Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 

وجوه وزوايا
غريب!
......أحمد الدويحي

 

 

تكاد الأيام تمر خلسة، تمضي سريعة ولست أعرف من يسرق الأخر نحن أم زماننا، زماننا المليء بتقلبات الأفراح والأوجاع، تأتي معا وقد تأتي فرادى، فلا نعرف كيف نفرح في فرحنا، ولا كيف نتلذذ بوجعنا، ومتى كان للوجع لذة؟

تمتزج فينا أحيانا مشاعر متناقضة، فلا نعرف حدودا لها إلا بالمعرفة، بالمعرفة وحدها نستطيع قراءة واقع ما ووجه ما، حينما تختلنا الأيام ونصحو على واقع جديد، فنتلفت حسرة يمينا وشمالا، كأننا نكتشف واقعا جديدا، فيذهب كل وسم سكن الذاكرة، وتبقى حروف المعرفة منقوشة ما بقى الدهر، نتذكر وجوه كثيرة في المشهد الثقافي، وسمت هذا الواقع وتوارت في الظلال، نعرفهم في الأمسيات والمنتديات بوعيهم وحضورهم، شكلوا فينا الحب وفي دواخلنا الهمس . . أحبه كثر وأصدقاء أكثر، لم نجد في زحمة النسيان ذواتنا، لنرفع لهم تلويحة حب معنونة بما قدموه، لنكاشفهم لحظة الفرح، ونقاسمهم لذة الوجع، عضو نادي الباحة الأدبي الدكتور عبد الله غريب واحد من هؤلاء الأحبة، فقد عرفت مناقب الرجل في غيابه، واستكشفت مواقع لذة الوجع في شخصه، فجاءت كلمات مجا يليه وأصدقاءه عفوية وصادقة وحارة، ليصبح حضوره واقعا في أروقة ملتقى الباحة للرواية في الصيف، فما من جلسة حوار بين مثقفين في أيام اللقاء، لا يرد فيها حضور وجمال شخصية عبد الله غريب، عرفت عبد الله غريب حقيقة في ملتقى الرواية بالباحة، وكان اسم الرجل قد مر من ضمن أسماء أعضاء النادي في تشكيلته الجديدة، وكنت أسمع عنه كفاعل ثقافي في منطقة الباحة، جيل تربي علي يديه معلما وموجها، ووجد في النادي في المرحلة الأخيرة مكانا أثيرا، يظن أن في هذا المكان وهو القادر على صياغة التحولات، وكتابة تشفى وجع الروح وبارقة الفرح.

عرفت عبد الله غريب لساعات قليلة، صادف أن تلاقت وجوهنا في معرض الكتاب الأخير بالرياض، وسمعت منه كثير من الآمال والأحلام والوعود، بفعل ثقافي حقيقي يكون موسما للثقافة في الباحة، وافتقدته في الباحة ولم أفقد سيرته العطرة، قد أنسى اللحظات التي نأتي فيها على ذكره، دأبه ونشاطه وفاعليته وطموحه، إلا تلك اللحظة التي وقف فيها الأستاذ أحمد حامد رئيس النادي، حينما كان الوفد الثقافي في تلك الرحلة، يتنقل في يوم جميل وممطر، ليزور المواقع الأثرية والجميلة في المنطقة وما أكثرها، فوقف بنا على هامة رأس جبل مرتفعة، وأشار بحزن إلى بيت زميله عضو النادي، وكأنه يشير إلى موقع أثري هام، حينها أدركت كيف يشكل غياب عبد الله غريب، هالة من الوجع اللذيذ لأصدقائه وأحبابه، وأدركت حينها أن الحب لا يأتي من العدم .

عبد الله غريب الذي أخذتني الأيام كثيرا عنه، أجزم أنه ليس وحيدا وحده، يواجه المرض الوحش الذي ينهش جسده النحيل، فلن يكون إلا محفوفا بدعاء وحب الذين عرفوه، وقدروا حجم عطائه ونبله، بالأمس القريب هاتفته لأول مرة، وبي أحمال ثقيلة من الحرج الغرير مبرر، ففاجأني الرجل بروحه العالية، ويبادرني بالسؤال قبل أن أبادره للاطمئنان عليه، فكان الفرح عظيما بتجاوزه للعملية الثانية، فتذكرت الراحل الكبير عبد العزيز مشري وقدرته على مواجهة الألم، وتجاوزه بالكتابة والحب، وحينها تذكرت الصديق الفنان الموسيقي ودارس المسرح ناصر الخطيب، فهذا الإنسان كما كان طاقة فنية هائلة، لم نعرف تماما قيمته وقدره، ولا أظن أن (أبا معتصم) نفسه، عرف حجم موهبته الكبيرة، فظل يعطي في كل المحطات التي مر بها بلا حدود، تذكرت ناصر الذي يواجهه الآن عمليات بتر أقدامه بثبات وقوة، حينها سقطت دمعة ممزوجة بالفرح والألم معا، ونظل نردد معا نعيب زماننا . .

دعاء حار بشفاء الصديقين الجميلين من أوجاعهما، ولقاء وجوههم وعطاء اتهم الرائعة، وهم ونحن في أحسن الأحوال..

- الرياض لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5212» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة