Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
قراءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 
قيمة القافية في تشكيل الرؤية في نماذج من الشعر السعودي المعاصر
(12)
...د. دوش بنت فلاح الدوسري *

 

 

(12)

للقافية، بصفتها صوتاً دالاً، دور كبير في تشكيل الرؤية في النصوص الشعرية، ومن الممكن أن نلحظ ذلك في جوانب، منها حرف الروي.

من الملحوظ غالباً أن هناك علاقة ما تربط بين حرف الروي والرؤية في النص، وذلك راجع إلى ماهية الصوت الذي ينتظم حرف الروي وطبيعته.

ولكن.. من المهم ألا تكون هذه العلاقة مجردة، بعيدة عن التطبيق، فنجعل لحروف معينة معاني بذاتها لا تحيد عنها، بل يجب الدراسة العميقة للجانبين الجانب الصوتي في الحرف، والرؤية التي يحملها النص.

إن القيمة الصوتية والنفسية للقافية لا تظهر بجلاء،ولا يبوح بها النص الشعري.. إذا ظلت دراستنا للقافية دراسة آلية شكلية بعيدة عن استبطان النص، والتغلغل في لب التجربة، والوقوف على خصائص الحروف، ومحاولة تفسير سر اختيار قافية بعينها دون الأخرى، وهل هناك علاقة بين اختيار الشاعر للروي وبين تجربته الشعرية (1).

في قصيدة (عابر فوق جرح الخليج) للشاعر عبد العزيز العجلان، يتكرّر في نهاية المقاطع هذا الشطر (سلامٌ عليك، سلامٌ عليكْ). فحرف الكاف يأتي في نهاية كل مقطع ماعدا المقطع الأخير، والكاف من الحروف المهموسة، ومن الحروف الضعيفة.

ومن المعروف أن الحروف المهموسة فيها رقة ولين، وهذا ما يتناسب مع خطاب الشاعر للخليج في خضم مأساته في حرب الخليج الثانية، وما فيها من أهوال وشدائد، فهو يدعو له في نهاية المقاطع بأن يعمه السلام. فالسلام والهدوء والطمأنينة...

كل هذه المعاني يتناسب معها الحروف المهموسة الرقيقة، لا الحروف القوية والأصوات الخشنة.

سلامٌ عليكَ..

سلامٌ عليكْ..

سأجمع ذاكرتي ثم أرحلُ،

أحمله وألقي البقايا/ حفيف الرياح النوافر، وقع الغروب الشجيّ

انثيال الضياء المبجل../ بين يديك..وأرحل..

سلامٌ عليكَ

سلامٌ عليكْ

لم يبق في الظل متسعٌ للمقام

ولم يبق في الصمت متكأ للكلام

ولم يبق للظل نبض

ولم يبق للصمت إغراؤه المتدفق

............

فكيف المقام وفيم المقام؟

سلامٌ عليكَ..

سلامٌ عليكْ..

............

............

ففيم المقام؟

وكيف المقام؟ وقد ضاق بالصامتين السكونْ

وآض خلال العيون الحنينْ

ولم يبق في الشجن العربي متسعٌ لرفيف العصافير

أو همهمات الخزام

سلامٌ عليك

سلامٌ عليك (2)

ومن الحروف المهموسة أيضاً حرف الفاء، في قصيدة (كلمات على شفتي جرح)، للشاعر أحمد الصالح:

وحملتُ ذكرانا

وجئتُ إليك كالعصفور

مقصوص القوادم... والجناحْ

جمّعت... أوراق الهوى

لا تسألي عنها..!!

ففي طيّاتها..مشت الجراحْ

وغسلتُ في عينيّ

آثام العذاب.. ولوعتي

وبكيتُ..؟؟

حتى ابتلّ عمري بالنواحْ

أوّاه..!!

لو تدرين..!!

عن هول الفجيعة ِ

في عيون.. مات في أحداقها

طعم الصباحْ (3)

إن القصيدة تعبر عن رؤية عاطفية فيها الكثير من المعاناة، فنحن نلحظ موقف الضعف والعجز،والتعبير عن الأنين والبكاء.

ولذا، فقد تناسب صوت الحاء وهو صوت مهموس، ومن الحروف الضعيفة، مع هذا التعبير عن الضعف ووالحزن، فكأنه يوحي بعدم مقدرة الشاعر على الكلام إلا همساً ضعيفاً نظراً لحالة الخواء التي يعانيها.

والتعبير عن المعاناة يرتبط بالإفضاء، لذا نرى تكرر المد بالألف قبل حرف الروي، حيث وقعت الألف ردفاً لحرف الروي الحاء. وهذه المدود تتيح إطلاق الآهة، وإخراج ما به من ضيق، بل إن المدود تتكرر في النص في كلمات أخرى غير القافية: ذكرانا، القوادم، أوراق، عنها، طياتها، آثام، العذاب، أحداقها، فالمد (يتفق مع حالات الندب والتوجع والصياح) (4).

الرياض

* أستاذ مساعد (الدراسات الأدبية والنقدية) في جامعة الرياض للبنات، كلية التربية، قسم اللغة العربية.

(1) موسيقى الشعر العربي بين الثبات والتطور د.صابر عبد الدايم ص161 .

(2) أشياء من ذات الليل ص57 .

(3) عندما يسقط العراف ص1314 .

(4) دراسات في النص الشعري (العصر العباسي)، د. عبده بدوي، ص90 .


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة