Culture Magazine Monday  29/01/2007 G Issue 184
فضاءات
الأثنين 10 ,محرم 1428   العدد  184
 

وجوه وزوايا
ليالي السرد..!
أحمد الدويحي

 

 

وكنت ما زلت سارحا في الخطوة التالية، هذا المنتدى الجميل الذي يعرف كتاب القصة فضله عليهم، ويعرف كثير من المثقفين المراحل التي فرضت على الجماعة، لتنتقل من مكان إلى مكان إلى الزمن الراهن، ثم فجأة يأتي القرار الغريب، وكان الجماعة السردية مفرغة بقرار ملحق ملكية لنادي الرياض الأدبي، لا والمضحك جداً أن يعينوا لها رئيساً من خارجها، ألم أقل لكم أنه الزمن الغريب، ما علينا؟، أصلا الحديث عن هكذا واقع فراغ بحد ذاته..

الأستاذ ناصر الحزيمي، أسهب متنقلا بين المصادر في كتب التراث المتعددة، ليضع أيدينا قبل عيوننا وعقولنا على موارد كويلهو في رواية (الخيميائي)، فناصر وحده حكاية، ليس المجال الآن لروايتها، هذا الكائن (أسطورة)، يعرفها كتاب السرد القريبون منه، أمل في يوم ينصفني بالكتابة عن هذه القيمة الثقافية الحقيقية..

يقول ناصر: (تتكئ رواية الخيميائي على فكرة القدر وهي فكرة إيمانية بحتة، تعالج الكسب والإنساني خيره وشره من منطلق تسليمي، إن ما أصابنا ما كان ليخطئنا، وما أخطأنا ما كان ليصيبنا، هذه هي ركيزة الاعتقاد بالقدر خيره وشره، كما أنها تفعل دور الحلم في التصرف في الأفعال، فالنص حلم والحلم نص قابل للتحقق، والرواية تحكي قصة شاب من الريف الإسباني، اسمه (سانتياغو)، يعمل في رعي الغنم، رأى رؤيا أو حلما أكثر من مرة، يقول له: إن هناك كنزا تحت سفح الهرم، فيرحل إلى المغرب، ومنها إلى مصر حيث يذهب للمكان الذي توقع أن تحته الكنز، وأثناء عملية الحفر، يهجم عليه لصوص، ويروي لهم أنه رأى رؤيا تخبره عن وجود كنز تحت سفح الهرم فيسخر منه قائد اللصوص ويخبره أنه رأى مرتين حلما يخبره أن هناك كنزا في إسبانيا فذكر له قريته والكنيسة المهدمة التي يأوي إليها الرعاة، وأن الكنز تحت شجرة الجميز، وهنا يتنبه سانتياغو فيعود إلى إسبانيا ويستخرج كنزه.

ومما يحكى أن رجلا من بغداد، كان صاحب نعمة وافرة ومال كثير فنفد ماله، وتغير حاله، وصار لا يملك شيئا، ولا ينال قوته إلا بجهد جهيد، فنام ذات ليلة وهو مغموم، مقهور فرأى في منامه قائلاً: يقول له: إن رزقك بمصر فاتبعه، وتوجه إليه فسافر إلى مصر، فلما وصل إليها أدركه المساء، فنام في مسجد وكان بجوار المسجد بيت فقدر الله تعالى أن جماعة من اللصوص دخلوا المسجد وتوصلوا من إلى ذلك البيت، فانتبه أهل البيت على حركة اللصوص، وقاموا بالصياح فأغاثهم الوالي بأتباعه، فهربت اللصوص ودخل الوالي المسجد، فوجد الرجل البغدادي نائما في المسجد، فقبض عليه وضربه المقارع ضربا مؤلما حتى أشرف على الهلاك، وسجنه فمكث ثلاثة أيام في السجن، ثم أحضره الوالي وقال له من أي البلاد أنت؟ قال من بغداد، قال له وما حاجتك التي هي سبب في مجيئك إلى مصر؟، قال: إني رأيت في منامي قائلا: يقول: إن رزقك بمصر، فتوجه إليه فلما جئت إلى مصر وجدت الرزق الذي أخبرني، بت تلك المقارع التي نلتها منك، فضحك الوالي حتى بدت نواجذه، وقال له يا قليل العقل، أنا رأيت ثلاث مرات في منامي قائلاً، يقول لي: إن بيتا في بغداد، بخط كذا ووصفه كذا، يحوشه جنينه تحتها فسقية، بها مال له جرم عظيم، فتوجه إليه وخذه، فلم أتوجه، وأنت من قلة عقلك، سافرت من بلدة إلى بلدة من أجل رؤيا رأيتها، وهي أضغاث أحلام، ثم أعطاه دراهم، وقال له استعن بها على عودك إلى بلدك، فأخذها وعاد إلى بغداد، وكان البيت الذي وصفه الوالي هو بيت ذلك الرجل، فلما وصل إلى منزله حفر تحت الفسقية، فرأى مالاً كثيرا ووسع الله عليه رزقه).

ويقول ناصر: هذا هو النص الذي اتكأ عليه كويلهو في روايته الخيميائي، وهو نص قصير جدا إلا أن عبقرية الروائي، صنعت منه رواية متميزة، وغالباً أن نص الليالي مأخوذ عن نص ذكر في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي المتوفى سنة 384 هجرية. قال القاضي التنوخي: (حدثني أبوالربيع سليمان بن داود البغدادي، صاحب كان لأبي، وكان قديما يخدم القاضيين، أبا عمر محمد بن يوسف، وابن أبي الحسين في دورهما، قال كان في جوار القاضي قديما، رجل انتشرت عنه حكاية، وظهر في يده مال جليل، بعد فقر طويل، وكنت أسمع أن أبا عمر حماه من السلطان، فسألت عن الحكاية، فدافعني طويلا، ثم حدثني قال: ورثت عن أبي مالا جليلا، فأسرعت فيه، وأتلفته، حتى أفضيت إلى بيع أبواب داري وسقوفها، ولم يبق لي من الدنيا حيلة، وبقيت مدة بلا قوت إلا من غزل أمي، فتمنيت الموت، فرأيت ليلة في النوم، كأن قائلا يقول لي: غناك بمصر، فاخرج إليها. فبكرت إلى أبي عمر القاضي، وتوسلت إليه بالجوار، وبخدمة كانت من أبي لأبيه، وسألته أن يزودني كتابا إلى مصر، لأتصرف بها، ففعل، وخرجت. فلما حصلت بمصر، أوصلت الكتاب، وسألت التصرف، فسد الله عليّ الوجوه حتى لم أظفر بتصرف، ولا لاح لي شغل.

ونفدت نفقتي، فبقيت متحيراً، وفكرت أن أسأل الناس، وأمد يدي على الطريق، فلم تسمح نفسي، فقلت أخرج ليلاً، وأسأل، فخرجت بين العشاءين، فما زلت أمشي في الطريق، وتأبى نفسي المسألة، ويحملني الجوع عليها، وأنا ممتنع، إلى أن مضى صدر من الليل. فلقيني الطائف، فقبض عليّ، ووجدني غريباً، فأنكر حالي، فسألني عن خبري، فقلت: رجل ضعيف لم يصدقني، وبطحني، وضربني مقارع.

فصحت: أنا أصدقك. فقال: هات. فقصصت عليه قصتي من أولها إلى آخرها، وحديث المنام. فقال لي: أنت رجل ما رأيت أحمق منك، والله لقد رأيت منذ كذا وكذا سنة، في النوم، كأن رجلا يقول لي: ببغداد في الشارع الفلاني، في المحلة الفلانية - فذكر شارعي، ومحلتي، فسكت وأصغيت إليه - وأتم الشرطي الحديث فقال: دار يقال لها: دار فلان - فذكر داري واسمي فيها بستان وفيه سدرة -، وكان في بستان داري سدرة، وتحت السدرة مدفون ثلاثون ألف دينار، فامض، فخذها، فما فكرت في هذا الحديث، ولا التفت إليه، وأنت يا أحمق، فارقت وطنك، وجئت إلى مصر بسبب منام. قال: فقوي بذلك قلبي، وأطلقني الطائف، فبت في بعض المساجد، وخرجت مع السحر من مصر، فقدمت بغداد، فقطعت السدرة، وأثرت تحتها، فوجدت قمقما فيه ثلاثون ألف دينار، فأخذته، وأمسكت يدي، ودبرت أمري، فأنا أعيش من تلك الدنانير، من فضل ما ابتعت منه من ضيعة وعقار إلى اليوم).

بدأ وكأن ناصر يخوض معركة ممتدة منذ اكتشف أن جمال الغيطاني وضع يده على كتب التراث، وأدخل شيئا من تفاصيلها في رواياته، وفعل مثله بورخيس وماركيز وغيرهم من روائيي العالم.

سطر أخير..

أقول في النهاية لا أعرف؟ ما تسفر عن خطوة الدكتور عبدالعزيز السبيل حول نادي القصة، ولكنها في كل الأحوال خطأ كبير، وضد إرادة كتاب السرد الذين لم يستشاروا، وقتل لمنجز ثقافي ظل بعيداً عن الاحتواء، والصراعات والأنانية والشللية، وفتح نوافذ كثيرة لهذا الفن السردي الجميل، خصوصا أنه يعرف نشاط الجماعة التي كان واحداً منها، فما يحدث الآن خارج الفهم تماماً، ويفسر بشكل سلبي جداً.

aldwi7y1000@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة