Telecom & Digital World Magazine Sunday02/09/2007 G Issue 223
ريبورتاج
الأحد 20 ,شعبان 1428   العدد  223
 

الفضائيات ..حقائب مليئة بالفوضى!!

 

 
*ريبورتاج: غادة إبراهيم

بسبب (الريموت كونترول) لا يستطيع المرء أن يستقر على قناة واحدة لأكثر من بضع دقائق فيظل يتحول من قناة إلي أخرى, وكأن المطلوب من المشاهدين في عصر الفضائيات الجنوني أن يضلوا ويضيعوا بين القنوات.

إننا نعيش في عصر اللامشاهدة أو التشتيت والتمييع الإعلامي الرهيب فعلاً، بسبب هذا الكم الهائل من الفضائيات العربية والأجنبية، لهذا أصبحت البرامج التلفزيونية تُقدم على طريقة الوجبات السريعة، فقلما تجد برنامجاً في التلفزيونات الغربية يزيد على نصف ساعة موزعة على عدة فقرات لا تزيد الواحدة منها على بضع دقائق.

لقد جعلت العولمة من هذا الجهاز الرهيب المسمى بالتلفاز وسيلة لتضييع الوقت والتشتيت المبرمج، بدلاً من أن يكون وسيلة للتنوير والتثقيف والارتقاء بالمجتمعات.

لهذا فإن بعض المثقفين والمفكرين لا يشاهدون التلفاز، إلا قليلاً، لأنه، برأيهم، مضيعة للوقت.

وقد أخبرني بعض الأشخاص بأنهم لا يمتلكون صحوناً لاقطة (ستالايت) في منازلهم، وهم يفضلون قضاء وقتهم في القراءة والمطالعة على مشاهدة التلفاز.

في زماننا المتعولم، قد تشاهد مائة قناة، وكأنك لم تشاهد شيئاً، لتخرج خاوياً.

لذا توجهنا إلي عدد من الإعلاميات والمثقفات لاستطلاع آرائهن حول كثرة وتأثير القنوات الفضائية علي المشاهد العربي والتي تضعه في حيرة من أمره في ظل هذا الكم الهائل من الفضائيات.

في البداية تحدثت (ريم اليانع) معدة برامج بإحدى القنوات الفضائية وقالت: أجريت العديد من الدراسات حول الفضائيات العربية..

وتضمت الكثير من المعلومات منها على سبيل المثال أن القاسم المشترك لبرامج القنوات الفضائية العربية هو المادة الترفيهية وأفلام الجريمة والعنف والرعب.

فالبرامج الفنية تمثل نسبة 60% من ساعات البث بينما برامج اللغة الواقعية 25% والتقارير الإخبارية 5% وهناك تركيز على المسلسلات بنسبة 20% وبرامج المنوعات 19% من ساعات بث القنوات العربية، وأن القنوات الفضائية العربية تبلغ 8% من قنوات العالم الفضائية.

وهي معلومات تدعو إلى طرح أسئلة عديدة حول نوعية وقيمة برامج الفضائيات بمختلف أنواعها، إضافة إلى كيفية تقويم أداء برامج الفضائيات العربية لتناسب أجيال الشباب أو لتساعدهم على الوعي الفكري؟ ولكن بالرغم من كثرة الفضائيات وازدحامها يرى البعض أن الحياة أصبحت أقل مدعاة للضجر والملل بوجود هذه الفضائيات.

والبعض وجد أن كثرة الفضائيات وقلة المهنية والحرفية جعلتنا نرى العجب العجاب، إضافة إلى أن هناك برامج تستحق التصفيق كبعض القنوات الإخبارية والثقافية والسياسية الجادة.

وأخرى لا تستحق عناء الحديث عنها.

تدرج حضاري

من جانبها ترى سلوى توفيق، كاتبة وإعلامية، من حيث المبدأ ان هذه الثورة في مجال الاتصال والمعلومات وما يسمى بالسماوات المفتوحة هو إنجاز على طريق التدرج الحضاري للإنسانية لا يمكن إنكاره، فقد صارت الحياة أكثر احتمالاً وأقل توترا ومللا مما كانت عليه قبل وجود هذه الاختراعات وفي مقدمتها هذه المحطات.

وتضيف قائلة: هذه نقطة أولى، النقطة الثانية هي أن هناك خوفاً بل رعباً كبيراً رافق بداية ظهور هذه التقنيات حيث كان الخوف كبيراً لدى النخبة من أن يقع الناس فريسة لإعلام الدول المتقدمة بكل ما ينتج من ذلك من استلاب وغزو للعقول ومحو للشخصية والهوية الوطنية، وقد ثبت أن ذلك الخوف غير صحيح لأن المشاهد في الغالب وفي ظل هذا الازدحام وهذه الكثرة سيشاهد المحطات المخاطبة لثقافته ولغته.

وتتابع سلوى توفيق قائلة: بالنسبة إلى التقويم فإن الاستقطاب هو أول عيوب الفضائيات الاجنبية التي لا تشعر أنها تضع المواطن أو المشاهد ومصلحته في الاعتبار الأول وإنما هي تخدم جهة ما فالولاء ليس دائماً للمشاهد.

ويستوي في ذلك القنوات الإخبارية أو الفنية وقنوات التسلية والترفيه، والنقطة الثانية وهي تفصيلية فإن المستوى الثقافي يعاني تدنياً بشعاً ولا نرى ما يكفي من المادة الفكرية والثقافية المعنية بتعميق الفكر وتنمية المدارك وتوعية الناس على مستوى الفكري.

وما هو موجود الآن من برامج تعمل على تغييب وعي الشباب لا تعميقه.

غياب المحطات الثقافية

وتتسائل بدرية القفاري المحررة بإحدى المجلات قائلة: أين هي الفضائيات الثقافية؟ هل نعتبر أن الفضائية التي تبث أفلاماً 24 ساعة محطة ثقافية؟ لا توجد قناة إعلامية واحدة مخصصة للثقافة.

في حين العشرات مخصصة للرياضة.

أقول للرياضة فقط وليس للشباب.

ولكنها لا تقوم بأي دور من أجل تحديث فهم المواطن ومواجهة مشكلات العصر.

الإيجابية الوحيدة في انتشار الفضائيات العربية وتعددها الآن أن المواطن العربي أصبح يرى ما يجري حوله في لحظة وقوعه.

وتتابع قائلة: أولاً لنتفق على قاعدة أساسية هي أن الإعلام العربي في عصر الفضائيات هو غيره ما قبله وبالتالي يمكن القول ان الحقيقة الماثلة للعيان وهي أن الفضائيات العربية انتقلت نقلة نوعية في السنوات العشر الأخيرة أولاً بفضل عصر (الديجتال) الذي لم يعد ممكناً منعه من اختراق الأسوار في العالم العربي وأضحى متاحاً الاطلاع المشبع على مجريات الأحداث ومتابعة دقائق الأمور أولاً بأول ونحن على أعتاب حقبة أكثر تطوراً من الناحية التقنية ستتيح ما هو أكثر من المتاح حالياً خاصة مع تفاعل تقنيات التلفزيون والانترنت وعليه فإن التطور الأكثر مثولاً في العصر الجديد هو الشفافية الهائلة في متابعة ما يجري.

ناهيك عن كسر عائقي الزمان والمكان بما جعل المعطيات بين يديك دون أن تتحرك من مكانك.

أما من حيث البعد الموضوعي فان الإعلام العربي لا ينظر إليه وفق مسطرة واحدة لكن الفرصة التي أتاحت للإعلام الخاص أن ينطلق جعلته تائهاً بين خياراته فقد كانت الفكرة الأهم من حرية الإعلام المفتوح هي الحصول على الحقيقة النسبية ولكن ذلك ليس مطلقاً إلا انه على صعيد الترفيه انفلت العقال إلى درجة الابتذال الأمر الذي أضحى مستوجباً معه فرض ميثاق شرف للحفاظ على عذرية العقل العربي دون تلوث أو خدش.

ويمكن القول انه رغم تساوي الفضائيات في إمكانياتها الفنية إلا أنها متباينة في محتواها وأدركت دول العالم أهمية مخاطبة المشاهد العربي ليس هياماً به ولكن في إطار حرب تغيير الفكر العربي.

فالمواطن العربي في النهاية هو الضحية فقد ضل طريقه ولا يدري من أين يبدأ اللعبة والى أين ستنتهي به؟! غث الفضائيات وتقول (رهف اليأس) مديرة إحدى المحطات الفضائية: مما لاشك فيه أن الفضائيات العربية الخالصة قد قفزت بلا شك قفزة نوعية طورت فيها ذهن المشاهد ولكنها في نهاية المطاف وضعته في موضع المصارع وصار لزاماً عليه الاختيار الواعي وإدراك الغث من السمين.

ومما يعاب على الثورة الفضائية العربية الحالية تجنبها أو تجاهلها للبعد الثقافي خاصة مع الانتشار الغث للفضائيات السخيفة التي لا تروج للإسفاف الفني فحسب بل وتمسخ ذوق المشاهد بأنماط لم تكن شائعة مثل قنوات السحر والمسابقات الرديئة.

والخلاصة هنا أن الفضاء العربي في عقده الأخير تطور فنياً ومضموناً فالحرية بمعنى حرية التدفق لم يعد هناك ما يمنعها ولكن المشكلة هي في استغلال هذا التدفق لتمرير الأفكار الهدامة والتي ستكلف المشاهد العربي مزيداً من الجهد لفلترة ما يتلقاه من سيل عارم من المعطيات في خضم ازدحام فضاءنا بكم هائل من القنوات.

ولا شك أن أخطر فئة مستهدفة في المجتمع العربي هي الشباب والنساء.

ولذا نرى هذا التيار الجارف من الفضائيات لنشر الإسفاف ولمحو الذوق الثقافي.

ومع هذا لا زالت الفضائيات العربية قاصرة عن أداء الدور الوطني والقومي في تعبئة الأجيال الشابة من الجنسين بما يفيدها في التوعية والمعرفة وترسيخ الهوية العربية الأصيلة وتنوير العقول بالمفاهيم العصرية الواعية مع إدراكنا للحاجة للتسرية عن النفوس وإمتاع العين والأذن.

شكل الرسالة

وفي نفس السياق تضيف (إيمان الربيعة) مقدمة برامج: الفضاء أصبح مفتوحاً..

وهذا جعل كل من لديه هدف أيديولوجي أو ايديولوجي مادي أو مادي بحت جزءا من المشهد الإعلامي والإعلاني...الرأسمالي... حجمه وحجم فكر من ورائه هو الذي يحدد شكل الرسالة التي تهوي على رؤوس المشاهد العربي الذي أصبح لديه مساحات كبيرة للانتقاء ولكن الاختيار من بين ماذا؟ قد يكون هذا هو السؤال. العموم.

هناك تجارب مشرقة وتستحق المتابعة.

الإعلام مرآة المجتمع ونحن ما زلنا في عالمنا العربي في البداية أي أن الإعلام في حالة تجدد مستمر فهناك بعض القنوات الواضحة حتى في الرسالة التافهة ولكن السم يأتي في الدسم أحياناً.

وعن كيفية تقويم البرامج لتساعد الشباب على الوعي الفكري قالت: على الأقل وفي البداية وعلى وجه السرعة إذا تخلصنا من قنوات التشات و الموسيقى/تشات، أما ما تبقى فالريموت نعمة كبرى.

فمن المهم أن يستطيع الإنسان أن يختار ما يشاهد بالوقت الذي يريده من سياسة, رياضة, أفلام, موسيقى, مسلسلات, برامج دينية.

المشاهد سينتقي ما يشاء في النهاية ولكن المسؤولية الإنسانية على الأقل إن لم تكن اجتماعية أو دينية تحتم عدم تقديم أو السماح ببث القنوات الهابطة.

استهلاك مبتذل

ومن جهة أخرى تقول (مي شحور) معدة برامج: لا أحد ينكر الدور الريادي الذي أضحت تلعبه الفضائيات العربية على الصعيد العربي، إلا أن ما يسجل بكل حسرة وأسف هو هذا التهافت على إنشاء الفضائيات، وإغراق المشاهد العربي في مواد إعلامية لا تخرج عن نطاق الاستهلاك البسيط إن لم نقل المبتذل.

فالعديد من الفضائيات العربية تدفع الناس إلى المزيد من الانكماش والخمول واللامبالاة، لأن جل شغلها الشاغل هو تشجيع الذهنية الترفيهية على حساب الذهنية الإنتاجية.

أما ما هو مفارق في الحقل الإعلامي العربي من زاوية أخرى، هو التمايز الصارخ بين الخطاب الإعلامي المتقدم والبنية المجتمعية التقليدية.

والحصيلة أن المشاهد العربي كان مجبرا (لا بطلا) على مشاهدة البرامج المفروضة عليه فرضاً، وهي بطبيعة الحال برامج مفارقة للواقع الذي كان يتحرك بإيقاع سريع جدا من خلال صورة الإعلام الغربي لدى المثقف العربي... وهذا ما كان يتسبب في إصابة هذا المشاهد المغلوب على أمره بحالات من الاكتئاب النفسي المزمن، نتيجة ما كان يشاهده عن كره منه من برامج ثقافية وفنية وإخبارية وترفيهية لا يرضى عنها، ولا تلبي أبسط احتياجاته في المعرفة والترفيه والإخبار.

وأخيرا يمكننا القول، إن الفضائيات العربية لا يمكن حصرها فقط في الأداء فهي كما حال واقعنا العربي المرير تترنح بين تطلعات المستثمرين وأهواء المشاهدين.

إن التنوع في ما تطرحه هذه القنوات الفضائية يحمل مؤشراً واضحاً أن الإعلام العربي اليوم بحاجة إلى وقفة حقيقية لتصحيح المسار مع وضع حدودا لحيرة المشاهد.

وأعتقد أن كثرة الفضائيات والتشابه في معظمها دليل استسهال من قبل القائمين عليها للاتجاه إلى الاستثمار الإعلامي قليل التكلفة وسريع المردود خاصة من خلال القنوات الغنائية.

فضائيا وإلكترونيا أصبح لدينا فعلاً حريات حقيقية ليستطيع المشاهد الواعي اختيار ما يناسب عقله وثقافته.

فالمشهد الإعلامي العربي في معظمه مشهد مستنسخ عن المشهد الإعلامي الغربي سواء أكان ذلك على صعيد البرامج السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الفنية والترفيهية أو الرياضية، لكنه استنساخ مشوه معظمه يقوم بالتركيز على الشكل مع إهمال المضمون. كما أنه إعلام إعلاني في غالبية برامجه أي غير فاعل أو متفاعل مع الرأي العام.. وبدورنا نتسائل هنا: هل ستضع الفضائيات نهاية لحيرة المشاهد العربي؟ أم سيظل يسبح فيها دون الوصول إلي شاطئ الأمان!!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة