Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 

شجون الكتاب العربي
د. عبد الله أبو هيف

 

 

تطرح قضية الكتاب العربي نفسها بقوة بين الحين والآخر بوصفها قضية قومية قبل أن تكون معرفية وفكرية. على أنني سأناقش في هذه المقالة موضوع انتشار الكتاب العربي والصعوبات التي تواجه هذا الانتشار مشيراً إلى الجهود العربية في هذا الإطار.

لقد بات مألوفاً أن الكتاب العربي في أزمة، وصار معروفاً أن الخروج من الأزمة مرهون بعمل استراتيجي قومي شامل صناعةً وتوزيعاً وانتشاراً وتعريفاً، على مستوى منتجيه من الكتّاب والمؤسسات، وعلى مستوى متلقيه من القرّاء، وكان كثير من المختصين والمعنيين قد تحدثوا بمرارة عن بعض أوضاع الكتاب كأن يعامل في بعض الحالات كما تعامل المهربات والسلع التجارية الرديئة، وإن القرش العربي لا ينتقل من قطر عربي إلى آخر إلا بعد أن يتبارك في أحد مصارف نيويورك أو باريس أو لندن، ليصبح صعباً، عملة ووصولاً، وإن شحنة الكتب لا تصل من قطر عربي إلى آخر في وطننا العربي الكبير إلا بعد وقت طويل جداً، وقد لا تصل، وإن الناشر التاجر يستغل المؤلف والقارئ معاً.

على الرغم من الحديث المكرور حول حقوق المؤلف، وحق القارئ بالثقافة، وأهم وسيط لها هو الكتاب بدون جدال، فإن مشكلات الرقابة وحرية انتقال الكتاب العربي لا تزال قائمة، وإن مشكلات اقتصاديات الكتاب وإبعاده عن مفهوم الخدمة الثقافية لا تزال قائمة أيضاً، عدا مشكلات أخرى تعبّر عنها تطلعات ما زلنا نأمل أن تلقى العون والرعاية في خطط عربية لمواجهة أزمة الكتاب، ومن أهمها استصدار تشريع عربي موحد يضمن حقوق المؤلف العربي، وإيجاد قانون عربي موحد للمطبوعات في الوطن العربي يتضمن أصول إجازة المصنفات وإيداعها وترقيمها حسب الترقيم الدولي الموحد، ووضع أنظمة تعاقدية للنشر بين قطاعات إنتاج الكتاب وتوزيعه، ووضع أنظمة عربية لاستيراد الكتاب وتصديره، وإقامة صناعة ورق عربية متقدمة مع لوازمها... الخ.

على أنني لا أريد الخوض في مشكلات الكتاب العربي إلا من جانب واحد هو مشكلة انتشار الكتاب إلى كاتبه ومتلقيه القارئ، أي وصول الكتاب إلى الكاتب من جهة، وإلى القارئ من جهة أخرى، وعلى وجه الخصوص جانب التعريف بالكتاب وعرض الكتب ومناقشتها والتعليق عليها ونقدها، لأن هذا الجانب من أهم جوانب المصادر الثقافية في عصرنا حتى غدا هذا الجانب فناً، له أصوله وخصائصه والمتخصصون فيه الذين ييسرون للقارئ سبل الاتصال بالثقافة الرفيعة والثقافة الشعبية والثقافة الحقة، ويضعونه في أنواع الكتب ومستوياتها الفكرية والفنية وقيمتها في مجالها المعرفي، مثلما تعنى بالفهرسة وتنظيم المعلومات حول الكتاب والتراث الثقافي، فقد ظهرت مجلة (الكتاب العربي - القاهرة) في منتصف الستينيات، وكانت مهمتها هي عرض الكتب المؤلفة والمترجمة ونقدها في مجالات العلوم والفنون والآداب، بالإضافة إلى أبواب لعرض أخبار الكتاب العربي في العالم، وتيارات في المجلات والصحف، وجولة بين الكتب، وهي أشبه بمعلومات فهرسة حول الكتب مع تعريف موجز لا يتعدى مائة كلمة. ثم ما لبثت أن تحولت إلى مجلة للفهرسة وتاريخ الكتاب أساساً، فتبدل مفهوم الرسالة والجمهور، وكان الخلل، وعلى الرغم من أهمية هذه الدورية، فإنها أوقفت مع سواها من المجلات الثقافية في مطلع السبعينيات.

وظهرت مجلة (تراث الإنسانية) في منتصف الستينيات أيضاً في (القاهرة)، وحصرت بعرض معمق لأمهات الكتب في تراث الإنسانية، فكانت زاداً ثقافياً لا غنى عنه، ومن مزايا المجلة أنها لا تعرض للكتب الصادرة باللغة العربية فحسب، بل غالباً ما عرضت كتباً أساسية لم تترجم إلى العربية بعد، ثم اهتمت بالكتب التراثية، وهي مخطوطة لم تطبع بعد.

إن أسلوب المجلة هو عرض سيرة الكاتب ومؤلفاته ومذهبه وتفكيره واهتماماته الإبداعية أو الفكرية أو العلمية، وعرض موسع للكتاب والنقد حوله ومقتطفات منه. وخلال عاميها الأخيرين وبعد تحول الإشراف عليها لهيئة تحرير جديدة، أصبح كل عدد مخصصاً لأبرز أمهات الكتب في موضوع معين من الموضوعات التي صدرت فيها أعداد: (النشوء والتطور) و (الفكر الإسلامي) و (في الحرب السياسية - اليونان والرومان)، ثم أوقفت المجلة في الوقت نفسه على الرغم من الحاجة إليها، وصدرت في مطلع الثمانينيات، وقبلها بقليل مجلات للفهرسة وعرض الكتب غالباً ما ارتبطت بغايات تجارية كالإعلان، أو بتضييق مفهوم الرسالة (الاهتمام بعينات من الكتب)... الخ.

توقفت دوريات عربية أيضاً عن النشر مثل: (كتب عربية) (دمشق) و (الكتاب) (بيروت). ونشير إلى خطة تحرير بعض هذه المجلات باختصار. ووصفت هيئة تحرير (كتب عربية) بأنها مراجعات نقدية، وعلى الغلاف الداخلي (كتاب غير دوري يهتم بمراجعات الكتب)، وكانت تعرض كتباً في الأدب والفن والاقتصاد وعلم النفس، بالإضافة إلى (بيبلوغرافيا) لبعض الكتب الجديدة، وتبدو نوعاً من الإعلانات.

أما (المكتبة العربية) فكتب ناشروها على غلافها أنها تعنى بمتابعة حركة النشر في لبنان والوطن العربي، وكانت أبوابها تتسع للمقالات والكتب تحت الطبع والتحقيقات والتقارير والملفات الإعلامية والبيبلوغرافية، (حول المنشورات الأخيرة لغالبية دور النشر)، والعرض والنقد الموجز (بحدود صفحة لكل كتاب)، وغالباً ما تخلو المواد من أسماء كتّابها أو موقعيها، وربما كانت صفحات الإعلانات هي الأهم في المجلة.

ثم صدرت مجلة (الكتاب)، وهي ثقافية شهرية تعنى بشؤون الكتاب، ولكنها توقفت قبل أن تتم عامها الثاني على الرغم من إمكاناتها الهائلة في عرض الكتب وخدمة التعريف بالكتاب. ومن أهداف المجلة أنها:

1- تقدم في كل عدد طائفة من أهم الكتب التي تصدر باللغات الحية في شتى ميادين المعرفة في الوطن العربي والعالم.

2- تولي اهتماماً خاصاً لقضايا الوطن العربي الراهنة ورؤى المستقبل العربي.

3- تعنى أساساً بمراجعة الكتب التي تصدر حديثاً (كتب الثمانينيات)، ما عدا (صدر قديماً) و (مراجعة مخطوط).

4- تنشر المقالات ذات الصلة الوثيقة بشؤون الكتابة والكتاب.

5- تهتم بالمؤتمرات والندوات العربية الدولية التي تناقش شؤون الكتاب.

6- تهتم بمعارض الكتب.

تميزت مجلة (الكتاب) بوفائها لخطتها وأهدافها في العددين اللذين وقعت عليهما، إذ شمل التبويب (مراجعات الكتب) و (مراجعة مخطوط) و (العروض النقدية) و (كاتب وكتاب) و (صدر قديماً) و (معارض الكتاب) و (مكتبة الكتاب)، وهي فهرسة تعريفية موجزة بالكتب.

ثمة أمر مهم في تجربتها القصيرة هو أناقتها وحسن إخراجها والتزامها بقواعد عرض الكتب والتعريف بها، ومشاركة بعض أبرز الكتاب في تحريرها، وهي تماثل في هذا تجربة (تراث الإنسانية) المحتجبة على الرغم من التباين في وظيفتها. واستمرت (الناشر العربي) (طرابلس - ليبيا) متعثرة، وتلبي حاجة العناية بالكتاب العربي في مجالات فهرسته ومعالجة شؤونه ومشكلاته.

- دمشق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة