Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 
حقيبة سفر (9)
...............ميرا الكعبي

 

 

لا يختلف اثنان على مكانة مدينة بوسطن الأمريكية على المستوى الأكاديمي والثقافي، منذ أن كانت الوجهة الأولى التي احتضنت المهاجرين من إنجلترا ومن مختلف العالم، ثم أنشأت بها أول مدرسة وأول جامعة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية. لكنها أيضاً تحمل معنى خاصاً وحميماً بالنسبة لي حيث أنها كانت الوجهة الأولى التي احتضنت جبران خليل جبران الأديب اللبناني حينما هاجرت عائلته إلى بوسطن عام 1895م، وفيها واصل تعليمه ودراسته وسط ظروف متقشفة حيث كانت عائلته تعمل شتى الأعمال المتواضعة من أجل توفير ما يغطي تكاليف تعليم الصبي المتوقد ذكاء وحباً للفنون، وفي سن الخامسة عشر عاد الصبي الوسيم إلى لبنان كي يتعلم العربية ولكي يكتب بها وبقي فيها ثلاث سنوات، حتى عاد مرة أخرى إلى بوسطن، التي التقى فيها بحبيبته ماري هاسكل الأمريكية الجنوبية من خلال أحد معارضه التي تبنته فكرياً وثقافياً وفنياً، ودفعت تكاليف دراسته في باريس لتعلم الفنون الجميلة. كما دعمته على جميع الأصعدة في حياته الخاصة العاطفية والمادية والعائلية.

وحينما نقول جبران خليل جبران يرتبط مباشرة بالذاكرة اسم لامع شغل فكر الناس وقلوبهم، إنها مي زيادة فاتنة عصرها التي عشقها الكتاب والأدباء والشعراء والمفكرون، على الرغم من جمالها وترفها فهي لم تعشق سوى جبران البعيد الحاضر الغائب، ولقد استمر هذا الحب لمدة 19 سنة، ولم يعرفا مكان للقاء سوى عبر كلمات محملة برسائل مليئة بالمشاعر تعبر القارات والمحيطات والمسافات النائية من أجل أن تستقر في النهاية بيد أحدهما. لكنها كانت كفيلة بأن تقود مي زيادة إلى ما يشبه الجنون بعد وفاة جبران.

وقصة الحب العجائبية هذه شغلت اهتمامي وبحثي منذ وقت طويل، لقد بحثت كثيراً عن رسائل مي وجبران لسنوات، ومرة في إحدى معارض الكتب ظننت أنني نجحت في ذلك بعد إلحاح من مندوب أحد الأجنحة نجح بإقناعي بأن الموسوعة التي لديه عن جبران تحتوي على رسائله إلى مي زيادة ورسائلها له، ورغم الثمن ورغم حجم الكتب التي تعبت في حملها، خيبني جداً في النهاية بأن الموسوعة لم تتحدث عن الرسائل إلا في نصف صفحة! رغم الخيبة كان المعرض قد انتهى ولم أجد بداً من أن أحمل الموسوعة معي إلى بوسطن كي أقرأها تحت ظلال روح جبران.

وفي بوسطن أشعر بأنني أتنفس كلمات جبران لا أقرأها، يملأني حبور وشعور طفولي غامض حينما تعانق خطواتي خطوات جبران وإن كان يفصل الزمان بيننا بما يزيد عن مائة عام. ما زالت كلماته تنبض عشقاً ممتلئة بمعنى الوجد والألم وثائرة ضد الظلم والاستعباد والاستعمار ولكل قيود الحرية والإنسان.

هل كان جبران يحب مي زيادة حقاً حباً روحياً استمر عبر الرسائل طيلة 19 سنة مع أمل باللقاء؟! أم كان يحب ماري هاسكل المتكفلة بجميع شؤونه المادية التي طلب منها الزواج ورفضت لفارق السن ولعقدتها تجاه نفسها بأنها لا تستحق جبران الفنان الوسيم؟ أم كان يحب هيلانة غسطين؟ أم جوزفين؟ لكن الذي أعرفه حتماً بأنني كنت لأكون عاشقة من عاشقات جبران خليل جبران حتى بعد مائة عام.

- بوسطن


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة