه معاناتها، فهو يحاول تفسيرها طلباً للتعايش معها وفهمها الفهم الأمثل.

ومن أجود الرؤى في هذا السياق تجربة للشاعر الدكتور يعنونها بتساؤل مشبع برغبة شعورية في تفسير ذلك الشعور الإنساني السامي، (ما الحب؟) يقول ابن حسين:

الحب ما أشرقت في الروح عفته

وازدان بالطهر في سرّ وإعلان

الحب ما ذابت الأرواح في وهج

من نوره لا، لذاذات الهوى الفاني

الحب أشواق أرواح منزهةٍ

عن كل ساقطة يرنو لها الجاني

الحب أفراح نفس من طهارتها

تحيا نعيم الهوى في عالم ثاني

زانت أحاسيسها أفراحه وبها

مما تعانيه من نار الهوى الشاني

ينفي لذيذ الكرى عنها فيؤنسها

طيف إذا زار لم يسمح بنسيان

تغفو على همسة الأجفان مرهقةً

من سهدها آه من سهدي وأجفاني

آه على سالف أمست نضارته

حلما غفا خلف إحساسي ووجداني

وكما تعكس الأبيات، فالشاعر كان ذا نظرة عالية، ورؤية متسامية إلى الحب، رؤية تحتفل بالروحي، وتتجافى عن الحسي، فالحب شعور تشرق في الأرواح عفته، يزدان بالطهر، وتذوب الروح من نوره، فهو الشوق منزهاً عن كل سقوط، وهو الفرح مضمّخاً بالطهارة، إنها معانٍ سامية تعكس الرؤية الإنسانية في أكثر أبعادها سمواً وإشراقاً.

ولو تأملنا التجربة من زاوية اللغة لوجدنا أن مفردات الضياء والنور تسيطر عليها، كما أن مفردة (الروح) تتكرر في الأبيات متعالقة مع مفردات الضياء، وهو ما يزيد الرؤية إشراقاً وروحانية، ويمنحها أبعاداً إنسانية أكثر جمالاً، وأظن الشاعر أراد من خلال تلك المفردات إيصال هذه الرؤية إلى المتلقي، ليشعره بجمالية الحب وعظيم إحساسه به.

وفي الضفة الأخرى نرى اللغة السلسة الطيّعة، التي تتصف بالعذوبة والإيقاع المؤثر، نراها في بعض التجارب التي تتخذ الحب بصورته الإنسانية الفاضلة موضوعاً لها، محاولة سبر غوره، والوصول إلى حقيقته ومن الواضح أن اللغة الشعرية أدّت دوراً فاعلاً في الإبانة عن الرؤية، وذهبت أبعد من ذلك حين أسهمت في إثرائها عن طريق تزويدها بالمفردات الدالة على معاني النور والطهر، وهي تشيع في النص بشكل واضح مناسِبةً للموقف الإنساني من الحب، بيد أن اللافت في لغة هذا النص هو عذوبتها وسلاستها الظاهرة التي تواءمت والرؤية بشكل زاد التجربة جمالاً، وأسبغ عليها تميزاً وألقاً.

هكذا كان الشاعر العاشق، متساميا دائما، ومحلقا دائما..

+ كلية اللغة العربية بالرياض - قسم الأدب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة